ديفيد بولوك- معهد واشنطن-
شهد الأسبوع الماضي تطوراً بارزاً حظي بانتباه قليل تضمن تصريحاً صادراً عن جميع دول «مجلس التعاون الخليجي» الست - المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان والبحرين - اعتُبر بموجبه رسمياً «حزب الله» اللبناني منظمة إرهابية. وهذا الأسبوع، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى هذه الخطوة بأنها "مهمة لا بل مدهشة". إلا أن الواقع لا يمت بصلة إلى إسرائيل بل هو في الحقيقة مرتبط بالموقف العربي الذي يزداد انشقاقاً، مع مرور السنين، عن رؤية الحزب وأهدافه نتيجة خلافات جمّة حول مجموعة متزايدة من المسائل الأخرى، أبرزها: دعم «حزب الله» العسكري الفعلي لنظام بشار الأسد الديكتاتوري، ودعمه المعارضة الحوثية الشيعية في اليمن، وعلاقته الوثيقة بأحد أعداء «مجلس التعاون الخليجي» اللدودين أي إيران، بالإضافة إلى المعلومات الموثوقة حول تورّط الحزب في أعمال إرهابية بما فيها استثارة الفتن ودس الجواسيس في معظم الدول الأعضاء في «مجلس التعاون».
وبالرغم من هذا التطوّر البارز، ردّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله على موقف «مجلس التعاون الخليجي» عندما كان يتحدث في 6 آذار/مارس، أكد من خلاله على وجود اختلاف بين وجهة نظر القادة السياسيين العرب ومنظور الشعب العربي حيال الحزب، مشيراً أيضاً إلى أن موقف الشعب العربي الرافض للكيان الإسرائيلي لا يزال ثابتاً بالرغم من كل الاعتبارات. وفي تصريحه، اعتبر نصر الله أنّ "ردود الفعل في العالم العربي تشجب بمعظمها الوجود الإسرائيلي، وهذا الواقع يخالف موقف بعض الأنظمة العربية، لاسيما في الخليج". وفي السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى أنّه منذ حوالى عقد، وعقب انتهاء حرب «حزب الله» ضد إسرائيل في عام 2006، ارتفعت شعبية الحزب ارتفاعاً ملحوظاً وسريعاً وفقاً لجميع الاستفتاءات التي شملت الشارع العربي ككل، بالرغم من الموقف الحيادي الذي تبنته بعض الحكومات العربية إزاء ما سمّته بالميليشيا اللبنانية "المتهوّرة". ولذلك، يطرح رد نصر الله الناري بقدر ما يخدم مصلحة الحزب الذاتية سؤالاً مشروعاً: هل لا تزال الشعوب العربية تدعم «حزب الله» على خلاف موقف حكوماتها؟
بحثاً عن الجواب، لا بدّ من التوقف أولاً عند مواقف الصحف العربية، التي تخضع بمعظمها لرقابة الدولة ذات الصلة دون شك، ولو يُجاز لها أحياناً شيء من حرية النشر. وفي هذه الحالة، يبدو أن الصحف العربية الخليجية، لاسيما تلك التي تصدر في السعودية والإمارات، تدعم بقوة التصنيف الإرهابي الجديد المنسوب إلى «حزب الله» وتتبنى، بشكل عميق، موقفاً معادياً للحزب. على سبيل المثال، وصف الناقد الصحفي السعودي سعد الدوسري في مقالته في صحيفة "عرب نيوز" الإخبارية في عددها الصادر في 7 آذار/مارس، «حزب الله» على أنّه " كالسرطان المتفشّي... بدعم من أجندة إيرانية طائفية محض، سيطر الحزب تدريجياً على الدولة (لبنان) كمافيا". وبالنبرة ذاتها، كتب المحرّر السعودي البارز تركي الدخيل، مقالة مقابلة للصفحة الافتتاحية في صحيفة "عكاظ" اليومية الأشهر في البلد والصادرة بالتاريخ ذاته المذكور أعلاه. ونشر مقالته بعنوان "أنطرد اللبنانيين؟"، ذكر فيها مقالة أخرى بقلم زميل سعودي آخر نادى بطرد اللبنانيين، إلا أن الدخيل خالف الأخير في المضمون. وعلى العكس من ذلك، خلص الدخيل في مقالته إلى "ضرورة اتخاذ التدابير الحازمة تجاه أولئك الأشخاص الذين يعملون لصالح ميليشيات مسلّحة وينفذون أوامر إيران دون سواهم، وليس إزاء الدولة اللبنانية". وبمعنى آخر، لا مانع من استقبال الشعب اللبناني، ولكن لا مجال للبحث في استقبال مناصري «حزب الله».
وبالانتقال إلى الصحف الإماراتية، نشرت صحيفة "البيان" مقالة افتتاحية بتاريخ 4 آذار/مارس ندّدت فيها بـ "أعمال «حزب الله» أو حزب ' المقاومة ' المزعوم التي لم ينتج عنها إلا الدمار وسفك الدماء وشتّى المصائب سواء باستخدام قضية إسرائيل أو بإثارة الفتن في لبنان وغيرها من الدول العربية". وعلى نحو مماثل، نشرت صحيفة "ذا ناشيونال" في الصفحة الافتتاحية الرئيسية، بتاريخ 7 آذار/مارس، مقالة بعنوان "تدخُّل «حزب الله» الكاذب" أكدت فيها أن الحزب "يسعى سعياً مدمِراً إلى تنفيذ أجندة طهران لاسيما من خلال محاولاته الجمّة لتأسيس حركات أصولية مؤلفة من شبّان خليجيين من شأنها تنفيذ أعمال إرهابية في الوطن وخارجاً".
