بي بي إس- ترجمة علي النجار -
عندما وصل طالب سعودي يبلغ من العمر 26 عاما للمرة الأولى إلى حرم جامعة Midwest قبل عامين، كان يتطلع إلى مقابلة أصدقاء جدد وتعلم كيفية التفكير بشكل مختلف، لكنه على النقيض من زملائه الجامعيين يقول إنه غير مسموح له بالتحدث بحرية.
جاء ذلك في تقرير جديد أوردته شبكة "بي بي إس" الأمريكية، سلط الضوء على الرقابة الصارمة المفروضة على الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة من قبل حكومتهم التي تقوم بزرع جواسيس بينهم.
وأشارت الشبكة الأمريكية إلى أن الطالب -الذي طلب عدم الكشف عن هويته خشية الانتقام منه- حاصل على منحة من الحكومة السعودية.
ولفتت "بي بي إس" إلى أنه على مدار سنوات، وفقا لخبراء استخباراتيين، و8 مبتعثين سابقين وحاليين أجريت معهم مقابلات، فإن الحكومة السعودية تراقبهم عن كثب عندما يغادرون للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكرت الشبكة أن العقوبات المفروضة على من ينتقدون المملكة أثناء تواجدهم بالخارج مروعة وتتضمن تجميد جواز السفر، وتهديدات بالقتل، والترهيب، وسحب المنح ومحاولات إعادتهم إلى البلاد.
وفي المقابل تنفي الحكومة السعودية مراقبة طلابها أو إغرائهن من أجل العودة، وقال المتحدث باسم السفارة السعودية في أمريكا "فهد الناظر" إن تجربة الكليات الأمريكية إيجابية.
وذكرت الشبكة الأمريكية أن الطالب السعودي الذي تحدثت إليه التحق بكلية Midwestern، وقال إنه في إحد الفعاليات في 2017 أخبره زميله السعودي أيضا أنه وشخص آخر حضرا الفعالية لغرض آخر، وهو أن يقدما تقريرا للسفارة والحكومة السعودية.
وقال "آدم كوغل"، وهو باحث في شؤون الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إنه تلقى اتصالا الخريف الماضي من أستاذ جامعة "جونز هوبكنز"، الذي عبر عن استيائه من أن أحد طلابه تلقى رسالة نصية من السفارة السعودية.
وقال "كوغل" إن الرسالة النصية التي تمت صياغتها بعناية طلبت من الطالب الابتعاد عن الفعاليات المعادية للسعودية، وهو الأمر الذي اعتبره الطالب بمثابة تهديد.
وذكرت الشبكة الأمريكية أن الطالب المجهول الذي تحدث إليها، يعتقد أن داخل كل منظمة طلابية يشارك فيها، يكون للمملكة واحد أو اثنين من الجواسيس.
وأضاف الطالب أن السفارة السعودية تتصل بهؤلاء الطلاب الجواسيس: "الآن، إذا لديك فعاليات، نحتاج إلى تقرير كامل حول كل ما جرى بالفعالية، فقط اكتب التقرير كاملا، وأضف كل ما قيل خلال الحدث".
وذكرت الشبكة أن الطلاب السعوديين بدأوا في المجيء إلى الولايات المتحدة في منتصف الخمسينات، عندما فتحت المملكة مكتبا للشؤون التعليمية في نيويورك، وبحلول 1975، كان هناك حوالي 2000 طالب سعودي من الحاصلين على منح دراسية حكومية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأفادت أنه اليوم يوجد حوالي 60 ألف طالب سعودي يدرسون في الوقت الحالي بالخارج، وهناك حوالي 40 ألف منحة دراسية مقدمة من وزارة التربية والتعليم في المملكة حيث يتم تقديم رسوم دراسية كاملة وتأمين صحي وراتب شهري.
وقال المتحدث باسم السفارة إن الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة هم سفراء غير رسميين وغير نظاميين والأغلبية الساحقة منهم تعود لمساعدة المملكة على تحقيق التطور.
وتقول البعثة الثقافية السعودية، الفرع الرئيسي للسفارة المسؤول عن شؤون الطلاب، إن مهمتها هي "تزويد الطلاب بأفضل الفرص التعليمية في أفضل المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة، ودعم الطلاب أكاديميا وماليا حتى يتمكنوا من التركيز على تحقيق أهدافهم".
وفي عام 2017، نشرت البعثة الثقافية، في فيرفاكس بولاية فرجينا قائمة من القواعد للطلاب الذي يدرسون في الخارج في إحدى الصحف الحكومية السعودية؛ القاعدة الأولي كانت عدم الخوض في المناقشات السياسية والدينية، أو إجراء مقابلات إعلامية أثناء الدراسة بالخارج.
ووفقا للطلاب الذين أجرت الشبكة الأمريكية مقابلات معهم لعمل تقريرها، فإن الحكومة في عهد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، تؤكد أنه يعرفون أنهم يخضعون للمراقبة.
