د. حسن عبدالله عباس - الراي الكويتية-
سأحاول أن أفهم هذه الكلمة التي تتردد على مسامعنا ليل نهار. آخر من قالها النائب الطريجي ونقلت عنه احدى الصحف يوم السبت، «إن دول الخليج شعبها واحد وحكامها متحدون ورابطة الدم والدين تجمعنا والمصير المشترك يوحدنا،» ومَن شَذّ شَذّ في النار، «غير مأسوف عليه»... فماذا تعني؟
دعونا نترك المجاملات ونتحقق من صدقية هذا الكلام، أين هذا المصير المشترك؟ في أي زاوية من زوايا علاقاتنا الخليجية تحقق هذا المصير المشترك؟
بالبداية، جميعنا يعلم أن الانظمة السياسية لدول الخليج مختلفة تماماً عن بعضها. ففيها الملكية وفيها الامارة وفيها الدستورية، فتقريباً كل دولة يحكمها نظام سياسي مختلف تماماً عن أختها.
الفكرة بالأساس تعود إلى الشيخ الراحل جابر الاحمد عندما طرحها على رئيس الإمارات السابق الشيخ زايد رحمهما الله في العام 1976. بعد خمس سنوات وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران أخذت الفكرة تحظى بجدية أكثر وحماسة كبيرة لدى قادة الخليج، فتأسس المجلس في مايو 1981.
اللافت أن مجلس التعاون الخليجي يهدف إلى «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دوله في جميع الميادين وصولاً الى وحدتها» (المنطلقات والأهداف، الأمانة العامة للمجلس)، لكنه وكما نعلم لم يُوفق إلا إلى تشكيل «درع الجزيرة»، واخيراً توصل إلى قرار حاسم لاستخدام البطاقة المدنية للتنقل بحرية لمواطني الدول الاعضاء.
أما غير ذلك، فالحقائق على الارض تقول ان كل شيء وارد إلا «المصير المشترك». ففي الوقت الذي تعمل أنظمتنا الأمنية الخليجية بفاعلية، أنظمتنا القضائية مختلفة ومشتتة. فأحكام القضاء تعمل بمفردها وفي شكل منفرد ولا تستطيع أن تبتعد أكثر من حدودها الجغرافية. كما أن الأنظمة الاقتصادية شَرَق وَرَق. فالإمارات تحتفل قريبا بتصدير آخر برميل، في حين أن البرميل يمثل نسبة عالية من موازنات الكويت وقطر والسعودية. أما بعض الدول، فالمساعدات تصب في الخزانة العامة من بقية دول الخليج. فالتداخل الاقتصادي الخليجي المأمول لم يحصل أبداً. فلا تزال القوانين لا تشجع للتنقل بحرية في التجارة البينية على مستوى القطاع الخاص وخصوصاً صغار المستثمرين.
وطبعاً لا حاجة لنذكر أن العقائد الدينية متنوعة، بحيث تجعل العيش في بعض البلدان أفضل بكثير من أخرى، لأن التعامل مع الاقليات الدينية متفاوتة بينها لدرجة كبيرة. والأكثر من ذلك، أن أهم الخليج هو بنفسه غير مرتاح من نفسه. فقبل أشهر كانت العلاقات مقطوعة بين ثلاث دول خليجية وقطر. كما أن طبيعة العلاقات في ما بينها وبين إيران تحديدا الدولة الأكبر في المنطقة مختلفة تماماً، فمنها المقطوعة ومنها المعتدلة، كالكويت والإمارات، ومنها الممتازة كعُمان. ولو نظرنا إلى قرارات هذه الدول بالنسبة لملفات المنطقة كاليمن وسورية لوجدتها «سلطة سيزار»!
فبعد نصف قرن لا توجد عملة واحدة، ولا تداخل اقتصادي، ولا اتفاق أو تفاهم على الانتاج النفطي للآبار المشتركة، ونظرات متباينة للملفات الدولية، واختلاف في أنظمة الحكم وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وخلافات وزعل في ما بينها بين الحين والآخر، ثم يقول لنا الطريجي أن «المصير مشترك»!