محمد الحضرمي- عمان اليوم-
في هذه الزاوية من الأسبوع الماضي، نشرت فيها مقالة بعنوان «الوظيفة حلم كل خريج»، تطرقت فيها إلى هموم آلاف الشباب الباحثين عن عمل، من بينهم خريجون بمؤهلات دبلوم عامة، وطلبة حاصلون على مؤهلات دبلوم عال، وشهادات جامعية من جامعات وكليات مختلفة، يتخرجون كل عام وفي أذهانهم أحلام جميلة لخدمة الوطن كل حسب تخصصه، وأحلام أخرى تبحث عن الاستقرار النفسي، والذي يبدأ بالبحث عن الوظيفة، ثم الانطلاق بخطوات وثابة في دروب الحياة.
المشكلة القائمة الآن هي وجود عدد كبير من الخرجين بلا وظائف، حيث يصعب توفير وظيفة لكل خريج، هذا أمر صعب في مثل هذه الفترة الحرجة، بسبب أزمة الوضع الاقتصادي، ما يعني أن ثمة مشكلة قائمة، سببها تزايد عدد الخريجين وقلة في الدرجات الوظيفية الشاغرة إلى حد الندرة.
المقالة السابقة أثارت ردودا من بعض القراء، أحدهم كتب لي رسالة على بريدي الخاص يحدثني فيها عن تخرجه من جامعة السلطان قابوس عام 2013م، بتخصص في علم التاريخ، وأنه منذ سنتين يبحث عن وظيفة لكنه لم يجد، ولا يستطيع أن يواصل دراسة «التأهيل التربوي» على حسابه، بسبب التكاليف الباهظة لمواصلة التأهيل، ولا مجال له إلا في إحدى الدولتين: الإمارات أو الأردن، بعد إغلاقه في السلطنة.
هذا الطالب وهو من محافظة ظفار، أفصح في رسالته أيضا: أنه ما دامت دراسة تخصص التاريخ لا تفتح للطالب مجالا للتوظيف بعد التخرج، فلماذا يبقونه ويسمحون به في الجامعة؟ لماذا يضيع الطالب سنوات من عمره في الدراسة، ثم حين يتخرج لا يجد وظيفة؟ ولماذا لا يفتحون مجالا للتأهيل التربوي في السلطنة، خاصة وأن التربية والتعليم استوفدت خلال السنوات الماضية مئات المدرسين الوافدين؟ وما تزال المدارس تطالب بوفرة كبيرة من أعداد المدرسين.
أسئلة كثيرة ذات شجون، تنشد الاستقرار الوظيفي، وفرحة الخريج والخريجة لا تكتمل ما لم تكلل التخصصات الدراسية بوظائف، هذه مشكلة كبيرة درست سابقا، وكان البعض يرى بضرورة إتاحة المجال للطلاب لدخول الجامعات والكليات، ثم على الطالب أن يبحث له عن وظيفة بعد تخرجه، ولكن أين؟، وماذا يعمل طالب درس التاريخ أو الجغرافيا – على سبيل المثال – إلا أن يكون معلما في إحدى المدارس؟، هناك بعض التخصصات لا تمنح المتخرج وظيفة جاهزة، ويناسبه نوع محدد من الوظائف، وهذا صحيح، لذلك من الأجدر أن ينبَّه الطالب قبل أن يتورط بدراسة تخصص لا يمنحه وظيفة، أن هذا التخصص الذي اختاره لا يمنحه وظيفة بعد تخرجه، إلا إن كان يدرسه رغبة في إشباع نهمه المعرفي فقط، كما أن هناك تخصصات جامعية أخرى يتم تدريسها للطلاب، ولا تمنحهم وظيفة مؤكدة بعد التخرج. فتصبح المشكلة مشكلتين في آن واحد؛ الأولى لعدم وفرة الدرجة الشاغرة، والثانية لأن التخصص غير مرغوب فيه وظيفيا.
وبلا شك فإن المستقبل القادم سوف يكون مزدهرا أكثر للعمل في القطاع الخاص، لخريجي الدراسات الفنية التخصصية، ولكن ليس الكل يناسبه مثل هذه الأعمال والتخصصات، وبالمقابل لا يجب التخلي عن الخريجين بمختلف التخصصات الدراسية، فقد أنفقت الدولة ملايين الريالات، من أجل تدريسهم، بدءا بالمرحلة الابتدائية وانتهاء بالمرحلة الجامعية، وبقدر أهمية الدراسات العلمية والفنية الحديثة، فإن الدراسات الأدبية والإنسانية هي أيضا من الأهمية بمكان، وعُمان بحاجة إلى المزيد من الكوادر في مختلف التخصصات، عُمان ما تزال بكرا في البناء والإعمار، وكل الخريجين والخريجات من مختلف التخصصات، هم لبنة قوية في مشروع البناء والإعمار لهذا الوطن العزيز.