دول » دول مجلس التعاون

هل ستنجح الوحدة الاقتصادية الخليجية في رأب الصدع السياسي؟

في 2016/06/02

أثار إقرار  قادة دول مجلس التعاون الخليجي،أمس  تشكيل هيئة عالية المستوى من الدول الأعضاء تسمى هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، وذلك تعزيزاً للترابط والتكامل والتنسيق بين دول المجلس في جميع المجالات الاقتصادية والتنموية، التساؤلات حول مستقبل التعاون وهل تعد تلك الخطوة دليلًا على جدية وحدة دول الخليج أم أن المعوقات والأزمات أكبر؟.

الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، ووزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أكدا أن قمة جدة أقرت، الثلاثاء، إنشاء هيئة تنموية واقتصادية جامعة لدولهم، آخذين في الاعتبار ضرورة تذليل العقبات لتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود الذي يتجه نحو تطبيق العملة الموحدة، التي تعثر تطبيقها، وتم تأجيله أكثر من مرة.

أشار الجبير إلى أن الهيئة ستكون لها صلاحيات واسعة تتيح لها البت في الأمور المهمة، كما أنه سيتم تطبيق آليات فعالة يمكنها من اتخاذ القرارات بشكل سريع؛ لتحقيق التكامل الاقتصادي الذي يتفق مع ما أقره النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي.

عدد من المراقبون يرون أن  تصريحات الزياني والجبير بمؤتمر جدة تدل على أن المجلس يتحرك لتشكيل كتلة اقتصادية فاعلة، وهذا ما أكدته تصريحات الجبير، من منح الهيئة صلاحيات واسعة؛ بهدف تذليل أي عقبات تواجه تحقيق التكامل الاقتصادي، فضلا عن أن القمة أظهرت إرادة سياسية ما زالت مصرة على استكمال مسيرة الأهداف التي نشأ على أساسها مجلس التعاون الخليجي، رغم ما قد يشوب مسيرتها نحو التكامل من تعثر.

 

وحدة اقتصادية قائمة

 

وأشار مراقبون إلى أن هناك شبه وحدة اقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وينتقص هذه الوحدة وجود عملة موحدة، حيث أكد الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبد الله الشبلي أن دول الخليج نجحت في تحقيق 3 مراحل من التكامل الاقتصادي، من أصل 4 مراحل، وفقاً لما تمليه النظريات الاقتصادية العالمية، والتي تبدأ بتأسيس منطقة للتجارة الحرة، وتنتهي بالوحدة الاقتصادية، مروراً بإقامة اتحاد جمركي، وسوق خليجية.

الشبلي استدل على ذلك بزيادة حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء، حيث زادت بنسبة 5.4% خلال سنة واحدة، وتضاعفت نحو 20 مرة منذ 1983

من جانبه أوضح د. عبد الرحمن الزومان  الخبير الإقتصادي لشؤون الأزمات أن تحقيق التكامل الخليجي مسألة في غاية الصعوبة في الوقت الحاضر لعدة أسباب، من بينها أن التوجهات السياسية مختلفة للقيادات الخليجية تفصيلًا، رغم أنها مجمعة ومتوحدة بشكل عام ضد التدخل الإيراني وكذلك فيما يتعلق بالقضايا الإستراتيجية، لكن فيما يتعلق بالقضايا البينية والإقليمية كل دولة لها مرئيات مختلفة عن الأخرى، فوجود هذه الخلافات لن يجعل الأرض ممهدة، أو الوقت مناسبًا لإيجاد وحدة متكاملة على الناحية السياسية.

وأوضح لشؤون خليجية  أنه فيما يخص الناحية الاقتصادية فهناك شبه وحدة اقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وينتقص هذه الوحدة وجود عملة موحدة، فهناك أنظمة موجودة كنظام التنقلات والتجارة والنظام المالي في النظام الاقتصادي، ولكن تظل الفوارق في النواحي الداخلية، فعلى سبيل المثال الإمارات بلد منفتح، والسعودية بلد منغلق، الكويت وقطر في مرحلة متوسطة، بينما عمان هي الدولة الشاذة الوحيدة التي تغرد خارج السرب الخليجي، سواء من ناحية التوجه السياسي، أو من ناحية مواقفها السابقة فيما يتعلق بالمصالح المشتركة لباقي الدول، رغم وجود العديد من أبناء سلطنة عمان كأعضاء في قوات درع الجزيرة الخليجي المشتركة.

