سامية عبدالله- شؤون خليجية -
إرهاصات "ميلاد خليج جديد" ملف يلخص حال دول الخليج والعلاقات البينية بقيادة الرياض بالمرحلة الراهنة، والتي أدت إلى تغير شكل ونمط التحالفات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية بالمنطقة، في مواجهة تحديات الأمن القومي ومشروع إيران التوسعي، حيث تتصاعد أطر وأسباب التنسيق البيني، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل امتد ليشمل ملفات الأمن القومي والتدخل العسكري، ومثلت الأزمات الحالة ساحة اختبار لميلاد قوة خليجية متنامية ومؤثرة بالمحيط الإقليمي والدولي، وعلى رأسها الملف اليمني والسوري وملف العلاقة مع إيران، وصولًا للموقف من حزب الله اللبناني، الأكثر تأثيرًا نجاح معظم دول الخليج في استمرار تماسك تحالفها العسكري باليمن، وتلويحها بتدخل بري في سوريا، مع قرب تفعيل التحالف الإسلامي العسكري، في إطار خلق توازن ردع ذاتي، في ظل التواطؤ (الأمريكي - الروسي)، وفي مواجهة حلف "بوتين- خامنئي- الأسد"، بما سيولد خارطة نفوذ ومواجهات جديدة.
فيما تعد صلابة الموقف الخليجي نواة صلبة في إطار محيط عربي رخو فشل حتى الآن، في تشكيل موقف موحد إزاء الملفات المصيرية الشائكة.
تنبع حساسية التحديات التي تواجه أمن الخليج من الموقع الجيوستراتيجي الحاكم لمنطقة الخليج، اقتصاديًّا وأمنيًّا وعسكريًّا؛ ما جعل دولها عرضةً لأطماع القوى الدولية والإقليمية الطامحة إلى بسط نفوذها وسيطرتها على ثروات ومقدرات المنطقة، وتسخيرها على نحوٍ يخدمُ مصالح هذه القوى، بغضِّ النظر عن أمن واستقرار دول المنطقة، ومصالح ورفاهية شعوبها.
تتميز المنطقة أيضًا بتوافر الثروة النفطية في دول المنطقة بكميات واحتياطيات هائلة، وفي المقابل ضعف الإمكانات البشرية والعسكرية الذاتية القادرة على حماية هذه الثروة، وهو ما يسمى بمفارقة "الثروة المفرطة - الأمن الهش"، ولذلك ظلَّ الأمن يمثِّل الهاجس الأكبر.
هل يملأ الخليج الفراغ الأمريكي
دفعت تغيرات السياسة الخارجية الأمريكية بالتواطؤ مع إيران، وبخاصة عقب توقيع الاتفاق النووي والتفاهمات غير المعلنة مع روسيا بشأن سوريا على حساب الحليف الخليجي، إلى دفع الخليج للاعتماد على الذات.
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 26 فبراير، مقالا لـ"جوزيف ليبرمان"، الذي انتخب في مجلس الشيوخ من 1989 إلى 2013م، أشار فيه إلى أن غياب القيادة الأمريكية يجعل العالم أكثر خطرًا من أي وقت مضى، فالعالم الآن في حالة من عدم الاستقرار غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، والتهديدات تأتي من قوى توسعية، مثل إيران وروسيا والصين، ومنظمات إرهابية كـ"داعش" و"القاعدة".
واعتبر أن الانسحاب العسكري والسياسي الأمريكي من العراق، والفشل في التدخل لوقف المذابح في سوريا، أديا إلى حدوث فراغ في قلب الشرق الأوسط، وهذا الفراغ تستغله القوى المعادية للولايات المتحدة، سواء من المتشددين السنة أو إيران، محذرًا من أن النتيجة هي إقامة ملاذ إرهابي على نطاق غير مسبوق، وهيمنة إيرانية على عدة عواصم عربية، مضيفًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحرك أيضًا لاستغلال هذا الفراغ في أوكرانيا وسوريا.
