سلمان سالم- الوسط البحرينية-
عدد ليس بالقليل من المعلمين الحاصلين على المؤهلات العليا مثل الماجستير والدكتوراه يشكون من قرار ربط الترقية بالتمهن، الذي بموجبه تحرم وزارة التربية والتعليم المعلم الحاصل على المؤهل العالي من الترقية وبدل المؤهل إذا لم يجتز 360 ساعة تمهّن، وأن غيره صاحب المؤهل الأقل منه يحصل على الترقية والرتب بحجة أنه قد اجتاز دورات التمهّن التي تستغرق 4 أعوام دراسية، على رغم أنها تعلم قبل غيرها أن مشروع التمهن الذي رصدت له موازنة كبيرة لم يرتق إلى مستوى طموح التعليم، ولم يضف أي جديد يذكر إلى إمكانيات وقدرات ومهارات المعلم التربوية، ولم يغير في مستوى عطاء المعلم التعليمي، ولم ينتج جودة في التعليم حتى بنسبة متدنية، والتقارير السنوية التي تصدرها هيئة ضمان الجودة في التعليم دليل واضح على عدم استفادة وزارة التربية والتعليم من هذا المشروع، لأسباب تعرفها الوزارة جيداً قبل غيرها، وعلى رغم حجم الإنفاق والإخفاق في هذا المشروع، تصر على جعله سبيلاً مهما لترقية المعلم في حال اجتيازه دوراته التي تصل عدد ساعاته إلى 360 ساعة غير المقننة تربويا وتعليميا.
السؤال البسيط الذي يطرح على الوزارة، كم من المعلمين الذين يصل عددهم إلى 16000 معلم قد اجتازوا دورات التمهن منذ تطبيق الوزارة مشروع التمهّن قبل أكثر من 5 أعوام دراسية؟ أليس عدد من اجتازوا دورات التمهن وحصلوا على الترقية من المعلمين والذي لا يتجاوز 400 معلم حتى شهر (يونيو /حزيران 2015) قليلاً جدا بالنسبة إلى العدد الكلي للمعلمين الذي يصل إلى 16000 معلم؟ وهذا العدد كما هو واضح لا يمثل أكثر من 2.5 في المئة من مجموع المعلمين، لا نعتقد أن الوزارة لديها الإمكانيات اللازمة لاستيعاب جميع المعلمين دفعة واحدة في مشروع التمهن، والدليل العدد القليل جدًّا من المعلمين الذين تم استيعابهم في المشروع خلال خمس السنوات الماضية، وأن 97.5 في المئة من المعلمين لم يتم حتى هذه اللحظة ضمهم إلى مشروع التمهن، هل الوزارة تحتاج إلى أكثر من 30 عاما دراسيا لتمهين 16 ألف معلم إذا ما سارت بالبطء نفسه الذي لاحظناه في خمس السنوات الماضية؟
هل يعني أنها ستنتهي من تمهين 16 ألف معلم في العام 2045م؟ إذا كان كذلك هل يصلح هذا المشروع لأن يكون معيارا لترقية المعلم؟ إذا قالت إنه يصلح، يعني ذلك أنها ستعلق مصائر آلاف المعلمين المهنية والمادية عشرات السنين، وهذا لا يمكن أن تعتمده الوزارة بكل المقاييس التربوية معياراً لترقية المعلم، فلابد أن تعتمد معايير أخرى للترقية، كسنوات الخبرة والمؤهل العالي والتقارير المهنية السنوية.
لابد أن تعلم الوزارة أن المعلم الطموح الذي يسعى إلى تطوير وتنمية قدراته وإمكانياته التربوية والتعليمية، ويبذل الكثير من ماله ووقته وجهده لنيل المؤهل العالي من جامعات معترف بها دوليا ويحرم من الترقية ويتعامل معه بأساليب غير تربوية، وتدير ظهرها عنه، ولا تقدره وأكثر من كل هذا وذاك تضع في طريقه العوائق وتوجد له الصعوبات والعراقيل المصطنعة من أجل ألا يعطى حقه المهني والمادي، هذا التعامل غير المبرر مهنيا وتربويا مع المعلم الحاصل على المؤهل العالي، يؤدي إلى تراجع التعليم بصورة مخيفة في كل مفاصله ومساراته التربوية والتعليمية.
فهذه النتيجة المرة تعرفها الوزارة جيدا ولا تحتاج إلى أحد أن يعرفها بها، فلهذا نقول للوزارة الموقرة، لا يمكن للتعليم في البلاد أن يتطور ويصل إلى مستوى الجودة مادام صدرها يضيق من المعلم الطموح صاحب المؤهل العالي، من المؤسف جدا أن نجد المعلم الحاصل على شهادة الماجستير أو الدكتوراه لم تعمل الوزارة على إعطائه استحقاقاته المهنية والمادية، لو سألنا الوزارة كم عدد المعلمين الحاصلين على مؤهلات عالية الذين لا يزالون يدرّسون في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية؟ وكم عدد أقرانهم في المهنة الذين لا يتمتعون بمثل مؤهلاتهم وخبراتهم وكفاءاتهم في المناصب المتقدمة لاعتبارات غير تربوية تعرفها الوزارة جيدا؟ هل تستطيع الوزارة أن تنفي الواقع الذي يراه الرأي العام المحلي بكل وضوح؟ فالواقع أكبر بكثير من نفيها، ألم تعلم أنها لو أخذت بمبدأي المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص في تعييناتها و توظيفها وترقياتها سيتغير حال التعليم إلى الأفضل بمئات المرات عن الحال الذي نجده فيه الآن؟ هل تغافلها عن مصلحة التعليم العليا يجعلها لا تعير أي اهتمام بالتربويين البحرينيين المؤهلين بمؤهلات عالية ولا بالكفاءات والخبرات والقدرات البحرينية التي أثبتت بإنجازاتها التربوية والتعليمية أنها الأقدر على تطوير وتنمية التعليم في بلادها؟ ألم تعلم أنها بتغييب هؤلاء التربويين عن المواقع التربوية والتعليمية المتقدمة لن يكون في صالح حاضر ومستقبل التعليم؟ من أجل مصلحة التعليم نقول بكل صراحة، لابد للجهات المعنية بمصلحة التعليم في البلاد القيام عاجلا بإجراءات وخطوات عملية لإنقاذ التعليم وتصحيح مساره قبل فوات الأوان، والبدء في إزالة كل المعوقات التي لها الدور الأكبر في إضعاف التعليم، وإعطاء كل ذي حق حقه من التربويين في الجانبين المادي والمهني، ووضع كل تربوي في مكانه التربوي المناسب الذي يستحقه، والحقيقة التي لا يمكن لأحد التغافل عنها أو نكرانها، أن التعليم لا يمكنه أن يتطور ويصل إلى مستويات متقدمة بالتمييز والمحاباة و المحسوبية؛ لأن جميعها إذا ما وجدت في التعليم تكون سبلا لتراجعه وإضعافه في كل مفاصله التعليمية، نسأل الله أن يمن على التعليم في بلادنا بإجراءات فعلية عاجلة غير آجلة، لتنقله من الحال المأساوي الذي هو فيه إلى حال أفضل في كل اتجاهاته التعليمية والتربوية.