وفي تعليقه للشبكة الأمريكية قال عميل مكتب التحقيقات الفيدرالية السابق، "فرانك مونتويا"، الذي عمل أيضا مديرا لمكتب مكافحة التجسس من 2012 حتى 2014، إن مراقبة الطلاب السعوديين ليست بالظاهرة الجديدة.
وذكر أنه أثناء وجوده بالخدمة، سمع عن حالتين في هذا الصدد، لكن الأمر مثير للاهتمام لأن الوكالة لم تعتقد أنه عمليات التجسس على الطلاب بمثابة اتجاه.
لكن "مونتويا" قال إنه وفقا للوكلاء الذين تحدث إليهم ولايزالون يعملون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي فإن تلك الممارسات التي تتعلق بمراقبة أنشطة الطلاب في الولايات المتحدة توسعت بشكل كبير منذ مجيء ولي العهد "محمد بن سلمان".
فيما قال المكتب الصحفي للوكالة التحقيقات الفيدرالية بأنه ليس لديه أي تعليق على مراقبة سعودية مزعومة للطلاب من قبل حكومتهم.
ويقول العديد من المحللين والخبراء، إنه بعد سنوات من العلاقات المتوترة مع البيت الأبيض في ظل عهد "أوباما"، أصبحت العلاقات بين المملكة وإدارة "ترامب" أكثر ودية.
وقال "مونتويا" إن السعودية تعتبر موقف البيت الأبيض العلني فرصة تمكنها أن تفعل ما تريد، ويتضمن ذلك الداخل الأمريكي.
وأشار إلى أن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، علامة على استعداد المملكة لتجاوز المعايير المتعارف عليها.
وقد خلص تقريب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن ولي العهد أمر باغتيال "خاشقجي".
وأضاف "مونتويا": "لا يمكن للسعوديين قتل صحفي مقيم بالولايات المتحدة، إذا لم يعتقدوا أنه يمكنهم الإفلات بفعلتهم في ظل إدارة ترامب".
وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة من الكونغرس، دافع الرئيس "ترامب" مرارا عن ولي العهد، الذي تولى السلطة في يونيو/حزيران 2017، وروج لفكرة بيع الأسلحة إلى السعودية، كما لم تلتزم الإدارة الأمريكية بالمهلة التي حددها الكونغرس للرد على سؤال حول من قتل خاشقجي.
وفي هذا الصدد علق "مونتويا": "إن السعوديين يشعرون أنه وصلوا إلى الجائزة الكبرى ولديهم دعم ثابت من الإدارة الأمريكية".
وذكرت الشبكة الأمريكية أن هناك المئات من المنظمات الثقافية التي يقودها الطلاب السعوديون في الولايات المتحدة، وفقا للبعثة الثقافية السعودية، ولكن الطلاب يقولون إن منظماتهم وأنديتهم تخضع للسيطرة الكاملة من قبل السفارة.
ووفق الطالب المجهول الذي تحدثت إلى الشبكة الأمريكية: "بالنسبة للطلاب في الولايات المتحدة سواء كنت تقرأ الكتب أو تلعب كرة القدم، يجب أن يكون لديك إذن من البعثة الثقافية في السفارة".
وقال أيضا: "إنه لكي تتمكن المنظمات الطلابية السعودية الالتقاء بشكل رسمي أو تقوم بتنظيم فعالية في الحرم الجامعي، يحتاج الطالب إلى إذن من السفارة".
وأضاف: "إذا كنت ترغب في تنظيم مؤتمر أكاديمي بالحرم الجامعي فإنك تحتاج إلى الحصول على إذن منهم قبل 3 أشهر على الأقل.. ولهذا اختفت جميع الفعاليات التي كنا نخطط لإقامتها بالحرم الجامعي".
وقال "مونتويا" إن هذه المراقبة السعودية لطلابها ومواطنيها في الولايات المتحدة ستستمر ما لم يكن هناك رد على المستوى التنفيذي.
وقال: "على الأقل ينبغي أن يكون هناك رد، ليس فقط من مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى ضابط أمن سعودي آخر، ولكن مذكرة احتجاج من الولايات المتحدة، ولسوء الحظ لا يحدث هذه النوع من الأشياء غالبا إلا عندما يتعرض شخص للضرر".
وقال "كوجل" الباحث بـ"هيومن رايتس ووتش": "إن الحكومة لن تحظى بدعم الإدارة الأمريكية للأبد، إنهم يصنعون الكثير من الأعداء بما في ذلك الكونغرس، وهذا سيرتد عليهم بعد ذلك".
وتابع: "هذه الإدارة الحالية لديها عدد محدود من السنوات المتبقية، ومن ثم لن يدعمهم شخص آخر بهذه الطريقة".
ويعتقد الطلاب السعوديون أنه لا يمكن الهرب من مراقبة المملكة في الولايات المتحدة أو غيرها طالما كان يقودها ولي العهد الذي لا تطاله الرقابة الأمريكية.
وتابعوا: "ليس لديهم حدود، يمكنهم الوصول إليك في كل مكان، وكانت رسالة مقتل خاشقجي هي أننا سنصل إليك في أي مكان".