إسلام الراجحي- الخليج الجديد-
قبل 88 عاما، أسس «حسن البنا»، جماعة الإخوان المسلمين، لتكون بعد عدة عقود أكبر جماعة إسلامية في العالم. وسرعان ما انتقل فكر الإخوان، إلى دول الخليج، مع أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، إلا أنه بعد 88 عاما من تأسيس الجماعة، بات الموقف الخليجي من الجماعة متباينا بشكل كبير.
مثلت دولة الإمارات العربية المتحدة رأس الحربة الأكثر تشدداً ضد الإخوان، بينما تأتي السعودية تالياً بمخاوف تتعلق بالدرجة الأولى من فكرة انتقال أو تصدير الثورة، وفي الوقت الذي تتخذ فيه البحرين والكويت مواقفهما خلفا للسعودية في هذا الصدد، إلا أن كليهما يضمان كيانات قانونية للإخوان.
أما سلطنة عمان فهي الأكثر فتوراً في موقفها من الحرب على الإخوان، بينما تبنت قطر موقفا مساندا للإخوان بشكل كبير في أعقاب ثورات الربيع العربي.
السعودية
لم يتشكل كيان يحمل اسم الإخوان في المملكة، وإنما بدأ ظهور أفراد يعتنقون فكر الجماعة في أوائل الستينيات من القرن الماضي، تزامنا من خروج الإخوان من مصر في عهد الرئيس الأسبق «جمال عبد الناصر».
أسس الإخوان تيارا فكريا حظي بتواجد نسبي داخل المملكة وخاصة في المؤسسات التعليمية والإعلامية، منذ سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من تأثير التيار الفكري للإخوان بالمملكة، إلا أن العلاقات توترت بين النظام السعودي والإخوان، خلال حرب الخليج الثانية.
ومرت العلاقة بين السعودية وجماعة الإخوان بموجات من المد والجزر وصولا إلى 7 مارس/آذار 2014، حيث أدرجت المملكة، جماعة الإخوان المسلمين، على قائمة «الجماعات الإرهابية». وفي أكتوبر/ تشرين الأول من ذات العام، قال مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ «عبدالعزيز آل الشيخ» أن الجماعات «المتشددة» المتمثلة في «تنظيم الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» و«الإخوان المسلمين» في ضلال ولا تمت للإسلام بصلة.
وفي أعقاب وصول الملك سلمان إلى السلطة مطلع العام الماضي، بدا أن المملكة في طريقها لاتخاذ مواقف أقل حدة تجاه الجماعة. في فبراير/شباط 2015، نقلت الكاتبة الصحفية السعودية «سمر المقرن» في صحيفة «الجزيرة» السعودية، عن وزير الخارجية السعودي السابق «سعود الفيصل»، قوله إنه لا توجد بين المملكة وجماعة الإخوان المسلمين أزمة، إلا من يطلقون على أنفسهم أن «في رقبتهم بيعة للمرشد».
في السياق ذاته، قال عضو مجلس الشورى السعودي السابق، والمقرب من العائلة المالكة السعودية، «أحمد التويجري»، في مقابلة تلفزيونية له مع قناة «روتانا خليجية»، إنه «من غير المعقول الإشارة إلى جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية».
وفي يوليو/ تموز من العام ذاته، قال الإعلامي السعودي مدير عام قناة «العرب» الفضائية والمقرب من دوائر صنع القرار بالمملكة «جمال خاشقجى» إن «السعودية لم تعد ترى الإخوان تنظيما إرهابيا في اليمن وسوريا وحتى بمصر».
حديث «خاشفجي»، جاء بعد أن لمس مراقبون، أن الملك «سلمان بن عبد العزيز» بات على علاقة ودودة بالإخوان أكثر من سلفه الراحل الملك «عبد الله بن عبد العزيز»، الذي دعم الانقلاب على «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في مصر، والمنتمي لجماعة الإخوان.
