يمثل القرن الإفريقي والصومال تحديداً منطقة ذات أهمية حيوية للأمن القومي العربي عموماً والخليجي بشكل أكثر حساسية، وقد زادت هذه الأهمية مع انطلاق عاصفة الحزم وبدء المواجهة المباشرة بين الأذرع الإيرانية في المنطقة والمملكة العربية السعودية التي أفزعها استيلاء الحوثيين الموالين لإيران على خاصرتها الجنوبية اليمن.
ويمثل الساحل الصومالي ضفة خليج عدن الإفريقية، والذي يمثل مع باب المندب المدخل الحنوبي لقناة السويس، ويعد أحد أهم محاور الملاحة البحرية في العالم إذ يشكل طريقاً رئيسياً للتجارة بين أوروبا وآسيا، ويكاد يكون الطريق الوحيد بين روسيا والدول المطلة على البحر الأسود إلى دول شرق أفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا، كما أنه يكاد يكون الطريق الوحيد لتجارة الدول التي تطل على البحر الأحمر وحده.
ووفقاً لإحصائيات تعود إلى عام 2008، فإنه يمر عبر خليج عدن سنوياً ما بين 20-24 ألف ناقلة نفط وسفينة شحن وسفن تجارية، ونحو 30% من الإنتاج النفطي العالمي.
- الصومال.. ثغرة في جدار الأمن القومي العربي
رغم أن الصومال، البلد العربي الأفريقي، يكاد يمثل الحالة الوحيدة في أفريقيا لمجتمع موحد عرقياً ولغوياً ودينياً وحتى مذهبياً، فإن ذلك لم يحل دون قيام حرب أهلية فيه منذ 1991 حتى الآن، حرب فشلت أمامها كل محاولات الإصلاح لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع الصومالي القبلية من جهة؛ وبتداخل المصالح الدولية والإقليمية التي جعلته ساحة حرب بالوكالة، بالإضافة إلى تجذر نفوذ أمراء الحرب في البلاد.
وكان أخطر نتائج هذه الحرب تفكك الدولة الصومالية وانهيارها بشكل شبه كامل؛ إذ أعلن شمال الصومال انفصاله باسم دولة أرض الصومال سنة 1992، وانفصل إقليم آخر تحت اسم دولة إقليم البونت، في حين حولت الحرب القبلية جنوب الصومال إلى مجموعة من إمارات الحرب تتنازعها القوى القبلية والإسلامية، التي يصنف بعضها تحت خانة الإرهاب كحركة الشباب المجاهدين.
ونتيجة لموقعه لجغرافي وتأثيره في الأمن القومي العربي فإن غياب الدولة في الصومال يشكل ثغرة أمنية خطرة على المنطقة العربية ومنظومتها الأمنية، فتفكك الصومال وعجز الحكومة الصومالية عن السيطرة الكاملة على أراضيها أديا إلى تحول البلاد إلى مصادر خطر متنوعة على الأمن الإقليمي بشكل عام والعربي بشكل خاص، إذ تحولت البلاد إلى بيئة حاضنة لعدد من الجماعات المسلحة من أخطرها الآن حركة الشباب الصومالي المرتبطة بالقاعدة.
- حركة الشباب المجاهدين ومخاطرها الإقليمية
تأسست الحركة في 2004 وأعلنت عن نفسها في ديسمبر/ كانون الأول 2007، وفي شريط مصور بث في فبراير/ شباط 2012 أعلن زعيمها أحمد عبدي غودان أبو الزبير مبايعته أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة.
واستطاعت الحركة فرض نفسها كأحد أبرز القوى العسكرية المؤثرة في الساحة الصومالية، والخصم الرئيس لحكومة مقديشو وللقوات الأفريقية المساندة لها، وتنسب إليها مجموعة من التفجيرات داخل البلاد وخارجها، وقد وضعتها الولايات المتحدة في قائمة الحركات الإرهابية في فبراير/ شباط 2008، وللحركة نفوذ كبير في الريف الصومالي وتسيطر على بعض المرافئ شرقي البلاد.
ونشاط هذه الحركة يهدد أي استقرار مستقبلي في خاصرة الخليج العربي الرخوة اليمن؛ كما يهدد بالنفاذ منها إلى بقية دول الخليج ولا سيما السعودية، فبحسب تقرير أعدته صحيفة مكة المكرمة السعودية فإن الحركة تعمل على تجنيد الشباب المسلم المتحمس في كينيا وتنزانينا وإثيوبيا، وتدريبهم في معسكراتها، ثم زجهم في الحرب الصومالية أو نقلهم إلى دول أخرى، وبحسب اعترافات أمير الحركة في شمالي الصومال، الشيخ محمد أتوم الذي استسلم لحكومة مقديشو في يونيو/حزيران 2014، فإن هناك شبكة قوية وسط حركة الشباب يتكون أعضاؤها من المقاتلين الأجانب وعدد قليل من الصوماليين، ولها مخططات تتعدى الصومال إلى محيطه الإقليمي وتهديد مسارات نقل النفط في المنطقة.
