القبس الكويتية-
«التعليم» اساس نهضة الشعوب ورفعتها، ولطالما اولت حكومات العالم المتقدمة اهتماما خاصا بالعملية التعليمية وما تحويه من عناصر، كطلبة ومعلمين وجهاز اداري وفكر واستراتيجية ورؤى يتم تحقيقها على ارض الواقع، فالمعلم مربي اجيال والطالب هو مستقبل الامة، ولكن في الكويت يعاني التعليم العديد من الصدوع التي تحتاج الى معالجة حقيقية ابتداء من الفصل الدراسي وانتهاء بالوزارة التي تعاني سوء التخطيط واختلال ميزان العدل والتعسف احياناً والعديد من الامراض التي تفتك بالعملية التعليمية.. فهل من منقذ؟!
العديد من المعلمات يتسربن من اعظم مهنة في العالم رغم الحوافز المالية والكادر، انه فعلا لامر محير، لكن اذا علم السبب بطل العجب، فالمعلمات المتسربات من احضان الكادر الى وظيفة ادارية «منزوعة الدسم» قد وجدن فيها راحة تضاهي تلك الحوافز، فضلا عن المسمى الذي تطرب له الآذان في مجتمع ينجذب ازواجه من الذكور الى مهنة بعيد عن الجنس الآخر.
وكشف استبيان، شمل 50 معلماً ومعلمة، أن الظلم في العمل هو أكثر الأسباب التي تدفع المعلمين والمعلمات الى تغيير مسارهم الوظيفي، ليصبحوا إداريين بدلاً من مربين لأجيال المستقبل، بنسبة %45. وجاء ضغط العمل في المرتبة الثانية بنسبة %35، بينما جاءت الأسباب الشخصية في المرتبة الأخيرة بنسبة %20 فقط.
وبيّن الاستبيان ان الإدارات المدرسية أيضاً لها دور في هذا التوجه بسبب وقوفها مع الطالب بنسبة تصل الى %35، في حين انها تقف مع المعلم حال حدوث أي مشكلة بنسبة %25، موضحاً انها تكون عادلة في موقفها بنسبة %40.
فالمعلمات المتسربات وجدن في الوظيفة الإدارية راحة طوال اليوم على مكتب، ودردشة على وقع شرب القهوة مع أنغام تطرب لها الآذان، بعيداً عن تسلط الإدارة المدرسية، حيث تقول إحداهن، وهي تعمل الآن في إحدى المناطق التعليمية، «لقد عملت 7 سنوات كمعلمة مادة اجتماعيات في المرحلة الابتدائية، لم أذق فيها طعم الراحة، فابتداء من تزيين الصفوف الى بهرجة الأنشطة، وانتهاء بالمعاملة السيئة التي تعرضت لها من قبل أولياء الأمور، والإدارة المدرسية التي تعامل العديد من المعلمات بطريقة لا تتلاءم مع أشرف مهنة».
خمسة غيابات
وأضافت: لقد فقدت شعوري بأني معلمة، وبدأت أشعر بأني «شغالة» في خلية نحل، لا أسمع كلمة شكر أو تقدير، ناهيك عن مديرة المدرسة التي كسرت لائحة التقييم، لتنقص درجة لكل ثلاثة غيابات بدلاً من خمسة غيابات. مَن يحاسبها؟ لا أحد.
وبيّنت إحدى المعلمات ان إدارة مدرستها تضع بعض القوانين الداخلية غير المنصفة بحق معلمة الأجيال، حيث انها تطلب من كل معلمة تأخرت 10 دقائق عن العمل بأن تتأخر
بالانصراف نصف ساعة! متسائلة بما أن التأخير يُخصم من راتب المعلمة، فلماذا تضاعف العقاب؟
وأضافت أن كرامة بعض المعلمات أُهدرت، مشيرة إلى أن زميلات لها من أنشط المعلمات بالمدرسة ومحبوبات جداً من الطالبات، تم نقلهن نقلاً مفاجئاً من دون سابق إنذار في الوقت الذي تتفاخر مسؤولتهن أنها هي التي قامت بنقلهن، عقاباً على شكوى رفعوها إلى المنطقة التعليمية.
وشددت بالقول إنه من المفترض ان تشكل لجنة تحقيق يتم من خلالها استدعاء الأطراف المتنازعة على الأقل لبحث المشكلة، مؤكدة أنها شهدت العديد من التجاوزات والاخطاء الا ان خوفها سابقا من ارهاب النقل وقف دون تقديم اي شكوى او ملاحظة.
