د. محمد صالح المسفر- الشرق القطرية-
يحدثني صديق وزميل عمل في الجامعة، قرر أن ينهي تعاقده مع الجامعة ويغادر البلاد إلى أوروبا، وكان اختياره فرنسا، متزوج وله طفلان أكبرهما في الخامسة من العمر والثاني في السنة الثالثة من العمر، سكن في ضواحي باريس في بيت يليق به، ووجد عملا في إحدى الجامعات الفرنسية القريبة من مقر السكن، فوجيء زميل المهنة برسالة مرسلة له بالبريد من المجلس البلدي على عنوان سكنه، يفيد بأن المجلس علم أن له أطفالا في سن المدرسة وعليه مراجعة أقرب مدرسة أطفال إلى منزله لإلحاقهم بها.
توجه الزميل إلى المجلس البلدي وأفاد بأنه تلقى رسالة تطلب منه المراجعة من أجل أبنائه ودراستهم. قيل له نعم عليك إلحاقهم بأقرب مدرسة إلى منزلك، في هذه المدينة. قال: أنا ما برحت أعمل من أجل اكتمال إجراءاتي القانونية للإقامة في فرنسا وحتى الآن لم تكتمل معاملتي في الجهات المختصة هنا. قيل له قانونية بقائك في فرنسا أو مغادرتك تلك أمور تتعلق بالجهات المختصة، ولا دخل لنا بها. مهمتنا إلحاق أبنائك بأقرب مدرسة حتى ولو لم تكتمل إجراءات الإقامة في فرنسا. ذهب الدكتور (ح) إلى أقرب مدرسة فلم يجد فيها مكانا لابنيه، فأُرشد إلى مدرسة أخرى ليست بعيدة كثيرا عن السكن، مشفوعا بطلب إلحاق الطفلين بالمدرسة ولو لفصل واحد. وفعلا أُلحق الأبناء بالمدرسة دون عناء.
تذكرت هذه القصة عندما وصلتني رسالة من أحد المقيمين العرب في بلادنا، مؤدى تلك الرسالة أن ابنه طرد من المدرسة لأنه لم يتمكن في حينه من تسديد القسط الثاني من مصاريف المدرسة. طلب الأب مهلة أسبوعين أو ثلاثه حتى يتمكن من جمع مصاريف القسط الثاني. ترفض المدرسة، وتصر على قرارها بطرد الطالب حتى سداد الرسوم.
في الدول المتحضرة لا يمنع الطالب في مرحلة التعليم العام من مواصلة دراسته في مدرسته، حتى ولو لم يتمكن من سداد الرسوم الدراسية. له الحق في حضور جميع أيام الدراسة دون انقطاع ويقدم امتحانا كغيره من الطلاب، والجامعة أو المدرسة لا تعلن نتيجة امتحانه في نهاية العام، حتى تسديد الرسوم المطلوبة أو جزء منها. هذا الإجراء حدث معي شخصيا عندما كنت في الولايات المتحدة الأمريكية.
السؤال هل يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تصدر أمرا أو تشريعا بعدم فصل أي طالب في مرحلة التعليم العام خلال العام الدراسي بسبب عدم تمكن أسرة الطالب من سداد الرسوم أو جزء منها، ولها الحق في عدم إعلان نتيجته في نهاية العام الدراسي حتى تسدد الرسوم، لكن لا يفصل إطلاقا لذلك السبب.
مسالة ثالثة غاية في الأهمية، رب أسرة له ثلاث من البنات إحداهن في مرحلة التعليم العام، جار عليه الزمن وتعثرت به السبل، فخرج من عمله ليبحث عن عمل آخر ليزيد دخله. تعاظمت مشكلته وكثرت ديونه، وانتهى به الأمر إلى ظلام السجون حتى يسدد دينه. ابنته الصغيرة لا تعلم أن والدها سجين وقيل لها من الأسرة أنه مسافر وسيعود قريبا. طردت البنت من المدرسة لأنها لم تسدد الرسوم الدراسية. البنت الكبرى تدرس في إحدى الجامعات في البلاد بمنحة دراسية وتتلقى مرتبا شهريا بالكاد يكفيها مواصلات من وإلى الجامعة ورغم ذلك توفر لتدفع جزءا من تكلفة إيجار البيت الذي تسكنه الأسرة، والبنت الأخرى لم تكمل دراستها الجامعية لكنها مؤهلة لأداء أعمال سكرتارية أو أعمال إدارية، وهي حبيسة المنزل والأم كذلك. وسؤالي ألم يجد القاضي الذي حكم بالسجن وسيلة أخرى غير الحكم بالسجن؟ المسجون لن يستطيع سداد الدين، لأنه سجين، ولن يستطيع أن يستر أسرته ويحميهم من الذئاب التي تتربص بمن هو في مثل حاله. ألم يجد القاضي في مواد القانون ما يخوله بإصدار حكما بمنع المعني من السفر ومساعدته في إيجاد عمل يستقطع منه جزءا لسداد الدين المسجون من أجله، ويرعى أسرته ويحميها، ويتمثل قول الحق عز وجل {إن مع العسر يسرا}.
أليس في بلادنا قلوب رحيمة تهتم بمثل هذه الحالات؟ خير أهل قطر وصل إلى أطراف الكرة الأرضية، وما برح يصل، فلماذا يعجز هذا الخير وأهله عن تقصي حال من جار عليه الزمن وتعثرت ظروفه، لا نريد فقط وأشدد على كلمة فقط، الصدقة الجارية والمساعدة في سداد الدين، بقدر ما نحث وندعو أهل الخير وأصحاب المؤسسات التجارية إلى إيجاد عمل لهؤلاء الرجال من أجل حماية أسرة عفيفة لا دخل لها في تراكم دين الأب، وتشغيل كل من يستطيع أن يعمل من أفراد الأسرة حتى يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم والعيش الكريم.