عمان اليوم-
الحديث عن الدروس الخصوصية في كل عام دراسي يطرح العديد من التساؤلات، وخاصة أن بعض الطلبة يطالبون أولياء أمورهم ببعض الدروس الخصوصية منذ بداية العام وقبل الشروع في دراسة أي مادة وقد يكون ذلك بسبب «حجج واهية» منها أن المعلمين لا يستطيعون إيصال المعلومة الصحيحة الكاملة إلى جميع الطلبة، والغريب هنا أن المعلم نفسه يكون الشخص الذي يعيد نفس المعلومات على مسامع بعض طلابه ولكن في بيوتهم!
ولا نستطيع هنا أن نوجه أصابع «الاهتمام» إلى فئة بعينها، فقد يكمن القصور بسبب «المعلم» نفسه في الحصة الدراسية، وقد يكون القصور أيضا من «الطالب» عندما لا يولي اهتماما لدراسته، ويمكن أن هناك قصورا من جانب «ولي الأمر» أو حتى «الجهة المختصة»، فكلها أسباب محتملة لانتشار هذه الظاهرة.
ومع انتشار الدروس الخصوصية خاصة في هذه الآونة فإننا نطرح عدة تساؤلات منها: لماذا يلجأ الطالب إلى المدرس الخصوصي؟ ماذا عن الآثار السلبية للدروس الخصوصية؟ هل تستنزف هذه الدروس مبالغ باهظة من ولي الأمر؟ وما هي الحلول التي تحد من انتشار هذه الظاهرة؟
«عمان» بحثت هذه التساؤلات مع الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور والمختصين، فكانت الحصيلة في السطور الآتية:
في البداية يقول معلم اللغة العربية خميس بن عامر الداودي: إن المعلم الخصوصي من البلاء الذي وقعت فيه الكثير من الأسر وهو مرض استفحل في مناطق كثيرة وسببه الرئيسي هو ولي الأمر والأسرة فكثير من أولياء الأمور ينخدعون بالدعاية والترويج الذي يقوم به بعض المعلمين الوافدين وما هو إلا لكسب الأموال، وقد يتعمد كثير من المعلمين الوافدين إهمال الطالب داخل الحصة وعدم إيصال المعلومة بطرق صحيحة وسلسة ويتبعون طرق تدريس غير فاعلة، وذلك ليظل الطالب عاجزا عن الفهم، ثم يروجون لأنفسهم بالدروس الخصوصية، وهم أنفسهم أحيانا من «يدرسون الطالب في المدرسة صباحا ويدرسونه خصوصي في الفترة المسائية.
اكتظاظ الفصول
ويضيف الداودي: لذلك لا يهتم كثير من الطلاب بالحصة المدرسية ولا يركزون ويتعمدون إثارة الفوضى لأنه سيعاد لهم شرح الدرس في البيت من قبل المعلم الخصوصي، ويعتقد ولي الأمر بأن المعلم الخصوصي أفضل من المعلم بالمدرسة ولكن بالعكس المعلم الخصوصي هدفه ربحي بحت ولا يقدم سوى شرح الملخصات التي تبيعها المكتبات ونماذج من اختبارات قديمة، وكثير ما نسمع ولي الأمر يشتكي ويتذمر من ابنه بأنه موفر له معلما خصوصيا ونتائجه متدنية، لذلك يجب أن يعي ولي الأمر أن المعلم الخصوصي هدفه الربح أولا وأخيرا ولا يقدم مادة علمية معمقة بل يعتمد على الملخصات بشكل كبير جدا ..
ويرى الداودي أنه ربما تسهم المدرسة في المشكلة بالشيء اليسير وذلك من جهة اكتظاظ الفصول بعدد كبير من الطلاب حيث يصل العدد إلى 35 و 40 طالبا أحيانا مما لا يتسنى للمعلم أن يتابع كل هذا العدد ويتأكد من إيصال المعلومة إليه مع قصر وقت الحصة وطول الدرس وكثير من مشتتات الوقت، مما يجعل بعض الطلاب يشردون في الحصة ويتأخرون دراسيا مما يستدعي من أولياء الأمور بالبحث عن معلم خصوصي بدلا من متابعة الابن وتحفيزه وحثه على التركيز والانتباه.