إرهاصات ميلاد خليج جديد
فيما يلي رصد لأهم القضايا التي أفرزت مؤشرات تشكل خليج جديد موحد تجاه أهم القضايا المصيرية بالمنطقة:
مواجهة حزب الله - الذراع الإيراني
فجر قرار السعودية، وقف مساعدتها العسكرية المقدرة بـ4 مليارات دولار للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، ردود فعل رسمية خليجية داعمة للمملكة، عقب خروج لبنان عن الإجماع العربي بملف الموقف من إيران، فسريعًا أعلن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تأييده التام لقرار السعودية بإجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع لبنان، وتأسف لأن القرار اللبناني أصبح رهينة لمصالح قوى إقليمية خارجية، ويتعارض مع الأمن القومي العربي.
ويرى مراقبون أنه لا يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها كل من الكويت والبحرين، بتحذير المواطنين من زيارة لبنان، أو البقاء فيه، ومنع الإمارات مواطنيها من الذهاب إلى هناك، مجرد خطوات "تضامنية"، فالخطوة السعودية، تلتها عدة خطوات عربية، منها عزم الحكومة اليمنية تقديم شكوى في مجلس الأمن ضد حزب الله، على خلفية اتهامه بتدريب خلايا مسلحة في اليمن، ودعم الحزب لميليشيات الحوثي، وقد اتهمت الحكومة اليمنية حزب الله اللبناني بتشكيل وتدريب خلايا في اليمن، تعتزم استهداف السعودية، وشن هجمات داخلها.
التحالف الإسلامي العسكري.. نقلة نوعية
شهدت العلاقات الخليجية تطورًا نوعيًا في إطار التعاون العسكري وليس فقط السياسي، وظهر ذلك جليًا في تبلور عدة تحالفات عسكرية جديدة، أبرزها التحالف العسكري الإسلامي الذي تعد السعودية ودول خليجية نواته الأساسية، ومن المتوقع أن يشكل عامل ردع وقائي جديد لأمن الخليج في مواجهة إيران وميليشياتها.
وأكدت دراسة بعنوان "التحالف العسكري الإسلامي في زمن الهياكل العسكرية" للدكتور ظافر محمد العجمي، في 28 ديسمبر 2015 بمركز الجزيرة للدراسات، أن التحالف الإسلامي العسكري خرج كظاهرة حتمية تقتضيها الظروف، فهو اتفاق بين أطراف عدَّة لحماية أعضائه من قوة مهدِّدة للأمن الجماعي.
تشير الدراسة إلى أن الهياكل العسكرية بأشكالها الثلاثة المكون الرئيس للمشهد في العالم العربي: الميليشيات المسلحة والقوات النظامية والتحالفات الإقليمية، فيما تراجعت الدبلوماسية منكفئة على نفسها، بعد الفشل الذريع للعديد من المؤتمرات التي عُقدت في الداخل والخارج لحل الأزمات التي تعصف بالمنطقة، لاسيما في سوريا وليبيا واليمن والعراق، وعلى من يجادل في ذلك أن ينظر مليًّا ويمعن النظر في الملفات العالقة التي تتصدر جدول أعمال القمم الخليجية والعربية، واليوم، وبسبب وضوح المعسكرات المتقابلة وضيق الخيارات أمامها للدفاع عن وجودها، وبسبب طبيعة المعركة، تم الإعلان مؤخرًا عن تأسيس التحالف الإسلامي العسكري المكوَّن من 34 دولة إسلامية؛ حيث تسعى الدول المنضوية تحت لوائه لأن تجعل منه مركزًا للثقل، الذي ترتكز عليه القدرة القتالية للقوات المسلحة السعودية.
