الوسط البحرينية-
من خلال متابعاتنا الحثيثة لأحوال وأوضاع المدارس وإداراتها والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور، وجدنا بعض المدارس غير مستقرة في جداول حصصها وجداول زيارات أولياء الأمور للمدرسة إلى وقت قريب من الأيام الأخيرة، وعند اطلاعنا على الحقيقة، وجدنا سببًا خياليًّا لم يخطر ببال أحد من العقلاء، ولم يتصوروا حدوثه في الأيام التي يقترب فيها الطالب من نهاية الفصل الدراسي الأول، هل من المعقول أن وزارة التربية والتعليم تقوم بتنقيلات المعلمين في مثل هذه الأيام الحساسة؟ ما وجدناه حتى لو حصل بالفعل في مدرسة واحدة يعده رجال التربية كبيراً، والمصيبة إذا ما حدث نقل المعلم إلى مدرسة أخرى من غير سابق إنذار، ويأتيه القرار وهو في الحصة بين طلابه، كيف سيكون وضعه النفسي والمعنوي في مثل هذا الحال؟ وكيف سيكون حال طلابه الذين أخذوا على أسلوبه في الشرح والتعامل وتأقلموا معه نفسيًّا ومعنويًّا وهو يخبرهم بقرار نقله وأنه آخر حصة يدرسهم؟ هل فكرت الوزارة ماذا سيحصل للمدرسة في حال نقلها لأي معلم منها في غير الأوقات المحددة للتنقلات؟ أم أنها لم تفكر إلا في نقل المعلم فحسب، ولم تلتفت إلى التداعيات السلبية التي ستنتج من وراء هذا القرار الذي لا يعتمد على الأسس التربوية الحقيقية، كيف سيكون حال المدرسة التي يتغير جدول حصصها أكثر من خمس مرات في الفصل الدراسي الأول؟ أليس هذا الحال الخاطىء تربويًّا يوجد إرباكا كبيرا للإدارة المدرسية والكادر التعليمي والطلبة وأولياء الأمور، وفي كل المفاصل التربوية والتعليمية في المدرسة؟ ألم تفكر في مصلحة التعليم ومصلحة الطلبة الذين يقتربون من امتحانات منتصف الفصل الدراسي أو نهاية الفصل الأول الدراسي عندما قررت نقل أي معلم؟ ألم تفكر في أولياء الأمور الذين رتبوا أوضاعهم وأوقاتهم على جداول الزيارات المدرسية التي تسلموها من إدارة المدرسة؟ لا أحد من التربويين يستطيع فهم الوزارة في هذا الجانب التربوي على وجه الخصوص، وفي جوانب تربوية أخرى بصورة عامة، إن كانت تعلم أن عملها وتخبطها في هذا الشأن يربك التعليم بصورة كبيرة فتلك مصيبة، وإن كانت لا تعلم فالمصيبة أكبر، ليس من المعقول أنها لا تعلم عن الإرباك الذي تحدثه للإدارات المدرسية والطلبة وأولياء الأمور في حال نقلها المعلم من مدرسته، والكل يعلم أن نقل المعلم من مدرسته لا يحدث إلا إذا تقدم هو بطلب نقله من المدرسة التي يدرس فيها إلى مدرسة أخرى، أو إذا تقدمت الإدارة المدرسية للوزارة بطلب نقل معلم ما من مدرسته، وهذا لا يحدث إلا مطلع العام الدراسي أو في الحالات الطارئة جدا وليس في مثل هذه الأوقات الحرجة ومن غير مبررات تربوية واضحة، لما لهذا الأمر من انعكاسات سلبية كبرى على التعليم، فتلاميذ المرحلة الابتدائية وطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية لا يتحملون نفسيا ومعنويا إذا ما فاجأتهم الوزارة بقرار نقل معلمهم إلى مدرسة أخرى بعد مرور أكثر من شهرين، والإتيان بمعلم آخر لم يسبق لهم التعرف عليه ، لا يستطيع أحد من التربويين المقدرين والمخلصين