محمود الريماوي- الخليج الاماراتية-
طهران تعرب للكويت عن رغبتها بإجراء حوار إيراني- خليجي. هذا ما أفصحت عنه قيادات خليجية خلال الأسابيع الماضيين. وقد نشطت اتصالات على مستويات رفيعة بين عواصم خليجية لتدارس هذا الأمر. ورغم أن الدعوة للحوار ليست جديدة بحد ذاتها، إلا أنها تأخذ هذه المرة كما يبدو طابعاً رسمياً يعكس توجه الدولة الإيرانية.
ومن جهته فقد دأب الرئيس حسن روحاني بين أوان وآخر على الإعراب عن رغبة بلاده بتحسين العلاقات مع العالم العربي ودول الخليج وبالذات مع المملكة العربية السعودية.
يجدر بالتنويه ابتداء أن قنوات دبلوماسية ما زالت قائمة بين طهران وعدد من العواصم الخليجية، وحتى قبيل الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وعلى القنصلية السعودية في مشهد، فإن القنوات الدبلوماسية كانت سالكة بين طهران وكل من الرياض والمنامة.
ومن ناحية عملية فإن إجراء مباحثات خليجية - إيرانية أمر متاح، ويسهل تصور حدوثه كما لا يُستغرب حدوثه في أي مكان، وقد كان هذا هو الحال بين طهران والعواصم الخليجية منذ نحو ثلاثة عقود، ففي ذروة الحرب الإيرانية- العراقية فقد ظلت العلاقات الدبلوماسية قائمة بين الجانبين. إذن، فإن الأصل في العلاقات الخليجية الإيرانية هو التواصل لا القطيعة، مهما تباعدت الرؤى والمواقف السياسية، وكما كان عليه الحال خلال حرب السنوات التسع بين بغداد وطهران.
غير أن المسألة الآن لا تتعلق بمبدأ إجراء مباحثات أو بالتئام مائدة حوار، بل تتصل بوقائع على الأرض تراها الدول الخليجية ومعها أغلبية الدول العربية، وقائع صادمة، تكشف عن نزعة تدخلية وتوسعية لدى الجانب الإيراني. وعليه فقد ارتفعت أصوات خليجية في الأسابيع الأخيرة تدعو طهران بصريح العبارة إلى إعادة النظر في سياساتها حيال المنطقة العربية، فإذا ما وقعت مراجعة لهذه السياسات وعلى نحو تكف فيه طهران عن التدخل في الشؤون الداخلية العربية، فإن الباب سيكون مفتوحاً ساعتها لحوار مثمر يؤسس لإقامة مختلف أشكال التعاون.
على أن طهران ليست في وارد إعادة النظر في سياساتها هذه، وتعتبر مواطئ الأقدام التي بلغتها على الأرض العربية مكاسب تستحق التشبث بها وأمراً واقعاً يستحق تكريسه وتعظيمه والبناء عليه!. ومن المهم في هذا الإطار ملاحظة خصوصية الدولة الإيرانية. فبينما تجنح رئاسة الجمهورية والفريق الإصلاحي من النواب، وقد حقق هؤلاء أغلبية بسيطة في الانتخابات الأخيرة، إلى إقامة علاقات يسودها الاحترام المتبادل وتحتكم إلى المنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فإن المستوى الآخر من الحكم والذي يمسك بالسلطة الفعلية ما زال مقيماً على أفكار تصدير الثورة وبناء مناطق نفوذ في عمق العالم العربي، وهذا المستوى مُمثلاً بالمرشد وقيادة الحرس الثوري التي تسيطر على الإعلام وعلى القضاء. وسبق للرئيس روحاني أن أطلق قبل أسابيع تصريحاً لافتاً قال فيه: «تعبنا من التوتر مع العالم، نريد السلام والتعاون مع الجميع». وخلال ذلك سعت وزارة الخارجية الإيرانية لأن تتخذ موقفاً وسطاً بين الاتجاهين، لكن نفوذ المرشد امتد في السنوات الأخيرة إلى الدبلوماسية الإيرانية التي أصبحت تخضع مباشرة إلى المرشد، وهو ما يفسر حال التشدد الذي بات يسم الدبلوماسية الإيرانية حيال العالم العربي.
إن الاتجاه إلى عسكرة السياسة الخارجية وزيادة الإنفاق على المجالات العسكرية، هو ما يسم توجه الحكام الفعليين للجمهورية الإسلامية، وهؤلاء لا يرون في العرب وأرض العرب جيراناً لهم وبلاداً مستقلة مجاورة، بل يرون فيها مجرد مجال حيوي للتحرك والتمدد داخلها بمساعدة ميليشيات محلية تدين بالولاء لطهران، كلما كان ذلك ممكناً، وكما هو الحال في العراق وفي سوريا وفي اليمن وبدرجة أقل قليلاً في لبنان من خلال «حزب الله».
ليس من المبالغة في شيء القول إن طهران منغمسة في ما يشبه الحرب والمواجهة العسكرية ضد العالم العربي، هذا رغم أن طهران لا تتعرض لأي تهديد من العالم العربي، ورغم أن الحدود الإيرانية الخليجية والعربية لا تُمس!.
ومع ذلك فإن زعماء طهران النافذين يبدون في سباق مع الوقت لتكريس وجودهم على أرض الغير، ولخوض المزيد من المعارك ضد فئات محلية في هذا البلد العربي أو ذاك مع تأليب فئات المجتمع ضد بعضها بعضاً، مع ما يلحقه ذلك من دمار مطرد، وهذا بالقطع لا يوفر أي أساس لبناء علاقات إيرانية عربية سليمة.
والذهاب إلى حوارٍ وسط هذه المعمعة، وفي غمرة التشبث الإيراني بسياسة اختراق العالم العربي خاصة في المشرق، لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت، وتمويهاً على الواقع الشاذ القائم، والذي يهدد بمزيد من التعقيدات ومن المخاطر، إذا لم تتحلّ طهران بإرادة بناءة في السلام والتعاون مع جيرانها، وإذا لم تُبد الاحترام الكافي لاستقلال الدول العربية وسيادتها، ولحق شعوبها في حياة حرة مستقلة بعيداً عن أي تدخل خارجي أو نفوذ أجنبي مهما تسربل بشعارات براقة زائفة.
وإذا لم تقتنع المستويات العليا من الحكم في طهران بأن إيران للإيرانيين وحدهم وأرض العرب للعرب وحدهم، وأن التدخلات المقرونة بالغطرسة واستعراض القوة تتعارض مع قيم عصرنا ومع حقوق الإنسان والشعوب ومع المعايير السليمة والجوهرية للعلاقات الدولية.. فإن أي حوار لا جدوى منه.