د. حسن مدن- الخليج الاماراتية-
ستكون حال التعليم أفضل في بلداننا العربية لو أن عدد التلاميذ في الفصل الواحد كان عشرين تلميذاً، لا أربعين أو خمسين. وسيكون هذا التعليم أفضل لو كانت نسبة المعلمين إلى عدد التلاميذ أكبر مما هي عليه الآن. وسيكون أفضل أيضاً لو أن المعلمين نالوا تأهيلاً أعلى مما هو متاح الآن، ولو أن أجور المعلمين كانت أعلى مما هي عليه، بحيث تصبح المهنة جاذبة للكفاءات لا طاردة لها، وبالتأكيد، فإن حال التعليم سيكون أفضل لو توفرت بنية تحتية للتعليم خير من الموجود من مدارس ومختبرات وأجهزة حاسوب ومتاحف.. الخ.
لكن حتى لو توفَّر جُل ذلك، أو حتى كله، وبقيت المناهج الدراسية المعتمدة هي ذاتها، والرؤية أو الفلسفة التعليمية هي نفسها المتبعة الآن، فإن مخرجات التعليم، من حيث الجوهر، ستبقى كما هي، ولن نشهد النهضة التعليمية المنشودة التي ما انفك المفكرون العرب ذوو البصيرة السليمة يطالبون بها، منذ أن كتب طه حسين كتابه: «مستقبل الثقافة في مصر»، أو قل منذ تلك الحقبة التي عاشها الرجل، وشهدت السجال الجديد بين القديم والجديد، يوم كان الجديد يتقدم، والقديم يتصدع، حتى لو لم يَنهر.
يحثنا كاتب من المغرب، اسمه حسن مخافي، على «تخليص التعليم من الأثقال التي ينوء بها، والتي تجعل تلاميذنا يعيشون محطات انفصال يومي وهم«يدرسون»مواد بعضها يحث على العقل ويعلي من قيمته، وبعضها الآخر يحط من شأنه ويسفهه، ما أدى ويؤدي إلى خلق مواطن متردد يطبعه التذبذب في سلوكه وعلاقته بمحيطه، ويحد من حلمه بالمستقبل، لأنه تعلم أن ينظر إلى الأمام وإلى الخلف في اللحظة ذاتها، وهي مهمة مستحيلة».
كيف لنا أن نستغرب نجاح «داعش» وأخواته في استقطاب شباننا إلى صفوفها، وتمكنها من غسل أدمغتهم، وحملهم على اقتراف ما تقشعر الأبدان والأذهان من مجرد التفكير فيه، فضلاً عن الإتيان به، وننسى أن منظومتنا التعليمية، بما هي عليه من تناقض وتخلف، تهييء كل ذلك، وتجعل الشباب فاقدين للحصانة بوجه دعوات التكفير والقتل، حين يعمد القائمون على هذه المنظومة إلى استبعاد كل ما من شأنه تكوين العقل الناقد للتلاميذ، وتنمية ملكات الفرح والسعادة وحب الحياة لديهم، فتارة يجري حذف مادة الفلسفة من المقررات الدراسية، وتارة تحرّم دروس الموسيقى والفنون الجميلة، ويجري استلال الصفحات السود من تاريخنا، لا غيرها، لتكون مادة للدرس؟.