ورأي أن العلاقات (الخليجية – الخليجية) أو الوحدة الخليجية تحتاج مزيدًا من الجهد على مدار السنوات، وربما نتحدث عنها عام 2050.

ولم تكن العملة النقدية الموحدة بعيدة المنال، فالمجلس خطا خطوات نحو الاتحاد النقدي وإصدار عملته الموحدة، التي كان مقرراً لها في عام 2010، إلا أنه تم التأجيل لعام 2015، وبرغم عدم تطبيقها إلى الآن، إلا أن ثمة إنجازات حققتها دول الخليج تدفع نحو تحقيق الاتحاد النقدي.

الزياني أشار إلى أن العملة الموحدة متروك أمرها للمجلس النقدي؛ باعتباره أمراً فنياً بحتاً، ومن اختصاصهم، فضلاً عن انتظار القرار السياسي من قادة دول المجلس للشروع في تطبيقه، حسبما ذكره في ختام قمة جدة.

الوحدة النقدية

يعتبر  تكتل الاتحاد الأوروبي  النموذج الذي تحذو حذوه دول التعاون الخليجي، حيث وضعوا مجموعة معايير، مطالبين دولهم بتحقيقها؛ من أجل الدخول في مرحلة الوحدة النقدية، التي منها ألا يتجاوز حجم الدين العام نسبة 60% من إجمالي الناتج المحلي، وألا يتجاوز عجز الميزانية نسبة 3% من إجمالي الناتج المحلي، وألا يتجاوز معدل التضخم نسبة 1.5% من متوسط نسبة التضخم لمجموعة الدول الأعضاء، وألا يتجاوز سعر الفائدة الطويلة الأجل نسبة 2% من متوسط نسب أسعار الفائدة للدول الأعضاء، كما تم الاتفاق في عام 2005 على إنشاء مجلس نقد خليجي، ليتحول لاحقاً إلى بنك مركزي خليجي.

اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي دخلت حيز التنفيذ في فبراير 2010، حيث عقد مجلس إدارة النقد الخليجي أول اجتماع له في الرياض في مارس/آذار 2010، وتم الاتفاق على تأجيل إصدار العملة الموحدة لعام 2015، وخلال تلك الفترة يتم مراجعة مدى استعداد الدول المستمرة في التنسيق للاتحاد النقدي، وقدرتها على تعميم عملة موحدة داخل بلدانها.

 زيادة التبادل التجاري

الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة اللذان أطلقهما التعاون الخليجي بين الدول الأعضاء كانا سبباً رئيساً لزيادة التبادل الاقتصادي، بل إن مراقبين أشاروا إلى الاتفاقية الاقتصادية 2001، التي حلت محل اتفاقية 1983، التي كانت كذلك سبباً رئيساً للتحول من "مرحلة التعاون" بين الدول الأعضاء، إلى "مرحلة التكامل"، حيث تم بموجبها إزالة كل الحواجز الجمركية وغير الجمركية على التجارة، وتوحيد الرسوم الجمركية مع الدول غير الأعضاء، بواقع 5% على السلع الأجنبية المستوردة من خارج الاتحاد.

ومن الوسائل التي تدفع نحو تطبيق العملة الموحدة، وتساعد على نمو التجارة البينية بين الدول الأعضاء هو وجود شبكة مواصلات متطورة ومتنوعة، تستوعب حركة نقل البضائع والسلع بين الدول الأعضاء، وتتضمن تلك الشبكة الطرق والموانئ والمطارات، فضلاً عن شبكات السكك الحديدية.

