بعدما حلّت السعودية مشكلة القبول في الجامعات خلال السنين العشر الماضية، عادت أزمة القبول وتوافر المقاعد الدراسية الجامعية لتطل برأسها مجدداً هذا العام، وسط تذمّر من الأهالي والطلاب، من دون أن يجدوا من يجيب عن تساؤلاتهم عن سبب الأزمة. وزارة التعليم برّأت ساحتها، وأعلنت أن القبول في الجامعات يحدّده مجلس كل جامعة على انفراد، وفق تصريح للناطق الرسمي مبارك العصيمي، فيما غاب صوت الجامعات عن التعليق وتوضيح سبب الأزمة!
منطقياً، الأزمة ليست مبررة، فالسعودية لديها اليوم فوق 25 جامعة حكومية و10 جامعات خاصة، وهي التي كانت إلى قبل 12 سنة لا تزيد عن سبع جامعات، ما يعني نظرياً أن الجامعات قادرة على استيعاب العدد الأكبر من الخريجين، إلا أن ما حصل فعلاً يختلف عن التصوّر النظري، فكثر - خصوصاً الطالبات - لم يجدوا مقاعد تسعهم وتسع أحلامهم وطموحاتهم.
ومع غياب الصوت الرسمي الذي يوضح ويعلن بشفافية ما يحصل، كثرت التكهنات عن سبب الأزمة، وسادت تفسيرات في المجالس ومنصات التواصل الاجتماعي، فمن قائل إن السبب هو إيقاف الابتعاث الذي كان يشمل عدداً لا بأس به من الخريجين، إلى قائل إن السبب هو كبر حجم قبول غير السعوديين من المقيمين من سورية واليمن، إلى من يرى أن السبب هو اتفاق غير معلن لخفض عدد المقاعد في الجامعات، لتوجيه الشباب نحو التعليم الفني والتقني الذي يحتاج إليه البلد، ورأي آخر يقول إن خفض موازنات الجامعات جعلها تخفض عدد المقبولين مقارنة بالأعوام الماضية، ما خلق أزمة قبول ومقاعد هذا العام.
بالتأكيد كل الآراء والمبررات السابقة لا يمكن التأكد منها لغياب الصوت الرسمي الواضح والشفاف من وزارة التعليم أو الجامعات الحكومية، لكن من الواضح أن لكل منها تأثيراً بدرجة ما في الأزمة الحالية.
الأول وهو وقف الابتعاث أو تحجيمه، له تأثير صغير جداً، فالابتعاث السنوي كان يشمل عدداً صغيراً مقارنة بعدد الخريجين الإجمالي، ولن يكون تحجيمه أو تقليله مؤثراً، خصوصاً إذا عرفنا أن وزارة التعليم العالي (سابقاً قبل دمجها مع وزارة التعليم) كانت تعلن سنوياً عن مقاعد شاغرة تزيد عن عدد الخريجين بما يصل إلى 100 ألف مقعد.
الرأي الثاني، وهو قبول عدد كبير من المقيمين في الجامعات الحكومية له منطق، إلا أن بعض التصريحات الرسمية أوضحت أن عدد غير السعوديين لن يزيد عن اثنين في المئة (خمسة في المئة في تصريح آخر) من عدد المقبولين الإجمالي، وهي أيضاً نسبة صغيرة لن تؤثر في قبول السعوديين بمفردها، وإن كانت الأولوية تحتّم أن يتم أولاً قبول السعوديين بكامل سعة الجامعات، ثم يفتح الباب للطلاب المقيمين، بزيادة بنسبة خمسة في المئة عن العدد الكلّي للمقبولين، فنضمن ألا يتأثر السعوديون، وكذلك ألا يُحرَم المقيمون، ممن قدموا إلى المملكة بسبب الظروف الأمنية في بلدانهم، من فرصة التعليم الجامعي.
الرأي الثالث، وهو خفض استيعاب الجامعات لتوجيه الخريجين نحو مقاعد التعليم الفني والتقني، رأي وجيه وسبب منطقي، لكن يجب - إن كان صحيحاً - أن يكون معلناً للجميع، وأن توضح فيه النسبة المستهدفة زيادتها في مقاعد التعليم الفني والتقني، وما هي التخصصات؟ وهل مؤسسة التعليم الفني والتقني مستعدة لاستيعاب نسبة إضافية من الخريجين؟ وهل نضمن توجّه من لم تقبلهم الجامعات إلى مقاعد التعليم الفني؟ وهل مقاعد التعليم الفني المخصصة للفتيات كافية ومناسبة لسوق العمل؟ هي أسئلة لم تناقَش، ولا تجد لها إجابات وافية وشافية.
الرأي الرابع، وهو أن تقليل موازنات الجامعات جعلها تقلل عدد المقبولين هذا العام، هو رأي لا يمكن التأكد منه، فلم تعلن أي جامعة لليوم عن خفض القبول بسبب نقص في الموازنة، كما أن التقشف في الجامعات يجب أن يكون في أشياء أخرى ليس من بينها قبول الطلاب، ولأنه لم يصدر شيء رسمي فلا تمكن معرفة تأثير هذا السبب إلا بعد انتهاء فترة القبول ومقارنة أعداد المقبولين في كل جامعة مع مثيلاتها في الأعوام الماضية.
ختاماً، التعليم الجامعي حق لكل خريج، وحتى مع التوجه إلى زيادة المقاعد في التعليم الفني والتقني، فالأصل أن يكون التحول تدريجياً ومعلناً بنسب سنوية معينة، حتى نصل إلى النسبة المطلوبة في التعليم الفني وفق المتوسطات العالمية خلال خمس أو ست سنوات، وما يحصل حالياً هو أزمة غير واضحة السبب، ومن دون خطة واضحة ومعلنة للقبول وخطة لاحتواء من لم تقبلهم الجامعات وتوجيههم نحو فرص أخرى، ما يزيد الحيرة والتذمر فقط من دون حل أزمة أو إزاحة عن الطلاب وأهاليهم لغمّة وهمّ.
د. عبد الله بن ربيعان- الحياة السعودية-