أحمد محمد الشحي- البيان الاماراتية-
تعتبر الجامعات من أهم الصروح العلمية، ومن أبرز مراكز الإشعاع الحضاري في المجتمعات، وهي تحتضن أفضل نوعيات من الشباب المثقف الطامح في شتى التخصصات العلمية والأدبية، ولا يتوقف أثر الجامعات على تزويد الطلبة بالمعلومات فقط، بل لها الأثر الكبير في التشكيل المعرفي والتكوين الثقافي والبناء الفكري للطلبة، وبمقدار ارتقاء الجامعات في أهدافها وطرائق أدائها يرتقي الطلبة، ويرتقي المجتمع بدوره، وتزدهر الدولة وتتقدم.
ونظراً إلى أهمية الجامعات، باعتبارها محاضن للشباب الواعد وأثرها البالغ عليهم، يحرص أصحاب الأجندات المنحرفة على اختراقها، وتثبيت أرجلهم فيها، ليتسنى لهم اختراق عقول الشباب، وتغذيتهم بالأفكار والاتجاهات التي تخدم مصالحهم وأجنداتهم، سواء كانت أفكاراً متشددة ومتطرفة تهدف إلى تدمير الشعوب والأوطان، أو كانت على النقيض تدعو إلى أجندات تحررية لهدم النظام السياسي والاجتماعي والثقافي والديني في المجتمعات والدول.
ومن وسائل هؤلاء لتحقيق أهدافهم تمرير الشخصيات التي تخدم أجنداتهم بأي طريقة ذات هدف، لتتمكن من التوغل والتدريس في الجامعات، وتغذية عقول الشباب والشابات بالأفكار المنحرفة، ومن وسائلهم أيضاً تمرير الكتب والمقررات التي تخدم أجنداتهم لتدريسها في الجامعات، ومن أبرز الأفكار التي يبثونها: ثقافة الثورات والمظاهرات، وإسقاط الأنظمة، وتحجيم صلاحية الحاكم، ومشاركة الحاكم في السلطة، والجرأة على المسائل الشرعية، والدعوة إلى التحرر المنفلت، وغيرها من الأفكار، وذلك تحت شعارات وتخصصات متعددة، سواء كانت علوماً شرعية أو سياسية أو فلسفية أو ثقافية أو مناهج إعلام أو غيرها، وسواء كانت تحت شعارات دينية أو تحت شعارات أخرى براقة كالحقوق والحريات وغيرها، والواقع أثبت أن هناك جامعات مخترقة من قبل بعض التيارات والتنظيمات، خاصة من قبل الإخوان والسرورية وأمثالهم.
ولذلك، فإن من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الجامعات في المجتمعات العربية والإسلامية أن تنتهج نهجاً واضحاً واعياً حازماً تجاه هذه التهديدات، وأن تتخذ إجراءات دقيقة لسد الباب أمام أي صاحب أجندات يريد التسلل إلى هذه الصروح العلمية لتحقيق أغراضه الخاصة، وذلك من خلال أمور عدة، مثل التدقيق على لجان التعيين، وتطوير معايير اختيار أعضاء التدريس، والتدقيق على المناهج والمقررات، ووضع آليات أكثر فعالية لتقييم المدرسين، ومتابعة خط سير تدريسهم، وتزويدهم بالدورات والبرامج التوعوية والتثقيفية التي ترسّخ فيهم الأمن الفكري والثقافة المعتدلة، وعدم الاكتفاء بالتعيين دون متابعة المدرسين وما يبثونه بين الطلاب، وذلك لضمان تحقيق العملية التعليمية أهدافها الصحيحة.
وعلى الأستاذ الجامعي أن يعلم أنَّ دوره في هذا المضمار كبير، فهو العنصر الأساسي في العملية التعليمية، ومن واجبه أن يصنع للمجتمعات أجيالاً واعية متعلمة تفتخر بها، وأن يسخّر إمكاناته من أجل ذلك، مبتعداً كل البعد عن أي أجندة تضر بهذه العقول، فهي أمانة بين يديه.
كما أن التهديدات التي تطول عقول الطلاب لا تقتصر على المدرسين وهيئات الجامعات فقط، بل قد تتوجه إليهم السهام المسمومة من قِبل زملائهم الطلاب ذوي الأجندات والاتجاهات السلبية، وهؤلاء قد يكونون أحياناً أكثر خطراً وأشد ضرراً، وخاصة إذا كانوا مرتبطين بأجندات خارجية، حيث يتم توجيههم لاستغلال الأنشطة الطلابية، ومحاولة السيطرة والتأثير في الطلاب والطالبات، وبث الأجندات فيهم عبر هذه الأنشطة والبرامج، وبث الأفكار في سكن الطلاب والطالبات، ولذلك فإن من واجبات الجامعات أن تكون يقظة وعلى دراية تامة بما يُبثُّ في صرح الجامعة وفي سكن الطلاب التابع لها، وأن تتصدى لأي برامج وأنشطة مشبوهة، لضمان وجود المناخ الجامعي الصحي السليم، ومما يعين على ذلك وضع اللوائح الداخلية التي تضبط أنشطة الطلاب وتدير سلوكهم وتمنع البرامج والأنشطة والحراكات المشبوهة أيًّا كان نوعها، وتطوير اللوائح الموجودة لتواكب هذه التحديات، وعقد البرامج والأنشطة التي تبث المخرجات الصحيحة، وتغذي الطلاب بها، مثل تعميق قيم المواطنة وتعزيز الهوية وثقافة احترام الحاكم والالتفاف حوله والمحافظة على الأمن والاستقرار وترسيخ الوحدة والتلاحم ونبذ العنف والتطرف والتشدد، وغيرها من المخرجات الإيجابية، ودعم الأنشطة الطلابية التي تخدم ذلك.
ومن المقترحات الوقائية والعلاجية أيضاً تضمين المناهج والمقررات الجامعية مادة مشتركة أساسية لجميع المراحل والتخصصات العلمية والأدبية عن المواطنة الإيجابية ومقوماتها، فكم من طالب جامعي انضم إلى تنظيمات متطرفة، وارتكب جرائم إرهابية شنيعة، وكم من طالب جامعي انخرط في اتجاهات مضرة تسببت في الثورات ونشر الأفكار الشاذة، ويرجع ذلك كله إلى سببين إجماليين: أولهما: عدم وجود جهود من قبل بعض الجامعات لنشر الوعي الصحيح بين الطلبة الجامعيين لتحصينهم وتقوية مناعتهم وتزويدهم بالشخصية المعتدلة، والثاني: دور أصحاب الأجندات المغرضة في نشر الثقافة المغلوطة في أوساط الطلبة الجامعيين، والحل هو في سد هذه الثغرة عبر إجراءات ومقترحات عملية من مثل ما ذكرناه.
وأخيراً، فإن مسؤولية الجامعات كبيرة في تنمية الطلاب والطالبات، وتحصينهم من مختلف الأخطار التي تهددهم، وتخريج أجيال واعية مستنيرة تحمل رسالة بنَّاءة وأهدافاً نبيلة، وتتحلى بالعلم والثقافة الهادفة، وعلى الطلاب أن يعلموا أنهم ثروات لا تقدر بثمن، فعليهم أن يحافظوا على عقولهم وأفكارهم، وأن يكونوا سواعد قوية تعتمد عليها دولهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، وكوادر وطنية واعية تنشر التطور والتقدم والازدهار وتحافظ على مكتسبات دولهم ومنجزاتها.