ضعف الطالب وقصور المعلم
فيما تقول بسنت معلمة لمادة اللغة الإنجليزية: من الأسباب التي تجعل الطالب يفد إلى المدرس الخصوصي ضعف أداء الطالب أو ضعف شرح المعلم فالمناهج الدراسية تحتوي على أفكار عديدة يجب على المعلم شرحها وتوضحيها ولكن المعلم يقتصر على فكرة واحدة وبالتالي يكون الطالب مجبرا على أن يلجأ للمدرس الخصوصي، أما السبب الثاني فهو الاختبارات النهائية وهي اختبارات معقدة ولا تحمل ما يحمله الكتاب من أفكار إنما أفكار جديدة، وفي هذه الحالة يكون الطالب مجبرا على أن يذهب لمدرس خصوصي لتوضيح هذه الأفكار، وخاصة طلاب الثانوية العامة بالنسبة للمواد العلمية فهم أكثر الطلاب الذين يلجؤون للمدرسين الخصوصيين لدروس للرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء لأنها مواد فيها أفكار ومسائل عديدة وأيضا مادة اللغة الإنجليزية.
وتضيف بسنت: كوني معلمة خصوصية لمادة اللغة الإنجليزية أرى أن الطلاب يعانون من ضعف كبير في هذه المادة والسبب يعود إلى مرحلة التأسيس.
أما الطالبة جهينة المعمرية فتقول: كما نعلم فإن الحصة الدراسية في معظم مدارسنا يبلغ عمرها الزمني خمسٌ وأربعين دقيقة فقط، والسؤال يطرح نفسه الآن: هل تكفي هذه الحصة لاستيعاب درسٍ كامل بهِ عدة مسائل و لكل مسألة فكرةٌ مختلفة تختلف جذريا و ليس بشكل طفيف عن المسائل الأخرى التي من نفس الدرس ؟
لذلك لم يكن هنالك إلا حلٌ واحد قد يساعد الطالب على تنمية مقدرته على الحل وفهم الدروس و يكمُن هذا الحل في التكثيف من حل التمارين و المسائل التي يحصل عليها الطالب من خلال حضوره إلى الحصص الإضافية مع ما هو متعارف عليه بـالـ» المدرس الخصوصي « و هي عبارة عن حصص تقوية يحضرها الطالب في غير وقت اليوم الدراسي.
ضيق الوقت
وتتساءل جهينة: لماذا يلجأ الطالب لحضور هذه الحصص مع أنه لا يملك وقتا كافياً عند عودته للمدرسة؟ ما هو الشيء الذي قد يدفع الطالب إلى زيادة عدد الحصص الدراسية ؟ مع أن بعض الطلبة لظروفهم الخاصة لا يستطيعون جلب المعلم إلى منازلهم ويذهبون إليه حيث يقطُن او في مكان ما يبعد عن منزل الطالب مسافة أميالٍ عديدة لتلقي الدروس و كل هذا فيه مشقة للطالب ولكنه مع ذلك يجاهد من أجل حضور هذه الحصص.
وقالت: دعوني أخبركم لماذا ألجأ إليه: يقوم المدرّس في هذه الحصص الإضافية بإعطاء الطالب الدروس التي لم يستطع أن يفهمها الطالب في المدرسة كما أن باستطاعة الطالب أن يطرح على المعلم جميع الأسئلة التي لم يجد لها حلاً في المدرسة ربما لضيق الوقت أو لقلة مقدرة الكادر التعليمي على إيصال شرح المنهج بسلاسة للطالب . كما أن الحصص الدراسية التي تُقدم للطالب في المدرسة غير قادرة على استيعاب المنهج بأكمله لذلك كان من الضروري أن يلم الطالب بتلك الدروس مع المدرس الخصوصي حتى لا يُشْكِل عليه حل أي سؤال قد يرد له سواء في الاختبارات القصيرة ام النهائية.