وتزامنا مع التحضير لعملية «عاصفة الحزم»، التي قادتها السعودية في اليمن، قام وفد قيادي من «التجمع اليمني للإصلاح» الممثل لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، بزيارة للمملكة، وهو ما اعتبر مؤشرا حاسما على تغير استراتيجية الرياض في التعاطي مع الجماعة، على الأقل في اليمن. كما شهدت عملية «عاصفة الحزم»، ومن بعدها «إعادة الأمل»، تنسيقا بين السعودية و«التجمع اليمني»، أدي لتعيين «نايف البكري»، القيادي بـ«التجمع» في منصب محافظ تعز، قبل أن يتم إبعاده عن منصبه، وتعيينه وزيرا للشباب، بسبب اعتراضات إماراتية.
وعلى الرغم من هذا التحسن النسبي، إلا أن مواقف المملكة يبدو أنها تحمل الكثير من المؤشرات المتناقضة. على سبيل المثال، أصدرت وزارة التعليم السعودية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعميما على جميع الإدارات التعليمية التابعة لها بسحب نحو 80 كتابا من مكتبات ومراكز مصادر التعلم في المدارس لعدد من المؤلفين، مثل «سيد قطب» و«حسن البنا» و«يوسف القرضاوي».
الإمارات
تعد من أشد المعارضين للإخوان المسلمين، رغم أن «جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي»، التي كانت تحمل فكر الجماعة، تأسست بالإمارات في نهاية الستينيات وعملت بشكل رسمي في معظم الإمارات.
وشارك الإخوان الإماراتيون في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية والخيرية، كما كان للإخوان المسلمون على علاقة جيدة مع الحكومة، وكانوا يحظون بدعم جيد لأعمالهم، حتى أن مؤسس جمعية «الإصلاح» شارك في أول حكومة إماراتية مستقلة عام 1971 وهو الشيخ «سعيد العبد الله سلمان» الذي شغل منصب وزير الإسكان، كما تم تعيين «محمد عبدالرحمن البكر» وزيرا للعدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في عام 1977 ليصبح ثاني عضو من جمعية «الإصلاح» يعين في منصب وزاري.
إلا أنه مع تزايد نفوذ الجماعة، أفقيا في الشارع، ورأسيا في المناصب القيادية بالدولة، فقد دفع ذلك السلطة إلى الخوف من سيطرة أكبر للإخوان على المجال السياسي، فاتخذت الحكومة قرارا بسحقهم قبل أن يصل تأثيرهم السياسي إلى المستوى المؤسسي.
وفي 1994، اتهمت الجمعية بدعم «الإرهاب في مصر»، وتم تجميد عمل الجمعية وحل مجالس إدارتها، رغم أن الجمعية قد ظلت مستقرة تحت حماية حاكم متعاطف معها هو الشيخ «صقر القاسمي» حاكم إمارة رأس الخيمة، الذي رفض حل جمعية «الإصلاح»، لأنه رأى أنها قد لعبت دورا للحفاظ على الشباب.
في نهاية المطاف، هيمنت السياسة العامة للحكومة، وتم اعتقال الشيخ «سلطان بن كايد القاسمي» ابن عم حاكم الإمارة، وزعيم دعوة الإصلاح فيها في حملة عام 2012، وآخرين، واتهموهم بمحاولة الاستيلاء على الحكم، وصدرت ضدهم أحكام متفاوتة في 2013.
وكانت الإمارات أشد المؤيدين للانقلاب على «مرسي»، المنتمي للجماعة، في مصر، وقدمت دعما ماليا وسياسيا كبيرا، كما تقود حملة كبيرة للقضاء على تنظيم الإخوان داخل البلاد وخارجها.
عُمان
ترجع بداية جماعة الإخوان المسلمين في سلطنة عمان، إلى نهاية السبعينيات، قبل أن يتكون تنظيم أكثر دقة وإحكاما في 1988، تجاوزت به الجماعة مرحلة تأسيس الحالة الفكرية، قبل أن يتم تحديد لائحة للتنظيم.
