محمد عبّود - الخليج أونلاين-
أظهر الكشف عن صناعات عسكرية محلية في السعودية وقطر والإمارات، توجهاً متنامياً لتوطين هذا القطاع الاستراتيجي في الخليج العربي، وإن بصورة جزئية، في مؤشر واضح على عزم الدول الخليجية على خوض ميدان التسلح من أوسع أبوابه.
وما إن أعلنت المملكة العربية السعودية طرْقها مجال الصناعات العسكرية في معرض الصناعات العسكرية الذي أقيم في الرياض قبل أسابيع، حتى انضمت قطر إلى هذا القطاع، عبر معرض الدوحة الدولي للدفاع البحري، المنعقد حالياً، الذي أعلن فيه رسمياً عن منتجات عسكرية قطرية، وهو ما أشار إلى بداية عصر خليجي يتجه نحو الاكتفاء الذاتي العسكري بثبات.
اللواء الركن طيار غانم بن شاهين الغانم، رئيس أركان القوات المسلحة القطرية أكد إيمان قطر بالتطوير وصولاً للاكتفاء الذاتي، والاستقلالية في الصناعات الدفاعية، حسب ما صرح به في جولته بمعرض الدوحة الدولي للدفاع البحري "ديمدكس 2016".
ولمجابهة الأخطار والتحديات الإقليمية والدولية، بذلت الرياض جهوداً كبيرةً في تطوير قدرات جيشها وتحويله إلى مؤسسة حديثة قادرة على التصدي لأي عدوان، سواء كان عدواناً مباشراً من قِبل تنظيمات متطرفة، أو غير مباشر.
وفي عام 1982، أنشأت الرياض، الهيئة العامة للصناعات الحربية، بهدف إنتاج أسلحة وذخائر، ثم تطور المجمع ليضم خمسة مصانع للأسلحة والمعدات الحربية، وصولاً إلى إنتاج أسلحة خفيفة ومتوسطة بذخائرها، وتجميع وتطوير دبابة ليوبارد بالتعاون مع ألمانيا، وتجميع قطع غيار وهياكل الطائرات بالتعاون مع شركة بوينغ الأمريكية، فضلاً عن إنتاج أجهزة الاتصالات.
الإمارات سعت كذلك إلى ترسيخ مفهوم السيادة الوطنية عبر توفير احتياجاتها المطلوبة لقواتها المسلحة، فحرصت على توفير هامش من المناورات بما يؤهلها للاستقلال السياسي والتخطيط الاستراتيجي الحر، دون التبعية لدول أخرى، فاكتسب التصنيع العسكري الإماراتي تطوراً بالغ الأهمية، دفعها إلى وضع خطة استراتيجية لبناء قاعدة صناعات عسكرية في مختلف المجالات، وفق ما ذكره اللواء عبيد الحيري سالم الكتبي المتحدث الرسمي باسم المعرض الدولي "آيدكس" في 2013.
ويعكس الإصرار الخليجي على التطور الصناعي العسكري قبول التحدي والمغامرة إقليمياً ودولياً، فضلاً عن كون الصناعة العسكرية الخليجية باتت مطلباً حيوياً تقتضيه المتغيرات الدولية والتطورات الإقليمية.
كذلك، فإن العائد الاقتصادي المادي يعتبر غاية استراتيجية حرصت دول الخليج على الاستفادة منها، فكانت المعارض الخليجية العسكرية أحد البوابات المهمة للتعريف بالمنتج الخليجي، فشهد إقبالاً عالمياً غير مسبوق تتبارى فيه كبريات الشركات العالمية في المجال العسكري لعرض منتجاتها من خلاله.
واكتسبت الشركات الخليجية ثقة الشركات العالمية الشريكة، إذ عقدت العديد من الصفقات التجارية والشراكات الاستثمارية في مجال التصنيع العسكري، لبناء سفن صواريخ وتطوير وتحديث ناقلات للجنود وتحويلها إلى زوارق قتالية وزوارق مدفعية، مثلما حدث مع شركة أبوظبي لبناء السفن في عام 2009.
ومشاركة كبرى الشركات العالمية في المجال العسكري بمعرض ديمدكس بالدوحة دفع العديد من الشركات إلى الاستعداد لتبادل الخبرات مع المصانع الخليجية، والاستفادة من تطور التقنية في المجال العسكري، والتعرف على قدرات دول الخليج ومدى تطورها، ما يولّد فرصة قوية لشراكات متنوعة تضمن مصالح جميع الأطراف.
ولا يعني التقدم في الصناعات العسكرية بالضرورة تبني دول الخليج سياسات عدوانية تجاه الآخرين، أو خضوع القرارات السياسية للآلة العسكرية، وإنما يستفاد من هذا التقدم الملحوظ في تعزيز القرار السياسي، وليس أدل على ذلك من وجود العديد من الدول التي تمتلك قدرات تصنيعية عسكرية هائلة، في حين تنتهج سياسات سلمية واضحة وتحرص على ترسيخ الأمن والاستقرار العالمي، حسبما يرى محللون.
كذلك؛ يعزز التطور النوعي في الصناعات العسكرية الخليجية رغبة الدول في التحرر ورفض التبعية، أياً كان شكلها، سواء في هذا المجال، أو في القرار السياسي، ولتصبح العلاقات الدولية قائمة على الندية والتفوق النوعي بين الشركاء المحليين أو الإقليميين أو على الصعيد العالمي.
تخاذل واشنطن مراراً عن الانخراط الجاد في وضع حلول للعديد من الأزمات الإقليمية، وانكفاؤها إلى الشأن الداخلي تدريجياً، كان سبباً قوياً لتبني دول الخليج مسار التصنيع العسكري والاستثمار في المشاريع الصناعية المحلية، بحيث تعتمد على نفسها لحماية مصالحها، دون الإضرار بمصالح الآخرين في المنطقة.
وبناء على ذلك، فقد قامت كل من الرياض وأبوظبي، من خلال ما يُسمى بعقود "أوفسيت"، التي تجبر المزودين الأجانب على الاستثمار في المشاريع الصناعية المحلية، حتى يتسنى لهم تجنب مزيد من التكاليف الباهظة، ومن ثم سينعكس كذلك على تزويد العاملين من المواطنين بمزيد من الخبرة المعرفية المتطورة.
التحرك المدروس من قبل قادة الخليج دفع مجلة فورين أوفيرز الأمريكية إلى القول إن السعودية والإمارات بصدد وضع نهاية لمسلسل من الإخفاقات العربية في مجال توطين الصناعات العسكرية على نحو شامل ومستديم، مشيرةً إلى أن المحاولات الجادة التي قامت بها الدول العربية منذ منتصف القرن العشرين على صعيد الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات العسكرية، كانت سبباً قوياً في الاقتراب من "الحلم العربي" بتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال العسكري.