مصطفى عبد السلام- العربي الجديد-
وكأن سوق النفط ناقص "لخبطة" وارتباكاً وغموضاً، خاصة أن كل التوقعات تشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد مرحلة تكسير عظم حادة بين السعودية ومعها دول الخليج من جانب، وإيران ومعها العراق من جانب آخر، مرحلة تنتقل فيها الأسواق من حالة الضرب تحت الحزام والحرب النفطية الباردة والخفية، إلى اللعب على المكشوف.
حرب نفطية بين قوى تسعى إلى امتلاك مزيد من الأموال والنقد الأجنبي للهيمنة على دول المنطقة، ومد نفوذها من 4 عواصم عربية إلى عواصم جديدة، وبين قوى أخرى تسعى أيضا إلى امتلاك مزيد من الأموال لمواجهة المد الإيراني، وتمويل الحرب على الحوثيين باليمن، ومواجهة تنظيم داعش في الشمال حيث يهيمن على مساحات كبيرة من أراضي سورية والعراق.
سوق النفط قد ينتقل، في الفترة المقبلة، من مرحلة المواجهة غير المباشرة بين المنتجين للنفط إلى مرحلة حرق أسعار النفط نفسها، وهو ما يعنى زيادة الدول المصدرة لإنتاجها النفطي، بدون الوضع في الاعتبار العناصر الاقتصادية والمالية مثل التكلفة والأسعار ومدى حاجة الأسواق للنفط، وحجم المعروض النفطي والطلب عليه.
مرحلة قد ينجم عنها حدوث مزيد من تراجع أسعار النفط، وبالتالي تكبد مزيد من الخسائر للدول المصدرة للنفط، التي قدرها صندوق النقد الدولي، أول من أمس، بنحو 540 مليار دولار في العام الجاري 2016.
والضحية في النهاية هو المواطن العربي الذي لن يستفيد من تهاوي أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز ومازوت، بل على العكس من ذلك فإن حكوماته ترفع أسعار الوقود بشكل مستمر، كما سيتعرض المواطن لمزيد من الضغوط المعيشية وارتفاع الأسعار الناجمة عن خفض الدعم الحكومي المقدم للسلع الرئيسية مثل أغذية ووقود، وعن التقشف الحكومي الحاد، وترشيد الإنفاق العام، وتجميد تنفيذ مشروعات خدمية لها علاقة مباشرة بالمواطن، مثل المستشفيات والمدارس والمخابز وشبكات المياه والطرق والكهرباء، إضافة إلى أعباء ناجمة عن سداد مزيد من الضرائب التي تفرضها حكومات دول المنطقة على مواطنيها لتعويض تراجع إيرادات النفط.
وبالنظر إلى الوضع المعقد والمربك الحالي، فإننا نتوقع حدوث سيناريوهات مزعجة للدول المصدرة للنفط، سيناريوهات من عينة حرق الأسعار وغيرها من الممارسات الضارة بمنتجي النفط، وهناك من يدعم مثل هذه الممارسات الضارة.
فإيران تواصل سياستها الرامية لزيادة إنتاجها إلى 4 ملايين برميل يومياً مقابل أقل من مليوني برميل حالياً، وبالتالي إغراق الأسواق بالنفط الرخيص، ضاربة عرض الحائط بكل المساعي الدولية لإعادة الاستقرار للأسعار المتهاوية، وحتى تفرض الأمر الواقع على جميع المنتجين أقر برلمانها قبل أيام موازنة العام الجديد على سعر برميل يصل إلى 40 دولاراً للبرميل، وإنتاج مليوني برميل يومياً، لكن البرلمان اشترط أن تسابق الحكومة الزمن لزيادة معدل الإنتاج إلى 2.5 مليون برميل مقابل إقرار الموازنة المقدمة.
وتقف السعودية لإيران بالمرصاد، حيث تشير توقعات المؤسسات الغربية إلى أن الرياض قد تزيد إنتاجها النفطي إلى 11 مليون برميل يومياً في إطار حرب حرق الأسعار المتوقعة، ولا تقف روسيا بعيداً عن المواجهة المحتملة، حيث من المتوقع زيادة إنتاجها وتطبيق سياسة حرق أسعار النفط، خاصة أنها تكافح لعلاج أزماتها الاقتصادية الحادة.
وتدخل ليبيا المواجهة حديثاً إذ تعتزم استرداد حصتها من الإنتاج النفطي البالغة أكثر من 1.7 مليون برميل قبل ثورة فبراير 2011 مقابل نحو 300 ألف برميل فقط حالياً، وكانت الإشارة هي إعلان المؤسسة الوطنية للنفط الليبية اليوم الثلاثاء إن ناقلة تحمل أول شحنة نفط للتصدير في طريقها إلى مالطا وعلى متنها 650 ألف برميل، وقد يشهد انتاج ليبيا النفطي زيادة ملحوظة خلال الفترة المقبلة إذا ما شهدت البلاد استقرار سياسيا، والكويت تسترد حصتها التي فقدتها خلال اضراب عمال النفط الأخير.
إزاء هذا الوضع المعقد لا يوجد في الأفق ما يشير إلى قرب إطلاق مبادرات لعلاج الموقف المتأزم داخل سوق النفط، خاصة بعد فشل اجتماع الدوحة الذي جمع 73% من المنتجين من داخل أوبك وخارجها بسبب التعنت الإيراني والذي قابله تشدد سعودي، ومن بعده فشلت مفاوضات موسكو في التقريب بين الطرفين السعودي والإيراني.
ولا يوجد أي مؤشرات تشير إلى معاودة الأسعار تعافيها، كما لا توجد مبادرات جديدة لعلاج الأزمة، خاصة أن روسيا أعلنت اليوم على لسان وزير الطاقة ألكسندر نوفاك أنه لا يتوقع إطلاق مبادرات جديدة تتعلق بتثبيت إنتاج النفط قبل اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) المقرر في يونيو/ حزيران القادم، وكان نوفاك يرد على معلومات حول مباحثات محتملة لوضع سقف للإنتاج لدعم الأسعار المتدنية.
والنتيجة النهائية لكل ذلك معاودة أسعار النفط تراجعها، خاصة مع زيادة حدة المنافسة بين السعودية وإيران على زيادة الإنتاج، وعدم استفادة الأسواق من حالة ضعف الدولار وتدفق سيولة جديدة على السوق.