محمد قيراط- الشرق القطرية-
لم يعد أحد يفكر هذه الأيام في المدرسة كمكان يكتسب فيه الطالب العلوم والمعارف فحسب، فلقد نجحت المدرسة بفضل جهود الكثير من التربويين في تجاوز دورها التقليدي، ومن ثم الشروع في عملية تنموية كبيرة ومستمرة، محورها الطالب، وغايتها تأهيله للمشاركة في نمو وازدهار المجتمع وفق أهداف تربوية محددة. وقد تمثلت وسيلة المدرسة لتنفيذ هذه العملية في نبذها لمفهوم المنهج التقليدي، المقتصر على تقديم العلوم والمعارف، وتبنيها في المقابل لمفهوم جديد، يقدم للطالب مجموعة متنوعة من الخبرات المرتبطة بالطالب ومجتمعه، داخل المدرسة وخارجها، بهدف تحقيق النمو الشامل والمتكامل في كافة جوانبه: الجسمية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية. ويتم كل هذا من خلال التركيز على تدريب الطالب على التفكير التحليلي والتفكير النقدي.
الإعلام أداة هامة من الأدوات التي تستخدم في التربية والتعليم لتنمية الكثير من الجوانب، سواء تلك المواد والرسائل التي تُوَجّه للطالب بهدف تعزيز المنهج المدرسي، وما يحتويه من معارف ومعلومات أو تلك المواد التي تُوَجّه لتنمية مهاراته الشخصية والذاتية، أو لتعديل سلوك أو تغيير اتجاهاته نحو مفاهيم تربوية تسعى المؤسسة التعليمية لتحقيقها في ظلِّ النظام التعليمي الذي تطبّقه. يستخدم الإعلام التربوي أدوات ووسائل الإعلام وفنونه المختلفة في إنتاج الرسائل الإعلامية والمواد الصحفية والبرامج الإعلامية، ويوظفها في التوعية بالمشكلات التي تواجه التعليم، وخدمة برامج التعليم النظامي وغير النظامي المتمثّل في محو الأمية وتنمية مهارات القراءة والاطلاع ومساعدة الطلاب في اختيار تخصّصاتهم وتحديد مساراتهم العلمية والعملية. وكذلك توجيه أولياء الأمور لاتباع أفضل أساليب وطرق التربية وذلك بغرس القيم والمبادئ والعادات والتقاليد واحترام القوانين وغرس المحبة والتعاون والتسامح والتلاحم والتكافل الاجتماعي. كما يسعى الإعلام التربوي إلى رفع مكانة وقيمة وقدر المعلم وتحسين صورته في المجتمع، وتكوين شخصية مثالية للمعلم كونه العنصر الأساسي في نجاح العملية التعليمية إلى جانب التربية.
بواسطة وسائل الإعلام يمكن تشجيع مهارات الابتكار ومواهب الإبداع عند الطلبة بتقديم البرامج التعليمية المناسبة وشرحها باستخدام التلفزيون التعليمي أو وسائل الإعلام الجديد من خلال المنتديات الإلكترونية وشبيهتها وكذلك المحافظة على التراث الثقافي والحضاري للمجتمع في مواجهة الغزو الثقافي الغربي وهيمنة وسائل الاتصال الحديثة. كما يساعد الإعلام التربوي على إبراز الإنجازات العلمية والأدبية والثقافية وعرض الاختراعات والاكتشافات العلمية الحديثة بأسلوب يناسب القدرات الفكرية للطالب.
من جهة أخرى يلعب الإعلام التربوي دورا كبيرا في عملية التثقيف الأخلاقي والقيمي والاجتماعي والإنساني والسلوكي، كما يعمل الإعلام التربوي على توفير تكافؤ الفرص التربوية أمام الجميع وتوفير المساواة فيها، وهذا يتجاوز مجرد توفير حق الالتحاق بالمدارس مع التغلّب على الصعوبات والعقبات التي تحول بين بعض الفئات والالتحاق بالتعليم، وتعويضهم مما أصابهم من الحرمان بسبب ذلك من خلال وسائل الإعلام.
تكمن أهمية الإعلام التربوي كذلك في قدراته على إيصال المعلومات والمفاهيم وترسيخ المبادئ والقيم وتحصين الناشئة بثقافة تحميهم من الغزو الثقافي الفكري الأجنبي وتمكينهم من اللغة العربية. كما يساعد في الوظيفة النفسية والوجدانية والعاطفية حيث إكساب المتلقِّي الاتجاهات والأحاسيس والمشاعر الإيجابية المرغوب فيها والحثّ على المشاركة وإكسابه مهارات التعامل مع المشكلات والصدمات التي يمكن أن يتعرَّض لها والعمل على تعزيز ثقته بنفسه واعتماده على ذاته وتقديره لذاته والآخرين. كما يساعد الإعلام التربوي على إكساب المتلقِّي منظومة متكاملة من المهارات والخبرات الحسّية الحركية اللازمة له وإكسابه طرائق التعامل السليم مع البيئة.
يعمل الإعلام التربوي على تحقيق أهداف سياسة التربية والتعليم التي عادة ما تتمحور حول غرس العادات والقيم الحميدة والمحافظة على الموروث الثقافي والتراث الشعبي والحضاري للبلد في نفوس الطلبة في محاولة لمواجهة الغزو الثقافي الغربي. كما يتبنى الإعلام التربوي القضايا والمشكلات التربوية والتعليمية المختلفة ووضع الحلول الناجعة لها. وكذلك إبراز دور المدرسة كمؤسسة تربوية وتعليمية بوصفها اللبنة الأولى في مجال التعليم النظامي، كما يهدف الإعلام التربوي إلى الاهتمام بمكوِّنات وعناصر العملية التعليمية المتمثِّلة في المعلم والطالب والمنهج وأولياء الأمور ويسهم بشكل كبير في تعزيز التحصيل العلمي للطلبة والمساهمة في تفسير المنهج الدراسي والتواصل مع المجتمع من خلال نشر الأخبار وتزويد الرأي العام بالمعلومات الصحيحة عن البرامج والمشروعات التعليمية والتربوية التي تحقق المسؤولية الجماعية للعمل التربوي. من مزايا الإعلام التربوي كذلك تحسين صورة المعلم في المجتمع وتعزيز مكانته في نفوس الطلبة وإبرازهم كقدوة حسنة يحتذى بهم. كما يعمل على اكتشاف المواهب الإعلامية المبكِّرة وتعهّدها بالرعاية والتوجيه بالتعاون مع أجهزة الإعلام لإتاحة الفرصة للبراعم الصحفية والإذاعية والتلفزيونية لكي تنضج وتترعرع وتمتهن وظيفة الإعلام مستقبلا. كما يساعد الإعلام التربوي الطالب على التفكير النقدي والتفكير التحليلي وإيجاد الحلول للمشكلات التي قد يتعرض لها. وكذلك إكساب الطلاب المهارات العلمية اللازمة لفهم ما يبثّ إليهم من رسائل إعلامية متنوِّعة، وتشمل هذه المهارات القدرة على الإصغاء الجيّد والتفكير والحوار والمناقشة والاستنتاج والتحليل.