سلمان سالم- الوسط البحرينية-
عض المتابعين للشأن التعليمي في البلاد يقولون عن التعليم في بلادهم إنه يمر في مرحلة حرجة جدا في كل مفاصله التربوية والتعليمية لم يسبق لها مثيل، ويرجعون ذلك إلى عدة أسباب، ومن ضمنها، عدم وجود خطة استراتيجية واضحة للتعليم، التخبط في اتخاذ القرارات والإجراءات، الممارسات غير المدروسة جيداً والبعيدة عن القانون والمواطنة المتساوية، وخصوصاً التي اتخذت ومورست ونفذت في السنوات الخمس الأخيرة بصورة واضحة وجلية، كالتعيينات والتوظيف والترقيات والحوافز والبعثات الدراسية، والفصل والتوقيف والاستقطاع من رواتب مئات التربويين من مختلف التخصصات والأقسام، وبعثرة أكثر من 70 موظفاً من معهد البحرين للتدريب في الكثير من المدارس الحكومية.
فكثيرًا مَّا تحدثوا عن ضرورة وضع إصلاح التعليم من الأولويات الملحة، قبل تفاقم الأوضاع السلبية أكثر مما هي عليه في هذا الوقت، ليس معقولاً أن ينفق على التعليم بهذا المستوى المقبول نسبيًّا، لتطويره وتنميته في كل زواياه، وتكون النتيجة في الغالب هي التراجعات والإخفاقات المتكررة، في مختلف المواقع التربوية والتعليمية، ويقولون إن فتور العلاقة التربوية أو انعدامها أحياناً كثيرة، بين الوزارة وغالبية المشتغلين في قطاع التعليم، وخصوصاً المعلمين والمعلمات، لا ريب أن علاقة الوزارة السلبية مع موظفيها أو المنتسبين إليها لها إنعكاسات نفسية ومعنوية ومهنية سلبية على واقع التعليم، شاءت أم لم تشأ.
لو سألناها، ونقصد وزارة التربية والتعليم، ما الموانع الحقيقية التي تجعلها حتى هذه اللحظة لا تعمل على إيجاد علاقة تربوية إيجابية حقيقية بينها وبين جميع الأطراف الأخرى المعنية بالتعليم في البلاد، ونعني الاختصاصيين والاختصاصيات، والإداريين والإداريات، والمعلمين والمعلمات، والمرشدين الاجتماعيين والمرشدات، والفنيين والفنيات، والتقنيين والتفنيات، وأولياء الأمور والطلبة والطالبات؟ لا شك أن تغليب مصلحة التعليم على كل المصالح الشخصية والفئوية مطلب عقلائي، العقل والمنطق يقولان، لو استطاعت بناء علاقة تربوية وتعليمية على أسس قانونية وإنسانية وأخلاقية صحيحة، ولو طبقت المعايير التربوية والقانونية في التوظيف والترقيات والحوافز والمكافآت والبعثات الدراسية، وفي الفصل والتوقيف والاستقطاع من الرواتب وغيرها من الممارسات المخالفة للقانون والنواميس الإنسانية والمهنية، ولو تذكرت قبل نقلها عشرات الموظفين والمهنيين المؤهلين من معهد البحرين للتدريب إلى العديد من المدارس الحكومية من دون مبررات موضوعية ومن دون تسكينهم في الهيكل التعليمي، لما سمعنا عن عشرات المعلمات يتقدمن للوزارة يطلبن الموافقة على إحالتهن للتقاعد المبكر، على رغم معرفتهن الأكيدة بخسارتهن المادية في حال موافقة الوزارة على طلبهن.
ولما رأينا غالبية المعلمين والمعلمات يعانون من الضغوظ النفسية والمعنوية والمهنية، ولما أصبح التعليم في بلادنا يعاني من الضعف والوهن الشديد، ومن عدم التشويق والجذب للمعلم والطالب بهذه الصورة المأساوية، في مخرجاته التعليمية وفي مناهجه الدراسية وبيئته التعليمية، ولما احتاجت إلى جلب اختصاصيين ومعلمين ومعلمات وفنيين وفنيات من خارج البلد، ولما بقي خريج جامعي تربوي واحد عاطلا عن العمل، ولما قدم أحد من الصناعيين المؤهلين أكاديميا ومهنيا إستقالاتهم إليها، بسبب حصولهم على فرص نفسية ومعنوية ومادية أفضل من فرصها في القطاع الخاص، ولما سمعنا أحد يقول إن الوزارة أصبحت بسبب أساليبها السلبية مع موظفيها، طاردة للكفاءات والخبرات البحرينية، فلهذا نقول لو أن الجهات المعنية بمصلحة التعليم في البلاد قررت القيام بتقييم شامل لأداء الوزارة، وأعدت استبانة واضحة الأهداف والبنود، يكون هدفها الأول والأخير هو تقييم أداء الوزارة في كل الجوانب، التربوية والتعليمية والإدارية والمالية، هل يتواكب مع متطلبات الألفية الثالثة أم لا؟ وهل يتناسب مع تطلعات 2030 أم لا؟ عن طريق أخذ آراء أكثر من 23 ألفاً من موظفيها في هذا الشأن، ويتم فرزها وتحليلها علميًّا، بعيدا عن كل المؤثرات النفسية والاعتبارات غير القانونية، من المؤكد ستتبين إليها حقيقة التعليم في البحرين، ومن خلال النتائج المستخلصة من الدراسة، تستطيع وضع الخطط الناجعة لمعالجة مواطن الخلل في العملية التعليمية التعلمية بشكل علمي، سواء كان الخلل ناتجاً من ضعف الأداء الإداري اوالمالي أو غيرهما.
هذا المطلب البسيط يمكن تحقيقه بأيسر الطرق وفي وقت قياسي، فلو نفذ هذا المشروع بمهنية فائقة وبكل شفافية، حتما سيعطي نتائج جيدة، وتكون انعكاساتها إيجابية على التعليم بصورة خاصة وعلى كل التخصصات بصورة عامة، في اعتقاد الكثيرين من التربويين أن إصلاح التعليم لا بد أن يعتمد على أبناء البلد، وهو مطلب وطني ملح لا يختلف عليه أحد من العقلاء، ولا يمكن تجاهله أو التغافل عنه في كل الأحوال والظروف؛ لأن عدم الذهاب إلى إصلاح التعليم بخطوات مدروسة وواضحة لن يكون في مصلحة الوطن.