ولكن، بصرف النظر عن اتجاهات الصحافة العربية الخاضعة للرقابة الحكومية ومواقفها التي تعكس بمعظمها آراء المسؤولين السياسيين أو على الأقل نخبة من المفكرين النافذين، تشير نتائج الاستفتاءات بصورة أكثر جزماً إلى تراجع شعبية «حزب الله» تراجعاً ملحوظاً وسريعاً في الشارع الخليجي عموماً. ووفقاً لاستطلاعين للرأي أشرفتُ عليهما بنفسي في الشارع الخليجي، الأول في أيلول/سبتمبر 2014 والثاني في أيلول/سبتمبر 2015، حصد «حزب الله» دعماً شعبياً بنسبة 13-15 في المائة في السعودية والإمارات. أما في الكويت، فسجل الدعم الشعبي لصالح الحزب نسبة أعلى قليلاً بلغت 24 في المائة، علماً أن الأقلية الشيعية تشكل نحو ثلث عدد سكان الكويت. وعلى نحو مماثل، حشدت إيران، وهي الجهة الراعية لـ «حزب الله»، شعبية متراجعة تتساوى في النسبة مع شعبية الحزب. وفي الواقع، لم يختلف الدعم السعودي لإيران اختلافاً كبيراً مقارنة مع العام الماضي، إذ تراجع بنسبة بسيطة من 13 إلى 8 في المائة.
وفي الاتجاه ذاته، أظهرت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته شركة "زغبي" في أيلول/سبتمبر 2015 أن حوالى 85 في المائة من الجمهور في كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة يصف "الجماعات المدعومة من إيران لاسيما «حزب الله»" بأنّها "الآفة الأساسية" وراء الصراع الدامي في سوريا. كما أظهرت نسب عالية مطابقة تقريباً في كلا البلدين أن المعضلة الأساسية في المنطقة ككل منسوبة إلى "الميليشيات والجماعات المدعومة من قبل «الحرس الثوري» الإيراني".
بالإضافة إلى ذلك، تؤكد أحدث نتائج استطلاعات الرأي المتوفرة بأن «حزب الله» خسر معظم شعبيته في البلدان العربية الأخرى بنسب أعلى بكثير من تلك المسجّلة في دول الخليج. ففي مصر، وفقاً لاستطلاعين للرأي أشرفتُ عليهما بنفسي، الأول في أيلول/سبتمبر 2014 والثاني في أيلول/سبتمبر 2015، سجّلت غالبية ساحقة من الأصوات موقفاً سلبياً تجاه «حزب الله». وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة "زغبي" في أيلول/سبتمبر 2015، أن 96 بالمائة من المصريين قالوا إن الجماعات المدعومة من إيران على غرار «حزب الله» تضطلع بدور أساسي في اندلاع الحرب في سوريا وتشكل مشكلة كبيرة في إثارة التطرف الإقليمي الشامل. أما في الأردن، فتشير أحدث استطلاعات الرأي أن 86 في المائة من الأردنيين يحملون نظرة سلبية عن «حزب الله»، بالرغم من أن الأصوات المندّدة بالحزب هي أقل نسبة في الأردن مقارنة مع تلك المسجّلة في مصر، إلا أنها لا تزال تعكس آراء غالبية الشعب الأردني التي تعتبر تلك الجماعات لاسيما «حزب الله» سبباً رئيسياً في اندلاع الحرب في سوريا (بنسبة 74 في المائة) وتحريض المنظمات المتطرّفة على نطاق المنطقة ككل (بنسبة 64 في المائة).
بيد، هناك مجتمع عربي واحد هو المجتمع الفلسطيني حيث نلمس بالفعل انقساماً حقيقياً في الآراء الشعبية ومواقف السلطة الرسمية حيال «حزب الله». فالسلطة الفلسطينية تؤيد موقف «مجلس التعاون الخليجي» الذي يصنّف الحزب منظمة إرهابية، إلا أن حركة «حماس» لم تبدِ أي تعليق حول الموضوع. وعلى نحو متباين بوضوح، أظهر استطلاع للرأي أُجري في منتصف عام 2015 أنّ «حزب الله» يحظى بغالبية شعبية راسخة بين الجمهور الفلسطيني في السلطتين: 69 في المائة في الضفة الغربية و57 في المائة في غزة. وفي هذا الصدد، كما في غيره من استطلاعات الرأي، أصبح موقف الجمهور الفلسطيني يختلف الآن كثيرا عن موقف باقي الشعوب العربية في البلدان الأخرى، لاسيما دول الخليج.
وعلى صعيد تلك الجماهير العربية، كما يشير التحليل السابق، توحي الأدلة المتوفرة، مهما تعدّدت، بوضوح إلى أن هذه الشعوب تؤيد إلى حد كبير موقف حكوماتها المعادي، مؤخراً، لـ «حزب الله». والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما موقف السيد حسن نصر الله حيال هذا التغيير السلبي السريع في موقف الشعوب العربية تجاه «حزب الله» بعد مضي عقد واحد فقط؟ فها هو اليوم يُنعَت بـ "الإرهابي" بعد أن كان ذلك "البطل" في حربه على إسرائيل في عام 2006.