إلا أنه مع تزايد نفوذ الجماعة، في الحياة العامة، والسياسية، اعتقلت السلطات العمانية في 1994، أكثر من 120 من المنتمين للجماعة، من بينهم سفير سابق لدى الولايات المتحدة، وقائد سابق لسلاح الجو، واثنين من وكلاء الوزراء في الحكومة، وصدرت بحقهم أحكام تراوحت بين سنتين والسجن المؤبد للمدنيين، والإعدام للعسكريين، بتهمة تكوين تنظيم سري مناهض للدولة.
و في 1995، أصدر السلطان «قابوس بن سعيد» بالعفو عن هذه القيادات، ليستقر الحال بالجماعة للتحول إلى تيار فكري، ليس له وجود رسمي.
البحرين
كانت البحرين من أوائل الدول الخليجية التي تأثرت بفكر الإخوان المسلمين، حيث بدأ عمل الجماعة فيها عام 1941، تحت مسمى «نادي الطلبة»، قبل أن تتحول إلى جمعية «الإصلاح»، ثم «المنبر الوطني الإسلامي»، الذي لا يزال يعمل طبقا للقانون البحريني كجمعية أهلية قانونية. وتمكن «المنبر الوطني» من الفوز بسبعة مقاعد نيابية عام 2002، ومثلها في 2006 من ضمن 40 مقعدا، كما أن له عدد من الأعضاء في البرلمان الحالي.
كون الإخوان مع السلفيين تجمعا للوحدة الوطنية عام 2011، لدعم استقرار البحرين واستمرار حكم «آل خليفة»، في مواجهة الاحتجاجات التي نظمتها المعارضة الشيعية في البلاد.
إلا أنه، ومنذ إعلان السعودية الإخوان كمنظمة إرهابية، تتخبّط البحرين للتوفيق بين دور جماعة الإخوان المحلية التي تدعم الملَكية، في مواجهة ما يعتبره النظام معارضة شيعية تخلّ بالاستقرار في البلاد، وبين دور التنظيم الإقليمي.
وزير الخارجية البحريني «خالد بن أحمد آل خليفة» أعلن صراحة، أن البحرين لا تعتبر المنبر الوطني الإسلامي، تنظيما إرهابيا، لأن الإخوان في البحرين ملتزمون بقانون الدولة ولم يرتكبوا ما يعتبر تهديدا لأمن البحرين. وهو بهذا التصريح الذي حرص فيه على إعلان تفهمه للقرار السعودي، يقدم صيغة جديدة تتجاوز القرار المتفق عليه مع السعودية والإمارات الذي يعتبر الإخوان تنظيما إرهابيا بالمطلق وبدون استثناءات. حيث إنه ميز بين الإخوان المسلمين كحركة عالمية، والحركات المحلية ومن بينها المنبر الإسلامي داخل البحرين.
قطر
تأسست حركة الإخوان في قطر، مع سفر قيادات الجماعة من مصر، في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أنها لم تؤسس جماعة بالشكل التنظيمي في البداية، قبل أن تبدأ في وقت لاحق في تشكيل تنظيم خاص بها في البلاد، لكن سرعان ما أعلن عن حل ذاته في 1999 واندماج أفراده في مؤسسات المجتمع المدني القائمة.
عقب الانقلاب العسكري في مصر، استقبلت قطر، الآلاف من قيادات وأفراد الجماعة، كما تبنت قناة «الجزيرة» القطرية، خطابا مضادا للانقلاب العسكري، وداعما لشرعية «مرسي»، والإخوان.
تعرضت قطر لضغوط كبيرة من أجل تخفيف دعمها للإخوان، وتزامنا مع قبول قطر المصالحة مع مصر، عقب أزمة سحب السفراء الخليجيين، قال الشيخ «محمد بن عبد الرحمن آل ثاني»، الذي كان يشغل وقتها مساعد وزير الخارجية القطري للتعاون الدولي، أنّ «دولة قطر كانت وما زالت تتبع سياسة الباب المفتوح، ومرحبة بجميع الضيوف»، واستدرك بالقول: «ولكن في حال ممارسة العمل السياسي، فإن أنظمة الدولة لا تسمح بذلك»، في إشارة منه لمنع قيادات الإخوان المصريين الموجودين على الأراضي القطرية من العمل السياسي على أراضيها.
