د. يعقوب أحمد الشراح - الراي الكويتية-
ليس هنالك خلاف على أن التعليم وبالأخص مناهجه تشكل ركناً أساسياً في العملية التعليمية المؤثرة في سلوك واتجاهات وشخصية التلميذ. فأي خلل في المنهج يعني فشل المؤسسة التربوية عن القيام بواجباتها أو وظائفها مما يترتب على ذلك مخاطر تلحق بالفرد والدولة.
هذه المسلمة لا تحتاج إلى تفنيد، وهي ليست بجديدة عندما يعكس الواقع التعليمي جملة من الظواهر غير المريحة ومؤشرات تؤكدها الدراسات والاستطلاعات في أن التعليم يعاني أدنى مراتب الجودة، وأن المناهج متواضعة ما زالت تركز على التلقين والحفظ والامتحان رغم التأكيد بأن الإصلاحات أجريت، وأن التطوير مستمر، وأن كل شيء تمام التمام.
إن الدراسات التي قام بها مركز تطوير التعليم والذي يرأسه وزير التربية أكد مراراً وتكراراً، على أزمة تدني مستوى التعليم من خلال رصد مؤشرات قائمة على معايير علمية وتعاون دولي تؤكد أن الحاجة ماسة إلى سرعة تغيير بوصلة التعليم، وعدم الاستمرار في الوضع الحالي، بل إن البنك الدولي وعلى لسان أحد خبرائه الزائرين للبلاد، صرح منذ أمد بالحاجة إلى إلغاء كلي للنظام الحالي للتعليم والبدء من جديد بنظام تعليم آخر يتناسب مع اتجاهات العصر.
ولم تقتصر مشكلة التعليم على تدني جودته وتحسين أدائه، وإنما أيضاً ضعف العناية بالجوانب الوجدانية والقيمية للتلميذ، والتي أنتجت في السنوات الأخيرة ظاهرة الخلل بمفهوم «الأمن الفكري» من خلال ترسيخ الغلو في التفكير لدى الشباب، وطغيان حالة العنف، والجهل بمتطلبات المواطنة. إن الحديث عن الأمن الفكري يحتاج إلى مساحة أكبر مما هو متاح هنا لأنه شأن عام يتجاوز البحث فيه بتشخيص محتويات مناهج التعليم رغم أن المنهج مؤثر بدرجة كبيرة في التلميذ، فلقد وجد أن ثلاثة أرباع المتسربين من التعليم لديهم أفكار متطرفة، والكثير منهم لهم صلة بقضايا أمنية...
غالبية مؤسسات التعليم أصبحت في الظروف العالمية الحالية تنظر إلى الأمن الفكري على أنه قضية لها الأولوية في المناهج، وأن معالجتها لن تكون فاعلة من قبل الأجهزة الأمنية التي تتعامل مع المفهوم بتطبيق القوانين والعقوبات. فالدراسات النفسية والاجتماعية والتربوية تؤكد أن هناك أسباباً متعددة للانحراف الفكري لدى الشباب، من أبرزها أنه نتاج لسوء فهم المقاصد الشرعية الخاطئة، واستغلال الشعائر الدينية كالجهاد، والدعوة إلى الله، وأعادة مجد الأمة وغيرها تستخدم دائماً كتغطية لتشويه الدين والمساس بالأمن العام.
لهذا أصبحت حاجتنا ماسة إلى ترسيخ ثقافة الأمن الفكري في نفوس الناشئة، وهذه تتطلب تعاون أجهزة الأمن والإعلام والأسرة والمسجد والتربية وقطاع الشباب من أجل تأمين المجتمع فكرياً، ومكافحة العنف والتطرف بمختلف الوسائل، خصوصا تفعيل دور المؤسسة التربوية في هذا المجال من خلال بناء مناهج موجهة لترسيخ الثقافة الأمنية، وتدريس التفكير في هذا المجال الذي يفعل إيجابيات سلوك الناشئة ليس في تجنب السلبيات فقط، وإنما كذلك في فهم أن الأمن الفكري ضرورة وأساس لحياة المجتمع.