وترى جهينة أيضا ومن وجهة نظرها الشخصية أن بعض الطلبة يذهبون إلى المدرس الخصوصي لأنه رأى صديقه يذهب إليه فظن انه يحتاج إلى المدرس الخصوصي و لكن في المقابل بعض الطلبة لا يحتاجون إلى المدرس الخصوصي لمقدرتهم على الفهم بأنفسهم عن طريق البحث المستمر من عدة مصادر إضافية مختلفة تمكنهم من الوصول إلى ما يبتغونه.
ومعلم لا يبالي
وتضيف جهينة المعمرية: في الحقيقة بعض الطلبة قد يبالغ في هذه المسألة ويقوم بحضور هذه الحصص الإضافية لجميع المواد مع أنها لا تفيده والسبب في ذلك هو كسله بلا شك فكما نعلم المواد الدراسية الخاصة بالحفظ لا تستلزم من الدارس دروسا مكثفه فهي في النهاية تحتاج إلى قليل من الجهد فقط وليس إلى حصص إضافية يهدر فيها الطالب وقته وماله.
وتحكي إحدى الطالبات عن وجود معلم خصوصي يدرس في المجموعة الواحدة أكثر من 15 طالبا وطالبة ونصيبه من كل طالب في الشهر الواحد 50 ريالا، وتتساءل: إلى متى يظل الطالب يجبر ولي أمره على دفع هذه المبالغ الباهظة مع العلم أن هناك بعض المعلمين لا يتقنون مهارات توصيل المعلومة إلى الطلبة .
وتشير الطالبة في حديثها إلى مقولة إحدى المعلمات لطالباتها التي يبدو أن لم تدرك بأن مهمتها أمانة في توصيل المعلومة للطالب وتسمعهن في كل يوم : « أنا حافظة المنهج ما محتاجة لكن انتن المحتاجات»!
اما فاطمة المحاربية الطالبة في الصف الثاني عشر فتقول: برأيي أن أحد الأسباب التي تجعل الطالب يلجأ للمدرس الخصوصي هي التنسيق بين المنهج والخطة الدراسية والحصص المدرسية فالمنهج إما أن يكون دسما والمعلم مجبر أن ينهي هذا المنهج وفق خطة معينة وحصص محددة فكل درس لا يكفيه حصة واحدة أو حصتان فبعض الدروس تشمل أفكارا مختلفة وعديدة وهنا يكمن السؤال: من المسؤول عن عدم فهم الطالب لهذه الأفكار ؟ وهل كل الطلاب لديهم قدرة عقلية على فهم أسئلة من أفكار مختلفة ؟ وبالتالي لا بد من التنسيق الصحيح بين المنهج والخطة الدراسية والوقت.
ثانيا : الاختبارات النهائية مخيفة جدا فهي عكس ما ندرسه تماما خاصة في المواد العلمية والمعلم يكتفي بطرح الفكرة الرئيسية التي يخلو الاختبار منها هنا يكون الطالب مجبرا على اللجوء إلى مدرسين خصوصيين. والسؤال يطرح نفسه : هل كل الأهالي لديهم قدرة على دفع الأموال لهؤلاء المدرسين ؟ وأين دور معلم الفصل .. لماذا نمضي وقتنا في المدرسة مع مدرس وفي المنزل نلجأ أيضا لمدرس آخر؟
أسباب متعددة
أما أحمد بن درويش الضوياني (أخصائي اجتماعي) فيقول : انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة المعلم الخصوصي أو الحصص المنزلية التي تقدم بالمنزل لطالب واحد أو عدد من الطلبة في نفس المرحلة الدراسية وربما تكون نابعة من حاجة الطالب إلى هذا المعلم في بعض الأحيان فالجميع يدرك بأن هناك فروقا فردية بين الطلبة وبما أنه في الغالب يكون أكثر من ٣٠ طالبا في الشعبة الواحدة والحصة الدراسية ٤٠ دقيقة لذلك يجد المعلم صعوبة في إعادة الشرح عدة مرات.