مناورات رعد الشمال - توازن الردع
مثلت مناورات رعد الشمال تحولًا نوعيًا آخر على مسار تعزيز العلاقات الخليجية العسكرية، وتحقيق توازن الردع، وأكدت دراسة بعنوان "هل ستقود مناورات (رعد الشمال) إلى إنقاذ الشمال السوري؟" في 22 فبراير 2016، أن مناورات "رعد الشمال" بحفر الباطن بالسعودية هي استجابة مرنة لتطور الأحداث في سوريا، وتكمن مرونتها في امتلاكها قابلية عالية للتحول من مناورة عادية إلى حشد، ثم إلى هجوم، كما يمكن اعتبارها بمثابة قوة الدفع المحركة من خلال حشد قرابة 350 ألف جندي من أكثر من 20 دولة، كواحدة من أكبر المناورات في تاريخ المنطقة. وتحمل المناورة عدة رسائل؛ فهي "عاصفة حزم تدريبية"، واستمرار لنهج "الأخْذ بزمام المبادرة" الذي تبنَّته السعودية منذ وصول الملك سلمان إلى سدة الحُكم في يناير 2015، وهي- أيضًا- ردٌّ على المناورات التي تجريها طهران دوريًّا.
الدوافع التي قد تحيل المناورة إلى عمل تطبيقي في سوريا عديدةٌ؛ منها غياب الدور الإقليمي أو العربي الإسلامي العسكري في الأزمة الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات؛ عليه، فقد يكون التدخل ممارسة لحقِّ دول الخليج كقوة عُظمى بمقاييس إقليمية؛ من أجل منع انهيار فصائل المعارضة المعتدلة المدعومة خليجيًّا، وتغيير مُخرجات التدخل الروسي العسكري الذي قلب الأوضاع ميدانيًّا.
التدخل البري المحتمل في سوريا - قاعدة أنجرليك
بالتزامن مع تكثيف مناورات رعد الشمال بقاعدة الملك خالد السعودية، تجري استعدادات موازية بقاعدة أنجرليك التركية، مع تحرك خليجي تقوده الرياض تأهبًا لخوض عملية محتملة في سوريا في إطار التحالف الدولي ضد داعش، وتقع القاعدة بالقرب من مدينة أضنة جنوب شرقي تركيا، وتعد "أنجرليك" إحدى القواعد العسكرية الجوية التركية وتقع جنوب شرقي البلاد، وقد أرسلت ثلاث دول طائراتها، فقد أكد العميد أحمد عسيري، مستشار وزير الدفاع السعودي، أن طائرات حربية سعودية وصلت إلى قاعدة أنجرليك التركية، للمشاركة في مواجهة تنظيم الدولة، مشيرًا إلى أن المملكة تترجم أقوالها إلى أفعال عبر تكثيف العمل الجوي، "وننتظر التفاصيل العسكرية للبدء في تنظيم العمل البري"، كما ذكرت تقارير صحفية أن مقاتلات قطرية تحط في قاعدة أنجرليك جنوب تركيا، وأشارت صحيفة الشرق الأوسط السعودية، إلى أن طائرات إماراتية وصلت إلى قاعدة أنجرليك العسكرية التركية.
التحالف العربي في اليمن
يرى مراقبون أن عاصفة الحزم التي أقدم عليها التحالف العربي بقيادة الرياض في اليمن، مثلت نقطة تحول في مواجهة المشروع الإيراني وأوقفت تمدده، بل إن التدخل العسكري البري المحتمل في سوريا سيستثمر نجاح عملية "عاصفة الحزم"، ضد الأطراف المنقلبة على الشرعية في اليمن، والمتمثلة بجماعة الحوثي والميليشيات الموالية للمخلوع علي عبدالله صالح، حيث من المتوقع تطبيق السيناريو نفسه من خلال شن حملة جوية مباغتة، ودعم فصائل المعارضة المعتدلة على الأرض وتحييد المتطرفة، ثم إنزال قوات الدول المشاركة بهذه العملية ومنها بعض الدول الخليجية؛ لمنع نظام بشار الأسد من إعادة سيطرته على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة المسلحة.
قطع العلاقات مع إيران
إلى حد كبير بلورت دول الخليج معًا موقفًا رافضًا للتدخلات الإيرانية بالمنطقة، وتضامنت مع القرار السعودي بشأن قطع العلاقات مع طهران، وقررت مملكة البحرين قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وطلبت من جميع أعضاء بعثتها مغادرة المملكة خلال 48 ساعة، أما الإمارات التي تربطها علاقات تجارية قوية مع الإيرانيين، موقفها كان أقل حدة بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى مستوى القائم بالأعمال، وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الإمارات