شؤون خليجية-
تعاني مجتمعات الخليج من انتشار الفساد وغياب الشفافية والرقابة الذاتية بشكل كبير وفقًا لمراقبين، الذين يربطون بين الطفرة النفطية، والتنمية المتسارعة وهشاشة المؤسسات الرقابية وبين هذا الواقع في الخليج، مشيرين إلى أن الفساد الإداري واستغلال النفوذ، والرشاوى هي أهم مظاهر الفساد خليجيًا .
وعلى الرغم من التأكيد على انتشار الفساد وغياب الشفافية، إلا أن هذا لم يمنع دول الخليج العربي من بذل دور لمواجهة تلك الآفات، دفع بعضها لتصدر مؤشر الشفافية في العالم العربي، حيث تصدرت قطر الدول العربية في تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية حول مكافحة الفساد الإداري في العالم للعام 2015، إذ احتلت المرتبة 22 عالميًا، تلتها الإمارات، وتحسن ترتيب عدد من دول الخليج الأخرى، وأبرزها المملكة.
وجاء التقدم في التصنيفات الدولية حول مكافحة الفساد، مترافقًا مع المزيد من التأكيدات بأنه يحتاج للمزيد من الجهد، في ظل قوانين وتشريعات ونظم قضائية لا تتمتع بالاستقلال خليجيًا، وفقًا لمحامي الفساد في الأمم المتحدة، النائب العام القطري أحمد بن فطيس المري.
فيما صنفت نفس المنظمة نوفمبر الماضي، عددًا من دول الخليج وعلى رأسها الكويت ضمن فئة "الخطورة الحرجة" فيما يتعلق بانعدام الشفافية، وما ينتج عن ذلك من فساد حكومي في الصفقات الكبيرة، خاصة صفقات التسليح.
قطر حاربت الفساد بنظام قضائي مستقل
وكان محامي الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، النائب العام القطري أحمد بن فطيس المري، قد أكد أن حصوله على منصبه الأممي في محاربة الفساد يعود للتميز القطري في هذا المجال، مضيفًا: إن "الأمم المتحدة اختارت شخصًا ينتمي إلى دولة تحارب الفساد".
وأكد المري أن ما ساهم في التقدم القطري الكبير في مجال محاربة الفساد، أنها خلقت نظامًا قضائيًا مستقلًا عن السلطة التنفيذية، مضيفًا: "أتحدى أي شخص يثبت تدخل أحد في سلطات النائب العام أو رئيس المجلس الأعلى للقضاء في قطر".
وربط المري بين الفساد والديكتاتوريات، مستشهدًا بأن الدول الأقل فسادًا في العالم كالدول الإسكندنافية هي الأكثر استقرارًا، بينما الدول الأكثر فسادًا هي الأقل استقرارًا.
ولفت محامي الأمم المتحدة الخاص لمحاربة الفساد، إلى أن اهتمام المنظمة الدولية بمكافحة الفساد من خلال ملفين هما: "استرداد الأموال المنهوبة، وقضايا استراتيجية مثل محاولة دمج مبادئ الأمم المتحدة في محاربة الفساد بمناهج التعليم، لإخراج جيل قادر على محاربة الفساد".
وقال المري إن العالم العربي كله يعاني من مشاكل بملفات الفساد، معتبرًا أن الحل لمواجهة تلك المشاكل هو عبر ضغط الشعوب على الحكومات، وهو ما سيدفعها إلى معالجة ذلك.
الخليج والفساد.. مكافحة وعوائق
وحول دور دول الخليج في مساندة الفساد، خاصة من خلال استقبالها للأموال المنهوبة، قال: إن "الدول الحاضنة للأموال المنهوبة لا تريد أن تدلي بأي معلومة عن هذه الأموال"، مطالبًا بتشريع دولي لإلزام هذه الدول بتقديم المعلومات اللازمة، مضيفًا أن: "الدول صاحبة الشأن لم تقم بإعداد فرق تتعامل مع الدول الحاضنة للأموال من أجل استردادها".
وكشف تقرير مكافحة الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية نهاية يناير الماضي، تقدمًا كبيرًا لدول الخليج العربي وخاصة دول الخليج، عن الأعوام السابقة، حيث تصدرت قطر دول الخليج باحتلالها المرتبة الـ22، تلتها الإمارات بالمرتبة الـ23 والسعودية بالمرتبة الـ48 والبحرين بالمرتبة الـ50.
وتشير تقارير محلية خليجية إلى تأكيدات الموطنين الخليجيين أنفسهم على انتشار الفساد، ففي المملكة العربية السعودية كشفت درستها نشرتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) نهاية 2014، أن 67.8 في المئة من السعوديين يرون أن الفساد المالي والإداري منتشر في المملكة، فيما رأى 30.3 في المئة أن الفساد محدود. وقال أقل من 2 في المئة إن الفساد غير موجود.
فيما أشارت دراسة خاصة بمنتدى الرياض الاقتصادي حملت عنوان ''الفساد الإداري والمالي.. الواقع والآثار وسبل الحد منه'' إلى أن درجات انتشار الفساد المالي والإداري تتمحور حول الواسطة بنسبة 92.1 في المائة، و80.8 في المائة في إساءة استخدام النفوذ.