لمهنة التعليم نعت مثل هذه القرارات غير المدروسة بصورة حقيقية بنعوت إيجابية، فكل العقلاء يجمعون على تعريف واحد لهذه الممارسات الخاطئة، ألا وهو إخفاق الوزارة في تلبية احتياجات المدارس من المعلمين إلى وقت يمتد إلى نهاية الفصل الدراسي، ولم نجد أحداً يعذر الوزارة في حال ممارستها تنقيلات المعلمين في أوقات بعيدة عن بداية العام الدراسي كالتي ذكرناها آنفا، لا بد أن تتعامل الوزارة مع المعلم على أنه الركيزة الأساسية في تطوير وتنمية قدرات ومهارات الطلبة في كل المجالات والتخصصات التعليمية، ويجب على المعلم أن يكون لديه هذا الشعور التربوي؛ لكي يستطيع أن يعطي للطالب كل ما عنده من قدرات وإبداعات وأخلاقيات وسلوكيات إيجابية، وألا يجعل نفسه في مواقع هامشية لا قيمة لها من الناحيتين التربوية والتعليمية، فالمعلم غير الطموح هو الذي يجعل الإحباط والتثبيط واللامبالاة والظروف والأحوال القاسية تتغلب على إرادته، ولا يستطيع بعدها أن يؤدي واجبه الأخلاقي تجاه التعليم على أكمل وجه أولاً، ولا يتمكن من أن يعطي لطلابه ما يمتلكه من خبرات وكفاءات بالمستوى المطلوب منه ثانياً، ويعجز عن أن يقدم الخدمات الجليلة في مجال التعليم لوطنه كما هو المفروض عليه وطنيا ثالثاً.
يجب على المعلم أن يرسخ وجوده في الساحتين، التربوية والتعليمية بكل جدارة واقتدار، وأن يكون أكبر بكثير من كل التحديات والصعاب والمعوقات المصطنعة التي قد يصادفها في طريقه المهني، وألا يسمح للقرارات غير التربوية التي تمارس ضده بين وقت وآخر، والتي تنتقص من استحقاقاته المهنية والمادية وحرمانه من الترقيات والحوافز والمكافآت أن تؤثر سلبًا على نفسيته ومعنوياته ولو بنسبة متدنية، ليس ما أطلبه من المعلم ضرباً من الخيال، فهناك نماذج كثيرة للمعلم الطموح والجاد والمخلص والمتميز في عمله الذي لا تزلزله كثرة الممارسات غير القانونية التي تريد إضعاف عزيمته وإرادته في خدمة وطنه في المجال التعليمي، فعليه أن يكون واعيًا ومثقفًا ثقافة حقيقية بحقوقه المهنية والمادية، لكي يتمكن من المطالبة بها بالطرق القانونية، فالكل في البلاد على دراية كاملة بأن التعليم لا يمكنه أن يزدهر ويتطور ويأخذ مكانه الطبيعي في المجتمع المحلي وفي الإقليم وفي العالم إلا بالمعلم البحريني الطموح الذي يجعل التعليم أول همه، وما الشخصيات التي تتبوأ مراكز متقدمة بكل جدارة واقتدار إلا بفضل المعلم الطموح الجاد في عمله، فلهذا نجد أن الوزارة عليها توفير البيئة التعليمية الحقيقية للمعلم والطالب، لكي يؤديا واجبهما تجاه التعليم على أكمل وجه، وأن تعمل على تحقيق المواطنة المتساوية بين جميع التربويين، وأن تأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص في التعيينات والتوظيف والترقيات والحوافز والمكافآت والبعثات الدراسية.
أملنا أن تتعامل الوزارة مع التعليم بعيداً عن كل المؤثرات النفسية السلبية؛ لكي تتمكن من تحقيق طموحات الوطن في التعليم، أما إذا ما استمر حال التعليم كما هو الآن يعتمد على البهرجة والظواهر الخارجية، فمستقبل التعليم في البلاد لن يكون على ما يرام.