د. حمد العصيدان- الراي الكويتية-
قد تكون «فلتة لسان» أو عقلاً باطناً تكلم من دون أن يشعر، ما صرح به وزير التربية وزير التعليم العالي الدكتور بدر العيسى، في مؤتمر فرع اتحاد الطلبة في أميركا، عندما قال من ضمن ما قاله إنه لو كان لديه إمكانية مادية لقام بتدريس أولاده في مدارس خاصة. لكنها هي الحقيقة، التي لم يبدد تبريره في اليوم التالي، رداً على موجة الانتقاد على كلامه، سحابة سوداء تخيم فوق سماء تعليمنا العام، زادها شحوباً ما شهدته الأيام الماضية من «مسخ» لمناهج التدريس في المرحلتين المتوسطة والثانوية عندما حذفت دروس في جميع المواد لـ«ضيق الوقت».
فالتعليم العام في الكويت أصبح في حالة مزرية من التراجع، وصرنا نحصد ثمارها مخرجات لا تمتلك حتى الحد الأدنى من المهارات العلمية والمعلومات التي يجب أن يحملها معه خريج المرحلة الثانوية إلى الجامعة أو التطبيقي، فنسب النجاح «الخرافية» لدينا لا تسجلها أي دولة في العالم لا المتقدم منها ولا المتخلف، فلا يوجد دولة في العالم تصل نسبة النجاح إلى ما فوق 90 في المئة إلا في الكويت.
وللتدليل على تراجع التعليم لدينا فسأقوم ــ من منطلق أنني أكاديمي وعملي يتصل مباشرة بالتعليم والدوام ــ بشرح موجز لواقع الفصل الدراسي الأول الذي نعيش أيامه الأخيرة، لأبيّن الدور الكبير للتخطيط والإدارة في تراجع التعليم ووصوله إلى ما وصل إليه، وسأبدأ بأيام الدوام، التي داومها الطلبة ولاسيما في المرحلة الثانوية، فهل تعلم عزيزي القارئ أن مجمل أيام الدوام منذ أول يوم دراسة وحتى آخر يوم نهاية هذا الأسبوع لم يتجاوز 53 يوماً من أصل ثلاثة أشهر ونصف الشهر عمر الفصل؟ ولك تفصيل ذلك.
وزارتنا العتيدة أعلنت بدء دوام طلبة الثانوي يوم الأربعاء 16 سبتمبر، وهذه أول مرة يبدأ فيها دوام الطلبة في نهاية الأسبوع وليس بدايته، ما جعل يومي الأربعاء والخميس في عرف الطلبة يومين تمهيديين، من داوم فيهما كان هدفه الاستطلاع وليس الدوام، ثم جاء الأسبوع الثاني لبدء الدراسة الذي كان يفترض أن يداوم الطلبة فيه يومي الأحد والإثنين، قبل بدء عطلة عيد الأضحى المبارك الأمر الذي لم يحدث، فامتدت عطلة الطلبة الصيفية إلى ما بعد العيد فأصبح أول أيام دوام العام الدراسي الفعلية يوم الإثنين 28 سبتمبر، ليكون نصيب هذا الشهر من الدوام ثلاثة أيام فقط.
وفي شهر أكتوبر، سارعت الوزارة لتعطيل الطلبة «خوفا من المطر» يومين ليضافا إلى أيام العطل وليكون هذا الشهر أكثر شهور الفصل دواماً بـ20 يوماً من أصل 25 مفترضة، ولما جاء شهر نوفمبر حمل معه المعاناة المتكررة في كل فصل دراسي، وهي اختبارات الفترة الدراسية الأولى التي امتدت على مدى أسبوعين كانت الدراسة فيها في إجازة إجبارية رغم الإصرار على دوام الطلبة بعد أداء الاختبار، فلم يكن الطالب لديه القابلية ولا القدرة على الدراسة ولاسيما أن كثيراً منهم يسهرون حتى الصباح للدراسة، فكانت أيام دوام ميتة، ليكون صافي أيام الدوام في الشهر 14 يوماً فقط، ثم وصلنا إلى ديسمبر الجاري الذي سيشهد ــ على غير المعتاد ــ اختبارات نهاية الفصل، حيث ينتهي الدوام الفعلي للطلبة يوم الخميس المقبل، أي أنه حظه من أيام الدوام لم يتعدّ 8 أيام فقط.
وإزاء هذا الوضع أعطت الوكيل المساعد للتعليم العام تعليماتها لموجهي العموم بإجراء ما يرونه مناسباً، لتلافي ضيق الوقت فتسارع الموجهون في حذف موضوعات كاملة من المنهج، معلنين ترحيلها للفصل الدراسي الثاني، وهو ما لا نعتقد أنه سيتم، فللفصل الدراسي الثاني مناهجه التي تستوفي كل أيامه، فكيف ستستوعب موضوعات زائرة من الفصل الأول؟
ثم كيف لوزارة التربية أن تنهي الفصل الدراسي الأول مع نهاية العام ــ حيث سيكون آخر يوم اختبارات في 31 ديسمبر ــ وهو الذي يفترض به أن يستمر إلى الأسبوع الأخير من يناير، كما هو معتاد ومعمول به في كل دول العالم؟ ليتأكد لنا، كما كان يروج من قبل، أن الفصل الدراسي في الكويت أقصر فصل في جميع دول العالم.
لذلك كان رأي الوزير العيسى بأنه يود تعليم أبنائه في المدارس الخاصة، وللتوضيح هو يقصد المدارس الخاصة الأجنبية بلغاتها المتعددة، وليس الخاصة العربية، فهذه الأخيرة هي ومدارس التعليم العام «في الهواء سواء»، فإلى متى سيبقى حال التعليم في الكويت معوجاً ولا يسر عدواً ولا صديقاً؟، وإذا كان الوزير قد شخّص العلة، وهو الذي جاء مندفعاً للإصلاح والتغيير، فلماذا لم يبدأ بالإصلاح ويستعين بزميله وزير الصحة لإجراء عمليات جراحية للجسد التربوي يستأصل فيها الورم السرطاني الذي يفتك به؟، فمثل هذا الإجراء هو الإصلاح الحقيقي الذي تتحدثون عنه، وأي شيء غير ذلك إنما هو ذر للرماد في العيون، وحبوب «بنادول» تُعطى لمريض السرطان!