ونوه إلى أنّ «الإخوة المعارضين الذين تستضيفهم قطر مرحب بهم طالما لا يمارسون العمل السياسي، وإن أرادوا العمل السياسي فلهم الخيار»، في إشارة منه إلى إمكانية مغادرتهم إلى دول أخرى غير قطر.
الكويت
بدأ ظهور تيار الإخوان الفكري في الكويت عام 1952 باسم جمعية «الإرشاد الإسلامية»، كجمعية دينية لا تتدخل في السياسة.
وفي نهاية الخمسينات، فرضت الكويت، إجراءات قاسية تجاه الأندية والجمعيات الثقافية، رافقها فرض حظر على الصحافة المحلية، إثر حملة الانتقادات التي تعرضت لها السلطات الحاكمة من التنظيمات السياسية القومية في الكويت، فأصدرت السلطات الكويتية قرارا بغلق جميع الأندية والجمعيات الكويتية، بما فيها جمعية الإرشاد الإسلامية، واستمر هذا الوضع حتى استقلال الكويت عام 1961.
وشهدت الكويت بعد استقلالها، نوعاً من الانفراج السياسي الداخلي. اجتمع ثلاثون شخصا من المنتمين إلى تنظم الإخوان عام 1963، وأسسوا جمعية جديدة باسم «جمعية الإصلاح الاجتماعي»، التي أصبح واضحاً أنها كانت امتداد طبيعياً لجمعية «الإرشاد الإسلامية».
كما تشكلت بعد تحرير الكويت، حركة سياسية باسم «الدستورية الإسلامية- حدس»، في 1991، وشاركت أكثر من مرة في انتخابات البرلمان، ومن ثم في الوزارة.
ولتيار الإخوان دورا كبيرا في الحياة الطلابية، حتى أن «القائمة الائتلافية»، المحسوبة على جماعة «الإخوان المسلمين»، تفوز سنويا منذ أكثر من 35 عاما بمقاعد الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الجامعة.
ولكن التطورات التي شهدتها المنطقة مؤخرا، والحملة التي شنتها السعودية ضد جماعة الإخوان قد ألقت بظلالها على البرلمان، الذي يناقش الآن اقتراحا من النائب «نبيل الفضل» بشأن تجريم بعض الجماعات من بينها الإخوان المسلمين، واعتبارها جماعة إرهابية.
اليمن
بدأ نشاط الإخوان كفكرة في اليمن في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، في وقت لم يكن للتيار الإسلامي وجود منظم، حيث اكتفى الإخوان بالعمل من خلال الواجهات الموجودة على الساحة، من خلال «الجمعية الإسلامية» ثم «الرابطة».
وفي عام 1990، تأسس حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، وفى حين ينفى دائما علاقته بتنظيم الإخوان، يؤكد مراقبون على وجود هذه العلاقة.
وقد نجح «تجمع الإصلاح» في الانتقال من المعارضة إلى السلطة بعد فوزه بأغلبية نيابية في الانتخابات البرلمانية منذ 1993 وحتى 2006، ثم تحول للمعارضة، وظل مشاركا في الحكومة، حتى الثورة اليمنية في 2011.
وشارك التجمع بدور فاعل في الثورة التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح».
وعقب الانقلاب الذي قادته جماعة «الحوثي»، بالتعاون مع قوات تابعة للرئيس اليمني المخلوع «علي صالح»، شكل الإخوان كتائب للمقاومة الشعبية، تقاتل حاليا بجانب الجيش اليمني التابع للرئيس «عبد ربه منصور هادي»، وقوات التحالف العربي الذي تقودها السعودية.