وكذلك بعض الطلبة لديهم ظروف صحية ويتغيبون عن المدرسة كثيرا وتلجأ الأسرة إلى الدروس الخصوصية لتعويضهم، وبالمقابل أن هناك عوامل أخرى ساهمت في انتشار الظاهرة ولا ترتبط بحاجة ملموسة لدى الطالب وإنما هي نابعة من الحرص الزائد لدى بعض الأسر على توفير أفضل السبل لتعزيز المستوى التحصيلي لأبنهم و قد تكون أيضا بغرض التقليد والمنافسة لدى بعض أولياء الأمور « بما أن ابن فلان لديه معلمون فأتعاقد أنا أيضا مع معلمين خصوصيين لأبني» حتى تكاد أن تصل هذه الظاهرة إلى درجة التباهي والتفاخر وكثيرا ما نسمع من بعض الآباء أو الأمهات: « ابني لديه عدد من المعلمين وأدفع لهم كثيرا».
ويؤكد الضوياني أن انتشار ظاهرة المعلم الخصوصي لها انعكاسات سلبية أحيانا ومنها الإرهاق الجسدي والضغط النفسي للطالب نتيجة قضاء معظم يومه في الاستماع للمعلمين في البيت والمدرسة ويجد صعوبة في تنظيم وقتة للقيام بالواجبات المدرسية الأخرى مما يؤدي إلى تشتت الطالب بين طريقة شرح المعلم في المدرسة والمعلم الخصوصي، كما تعود الطالب على الاتكالية وأحيانا تسوء علاقة الطالب بالمدرسة بما أن لديه معلمين بالمنزل فنجد الطالب لا يركز مع المعلم في الصف أو يتعمد التشويش على بقية زملائه مما يولد الحقد والكراهية بين الطلبة بما أن هناك فروقا في الحالة الاقتصادية بين الطلبة فلا يستطيع جميع الطلاب الدفع فيشعرون بالغيرة من زملائهم.
توعية الأسر
وأشار الضوياني إلى آلية مواجهة الظاهرة قائلا: لمواجهة الظاهرة يجب أن تكون هناك توعية للأسر في الحالات التي يحتاج فيها الطالب إلى معلم خصوصي والاهتمام بالتحصيل الدراسي لأبنهم في جميع المراحل وعدم الاكتفاء بالحرص الزائد والمبالغة حين يكون ابنهم في الثاني عشر، فكثير من المدارس تشتكي من عدم تواصل الأسرة إلا اذا كان ابنهم في الثاني عشر، وكذلك من الأفضل أن تكون هناك مؤسسات تنظم عمل المعلمين الخصوصيين وليس بالعشوائية الحالية. ومن الحلول أيضا أن تتوجه وزارة التربية والتعليم إلى حصص التقوية خارج أوقات الدوام الرسمي وأن تكون حسب حاجات طلبة المدرسة بمختلف مستوياتهم التحصيلية.
ومن جانبه يرى سليمان بن سالم الجامودي أن الطالب لا يجد ضالته في المدارس الحكومية وللتقليل من انتشار ظاهرة المعلم الخصوصي يجب مراقبة المعلمين في كيفية تدرسيهم للطلبة ومدى استيعاب الطلبة وذلك من خلال الأخذ برأي الطلبة ككل بصفة دورية عن مستوى استيعابهم من المعلم . مشيرا إلى أن ولي الأمر ضحية لجشع بعض المدرسين الخصوصيين الذين اتخذوا من الكتاب تجارة!
ويبدو أن سيناريو الحديث عن الدروس الخصوصية لن ينتهي في ظل التباهي والتفاخر الذي يشعر به ولي أمر الطالب عند لجوء ابنه للمدرس الخصوصي، وفي الوقت الذي يغيب فيه اهتمام وتركيز الطالب للمعلم في حصته الدراسية على الرغم من أن بعض المعلمين من يهتم بتوصيل الفكرة لطلبته ويبذل قصارى جهده رغم اكتظاظ بعض الفصول الدراسية من أعداد الطلبة وآخرون لا يبالون، وبذلك يصبح « الدرس الخصوصي» مطرقة على أبواب البيوت.