وفي نوفمبر الماضي، صنفت منظمة الشفافية الدولية الكويت ودولًا عربية ضمن فئة "الخطورة الحرجة"، وذلك في ما يتعلق بانعدام الشفافية، وما يستتبع ذلك من شُبهات فساد حكومي في صفقات شراء الأسلحة والمعدات الدفاعية.
وقالت المنظمة في تقريرها إن الكويت بين الدول الشرق أوسطية التي "لا توجد فيها محاسبة أو شفافية كافية على صعيد المؤسسات الدفاعية والأمنية".
وفي الوقت الذي وضعت فيه الكويت في قاع الشفافية الدفاعية على المستوى الإقليمي، حيث مُنحت الكويت التصنيف "F"، الذي يعني أن صفقات شراء الأسلحة مشوبة بـأقصى درجات مخاطر الفساد، بينما حلّت السعودية والإمارات ولبنان والأردن وإيران في الفئة "E" التي تعني أن تلك الشبهات "مرتفعة جداً".
قصور التشريعات وهيمنة السلطات
ويعد الفساد المنتشر في الخليج والوطن العربي وفقًا لمراقبون، جزءًا من الفساد السياسي، الذي يٌعرف بكون فساد طبقة الساسة والحكام وقادة الأحزاب وأعضاء الحكومة (النخب الحاكمة)- أياً كان موقعهم أو انتماءاتهم السياسية- حين يقومون بالتواطؤ باستغلال النفوذ السياسي لتوجيه القرارات والسياسات والتشريعات؛ لتحقيق مصالح خاصة بهذه الطبقة، أو أحد أطرافها أو الموالين لها، والإثراء غير المشروع من السلطة، أو الحصول على أموال غير قانونية لزيادة النفوذ المالي والاجتماعي، أو لتمويل حملاتهم الانتخابية وغيرها من الممارسات التي تتجاوز الشفافية.
واعتبر كتاب "الفساد السياسي في الوطن العربي" والمطبوع عام 2014، أن بيئة الفساد في العالم العربي لم ترتبط بأشخاص محددين، ولكنها ارتبطت بجماعة أو شريحة كالحزب أو العائلة أو الطائفة، مضيفًا أنه ناتج عن عدم مساءلة أو محاسبة المسؤولين عنها؛ بسبب ضعف السلطتين التشريعية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني.
وحاول الكتاب إبراز مظاهر وأسباب الفساد في الوطن العربي، مشيرًا إلى أن السيطرة على السلطات أصبحت بديلًا عن الفصل بين السلطات، وأن هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات (التشريعية والقضائية) في هذه الدول، أتاحت للسلطة الحاكمة الاحتكار والتفرد باتخاذ القرار، وسمحت بـ"اختطاف الدولة"؟
وأضاف أن السلطة التنفيذية أصبحت تعمل- حسب الكتاب- دون قيود أو محددات أو ضوابط فعالة، ودون إلزام قانوني بالعمل بشفافية كاملة، على عدة أصعدة مالية وإدارية، مع ضعف فعالية منظومة المساءلة الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى نقص شديد في قيم النزاهة التقليدية.
وتابع ناقلًا عوامل انتشار الفساد في العالم العربي، قائلًا: إن مُعظم الدول العربية لا تتوفر على تشريع خاص وشامل يمنع تضارب المصالح لدى شاغلي الوظائف العليا، إذ يمكن الجمع بين وظيفة أو خدمة عامّة في إحدى مؤسسات الدولة، ومصلحة مباشرة أو غيرِ مباشرة في شركة من شركات القطاع الخاص، واعتبر الكتاب ذلك "أمرًا شائعًا".
وواصل قائلًا: إن "عدم اعتماد مبدأ إفصاح المسؤولين عن ممتلكاتهم عزز قدرتهم على الانتفاع بالسلطة، وأتاح لهم التجارة بالنفوذ"، مضيفًا أنه "رغم وجود نصوص قانونية صريحة تتعلق بالإفصاح عن الممتلكات، فإن هذه المنظومة غير فاعلة في التطبيق".
أما عن وضع الشفافية في العالم العربي، فقد قال الكتاب: إن الإرادة السياسية لإقرار هذا الحق وتفعيله غير متوافرة، مضيفًا: "المعلومات والسجلات العامة محتكرة من قبل المسؤولين وممنوعة من العامة"، وإنه ما زالت أغلبية الأقطار المعنية "تفتقر" إلى قانون ينظم هذا الحق، ولم تعرف مجتمعاتها مبدأ السجلات العامة المفتوحة، بل إن التشريعات تقيد المعلومات متذرعة بعدة ذرائع، مثل حماية الأمن القومي.
وأشار الكتاب إلى إجراءات تعيين أصحاب المناصب العليا في الدول العربية، معتبرًا إياها من أبرز النماذج التي تبرز غياب إجراءات شفافة ونزيهة في تعيينهم.