وتطرّقت الى التقييم السنوي للأعمال الممتازة الذي يلفه الغموض، حيث بينت أنه من حق كل معلم ومعلمة أن يعرف ما يتم كتابته في تقريره، والدرجة التي استحقها، حتى يتعرف على وجهة نظر كل من المدير ورئيس القسم والموجه في أدائه السنوي، لاسيما الذي لم يحصل على الأعمال الممتازة، ليتسنى له تطوير نفسه، وسد مواضع النقص.
وبينت أن رئيسة قسمها تخفي بعض القرارات الوزارية التي من مصلحة المعلمة، وأنها تعرف عنها بطريق الصدفة من معلمات خارج المدرسة أو من أقربائها مثل القرار الذي يرفع الحرج عن المعلمة بدفع أي مبلغ مادي لنشاط مدرسي، فضلاً عن قرار تقليص الأنشطة المدرسية الى نشاطين في الفصل الواحد بدلاً من عدد غير محدد من الأنشطة.
من جانبهم، قال متخصصون تربويون إن كلية التربية بجامعة الكويت وكلية التربية الأساسية هما الجهتان الوحيدتان المسؤولتان عن تشكيل شخصية وأداء معلم حقيقي حيث انها تضع مناهج لطرق التدريس الفعال وكيفية التعامل مع الطلبة واستخدام احدث طرق التعليم الالكتروني، فضلا عن العمل الميداني الذي يتيح لمعلمة المستقبل ان تمارس اختصاصاتها بشكل عملي، وتتعرف من خلاله على آلية التحضير للدروس والأنشطة فتنطلق الى ميدان العمل وهي ملمة بالعديد والعديد بالأمور التعليمية بدءاً من شخصيتها كمعلمة، وانتهاء بواجباتها وحقوقها فتصقل شخصية الطالبة لتحولها الى معلمة.
غير مهيأين
وأضافوا: تأتي في المقابل معلمة التخصص غير المهيأة للتدريس، ولم تتعلم أساليب التعليم وآلية التحضير ومهامها كمعلمة ليتم اختيارها ضمن المعلمين الجدد فتنضم الى دورة قاصرة للمعلمين الجدد، فتطالب ان يكون اداؤها يماثل معلمة التربية التي تدربت على كيفية التعامل مع أنماط الطالبات لأربع سنوات، ومارست دورها، بل وتدربت عليه وتعرفت على طرق التدريس بل وأحداثها.
وتابعوا: يجب على الادارة المدرسية ان تضع لها خطة محكمة، وتنضم إلى ورش العمل الخاصة بأنماط شخصية الطالبات والتعريف بحقوق وواجبات
المعلمة وكيفية تطوير أداء المعلمة والطالبات على حد سواء، ومن مهام المعلمة متابعة فائقاتها وضعيفاتها في المادة، وإعداد خطة لتطويرهن وتحسين مستواهن، فكيف يتسنى لها متابعة وتطبيق هذه الأولويات وهي لم تألفها؟
ضد المعلمات!
وانتقد التربويون وقوف بعض الإدارات المدرسية بصف الطالبات ضد المعلمات، بل وتوجيه عقاب للمعلمة، مما يضعف أكثر من موقف المعلم، ويقلل من قيمته الحقيقية، في زمن أصبحت فيه ذات الميول الذكورية معلمة والفنانة المعلمة وسليطة اللسان معلمة، فضاعت القدوة، متسائلين أين دور لجنة المقابلة الشخصية التي تحدد قبول المعلمة من عدمه؟
وأكدوا أن طالب اليوم يفعل ما يحلو له ولا يعاقب، وهو مشغول بوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الحديثة التي أشغلته عن دوره كطالب، فأصبح يستيقظ ليفتش أولاً في هاتفه النقال باحثاً عن إعجاب الآخرين بالصور التي وضعها والتعليقات التي خلفها في مختلف تطبيقات الهواتف الذكية، فضلاً عن الرسائل التي وصلته وغيرها من الملهيات التي تزاحم أوقات طالب المدرسة، وحذروا من أن هيبة المدرسة والمعلم في خطر بسبب خوف بعض مديري المدارس من أي شكوى ضد مدرستهم من قبل أولياء الأمور، وبالتالي نرى التساهل في عقاب الطالب الذي يرفع صوته على معلمه أو يغش أو يتمرد على قوانين المدرسة، وإذا ما أخطأ فإنه يمر بسلسلة ومراحل من الثرثرة ابتداء من المشرف وانتهاء بالوكيل، وفي النهاية يوقع على تعهد أو يستدعى ولي أمره، بدلاً من توجيه عقاب حقيقي رادع له.