اقتصادي خليجي قوي

خطوات التكامل الاقتصادي الخليجي التي تحققت  بحسب مراقبون سوف تدفع نحو خلق كيان مهم على خارطة الاقتصاد العالمي، حيث إن اقتصاد دول التعاون الخليجي مجتمعة -وفقاً لدراسة أجريت عام 2013- احتل الترتيب الـ12 ضمن أكبر اقتصاديات العالم، كما أن الناتج المحلي لدوله وصل إلى مستوى 1.62 تريليون دولار لنفس العام.

كما يمثل اقتصاد مجلس التعاون خامس أهم اقتصاد من حيث التبادل التجاري مع العالم، فقد وصل حجم التجارة الخارجية لدوله مجتمعة عام 2013 إلى 1.42 تريليون دولار، وبلغ حجم الصادرات 921 مليار دولار، ومن ثم فقد أصبح المجلس رابع أكبر مصدِّر في العالم، بعد الصين، ثم الولايات المتحدة، وألمانيا.

معوقات وتحديات

ورغم تأكيدات دول مجلس التعاون نحو تكامل اقتصادي راسخ، إلا أن هناك العديد من المعوقات تقف في وجه هذا التكامل، فندها الكاتب والخبير الاقتصادي د. محمد رياض حمزة في مقال له بعنوان "آفاق التكامل الاقتصادي في 30 مايو 2016 ولعل أبرزها:تواضع حجم التجارة البينية للدول الأعضاء، ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى تشابه هياكل الصادرات لتلك الدول، والتي يمثل النفط تلك الصادرات،  محدودية مساهمة قطاع الزراعة والصيد والغابات في هيكل الإنتاج السلعي.

وأوضح انه رغم الجهود الخاصة بتنسيق خطط التنمية بدول المجلس، إلا أن الملاحظ هو استمرار هيمنة الصناعات الاستخراجية على هيكل الإنتاج السلعي،  كما يلاحظ استمرار الدور المحوري للإيرادات النفطية في دعم الموازنات العامة لدول الخليج، وتوفير التمويل اللازم للارتقاء بمستوى الخدمات، إلا أن استمرار هذا الوضع مرهون باستمرار تدفق ريع النفط.

وأضاف :وجود فجوة زمنية كبيرة بين التصديق على عدد من القرارات الاستراتيجية، وبين دخولها حيز التنفيذ، من أبرز معوقات التكامل الخليجي، فضلا عن عدم وجود شبكة طرق ومواصلات بمواصفات عالمية تسهل عملية التبادل التجاري البينية، وضعف دور القطاع الخاص الخليجي في الأنشطة الاستثمارية في دول المجلس بالمقارنة مع استثمارات هذا القطاع في الخارج،  بالإضافة إلى ضعف الأنشطة الاستثمارية الخليجية في أسواق الأوراق المالية، وعدم إنجاز التكامل في التشريعات الميسرة لتسجيل الشركات الخليجية في أسواق دول المجلس الأخرى.

وتابع:عدم وجود قاعدة بيانات مشتركة، لعدم توحيد المعايير الإحصائية أو المعايير التي تتابع المتغيرات الاقتصادية كالنمو والتضخم والادخار وحجم الناتج المحلي… وغيرها، وعدم وجود اختلاف في المزايا النسبية لعوامل الإنتاج، الأمر الذي يحد من تحفيز القطاع الخاص في توسيع أنشطته الصناعية والخدمية خارج دولته، ضعف إسهام القطاع الخاص في تطوير البنى الأساسية، وتفرد التمويل الحكومي في تنفيذ المشاريع الإستراتيجية.

انعدام المنافسة

ورغم أن أكثر منتجات دول التعاون الخليجي تقارباً هي النفط، إلا أن عامل المنافسة فيما بينها منعدم تماماً؛ نظراً للاكتفاء الذاتي لمعظم دوله، بالإضافة إلى أنهم أعطوا الأولوية للاستيراد بعضهم من بعض؛ لتغطية احتياجات الدولة في مجال الطاقة، وهذا ما نصت عليه الاتفاقيات في بند التعاون في مجال الطاقة، ولذلك تجري عمليات تبادل تجاري للنفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات البتروكيميائية بين دول المجلس حسب الاحتياجات المحلية.

شؤون خليجية-