ارتفاع التحويل
من جانبه، قال مصدر مسؤول في وزارة التربية إن ارتفاع عدد طلبات التحويل من وظيفة معلم إلى إداري يقف وراءها العديد من المسببات، منها تسهيل شروط التحويل عن السنوات السابقة، حيث إنه في السابق يشترط اتمام المعلم 10 سنوات في خدمته حتى يتسنى له التحويل، أما بعد تخفيف تلك الشروط بات المعلم يحول بأي لحظة يرفض فيها إكمال مهنة التعليم.
وعند سؤالنا له عن تزايد الطلبات في ظل وجود كادر المعلم، قال «البعض يهتم براحته أكثر من الحوافز»، وأضاف «البعض الآخر لا يجد في نفسه الكفاءة كمعلم، وكما أن البعض قد يطرأ عليه ظرف صحي، أو ظرف خاص».
ميزانية الأقسام.. لا تكفي
أكد متخصصون أن مهنة المعلم تعتبر الوحيدة التي ينفق أصحابها مادياً على وظيفتهم، رغم أن الوزارة أصدرت كتابا رسميا بعدم فرض مبالغ على المعلم في الأنشطة، وتغافلت أنه لا يوجد نشاط من غير مبلغ مالي، خاصة أن مخصصات القسم قليلة جداً، ولا يعلم عنها المعلم شيئا، لأنها تكون في عهدة رئيسه، وهو بدوره يصرفها على احتياجات القسم من أدوات ومستلزمات كالقرطاسية وأحبار الطابعة والأوراق والنماذج والخرائط كل حسب التخصص.
وأضافوا: رغم أن المعلم يعتبر عصب المدرسة، ويأتي التدريس في المرتبة الأولى من أولوياته، فإنه، وبعد أن ينخرط في ميدان العمل، ينتبه إلى أن هناك أموراً أخرى تزاحم المعلم في دوره الأساسي كالأنشطة التي تلعب البهرجة والضيافة والديكور والتزيين دورا كبيرا في لفت إعجاب الحضور، ليطغى الشكل على المضمون، فضلاً عن المسابقات التي تشغل الطلبة عن التحصيل الدراسي ومطالب فيها العديد من الأقسام حتى في الأيام الأخيرة من انتهاء منهج الفصل.
الاستبيان.. والنتائج الصادمة!
الاستبيان البسيط الذي أجرته القبس مكوَّن من سؤالين لـ50 معلمة من مختلف المراحل التعليمية حول موقف إداراتهن المدرسية في حال حدوث مشكلة بين الطالب والمعلم، وكانت نتيجة العينة أن %45 من المعلمات أكدن أن الأسباب التي تدفعهن للتسرُّب الوظيفي هو الظلم الواقع عليهن في محيط العمل.
أما عن أبرز الأسباب التي تدفع المعلمة إلى تغيير مسارها الوظيفي فقد أكدت %35 منهن أن الإدارة تقف غالباً في صف الطالب، لاشك
أن هذه النتائج الصادمة تدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التي تدفع الإدارة المدرسية إلى الوقوف في صف الطالب، هل هو خوف على المنصب، أم خوف على الطالب؟
طالب اليوم.. ونظرته للمعلم!
يرى تربويون أن طالب الأمس ليس كطالب اليوم الذي تحوم حوله العديد من المغريات، فجعلته يفكر بطريقة استباقية بالنسبة لعمره، لكنها في الوقت نفسه حوَّلته إلى طالب كسول عنيف يتحدى معلمه، ويحيك له الدوائر، وأحياناً يكون انطوائياً ينتظر المعلم ليلقمه المعلومة كطفل صغير، فهو لا يقرأ، بل يشاهد الصور على تطبيق «الإنستغرام»، تكفيه الجملة في تطبيق «تويتر»، لا يهتم بتطوير نفسه، ولا يعرف أين مصيره بعد التخرج، يسمي الغش مساعدة إنسانية، ورفض الغش سوء تصرّف، فاقد للرؤية والعزيمة والهدف، يلتفت حوله ويرى وقد اختلف مفهوم القدوة أمامه،
تطفيش الكفاءات
أكد مسؤولون تربويون ان مهنة التدريس مهددة بتفريغها من الكفاءات، بسبب سوء التخطيط والضغوط العملية المضاعفة التي لا تخدم العملية التعليمية.