وأضافت الصحيفة أن التنظيم استغل موجات الهجرة إلى اليمن قبل الحرب لدس عناصره بين المهاجرين، حيث كان ينتقل شهرياً قرابة 600 شخص من البر الأفريقي إلى البر اليمني من خليج عدن، كما أكدت مصادر في جهاز الأمن بحكومة بونت لاند ارتباط حركة الشباب بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتبادلهم السلاح والذخائر والمقاتلين والأموال عبر خليج عدن، كما أن قادة التنظيم يتمتعون بحرية كبيرة في التنقل بين البلدين.
ومما قد يزيد الأمور تعقيداً ظهور تنظيم الدولة في الصومال العام الماضي، وإن سعت حركة الشباب إلى تطويقه والحد من محاولته الانتشار في شرقي البلاد.
- تهديد الخليج
وقد أكد المدير السابق للمخابرات الصومالية، بشير محمد جامع غوبي، في تصريحات أدلى بها لصحيفة مكة المكرمة أن تنظيم القاعدة يخطط لشن هجمات على دول الخليج يكون مركز تدبيرها الصومال واليمن، بعد ترابط حركة الشباب بحليفها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المتمركز في اليمن، وبعد توفر العناصر البشرية من الدول الأفريقية، وتوفر التمويل اللازم والمقدر بمئات المليارات من الدولارات من الموانئ التي تسيطر عليها.
وبجانب ذلك فإن خطورة القاعدة في الصومال تتعدى ذلك إلى قدرتها على تضييق الخناق على حركة السفن في خليج عدن ومضيق باب المندب؛ ممّا يهدد حركة نقل النفط الذي يمثل العصب الأساسي لاقتصادات الخليج العربي.
- محاولات خليجية لتطويق المخاطر
كانت عاصفة الحزم فرصة للهجوم على أكثر من محور ولضرب أكثر من عدو؛ فمن جهة تم ضرب جماعة الحوثي وكيل إيران في اليمن، كما تم ضرب فرع القاعدة المتمركز في اليمن والمعروف بالقاعدة في جزيرة العرب.
ونتيجة لعدم قدرة لتحالف العربي على حسم معركته في اليمن بحراً دون مساعدة من دول جنوب البحر الأحمر في القرن الأفريقي، فقد عمل التحالف من أجل تطويق الخطرين السابقين على كسب دول كالسودان وإريتريا وجبيوتي إلى صفه، من خلال الأسلحة الخليجية الناعمة المتمثلة في المعونات والقروض، وهو ما مهد الطريق لإقامة تحالفات عسكرية جديدة في المنطقة، بدأت بتخلي السودان عن حليفها الأوثق إيران، وحصلت السعودية في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، على قاعدة بحرية عسكرية في جيبوتي، وشُكلت لجنة عسكرية سعودية جيبوتية مشتركة اجتمعت في أغسطس/ آب 2015 تتولى التنسيق العسكري بين البلدين، وقدمت السعودية خمسة زوارق عسكرية بحرية سريعة لحكومة جيبوتي لدعم قدراتها في عمليات الرقابة والتفتيش على السفن في المياه الإقليمية للبلاد.
كما كشف معهد دراسات الشرق الأدنى في تقرير له عن اتفاق بين السعودية والإمارات لتحقيق شراكة أمنية عسكرية مع إريتريا، بما يضمن استخدام التحالف للأراضي الإريترية، كما تضمن استئجار الإمارات لميناء عصب الإريتري وجعله مركزاً لعملياتها ضد جزر اليمن في البحر الأحمر.
وقد سبق ذلك توقيع الإمارات، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، اتفاقية للتعاون العسكري مع جمهورية الصومال، بهدف تعزيز التعاون الثنائي في الشؤون العسكرية بين البلدين.
كما يرى متخصصون أن العمل على إنشاء قوة خليجية بحرية مشتركة سيكون من أهدافه تأمين منطقة خليج عدن وباب المندب من المخاطر المحتملة.
كما برز التناغم السعودي الصومالي في أكثر من منعطف فقد أعلنت الصومال قطع علاقتها مع إيران عقب الاعتداء على السفارة السعودية في الرياض، كما أشادت بالخدمة التي تقدمها السعودية لضيوف الرحمن إبان الأزمة التي افتعلتها إيران وأعلنت عن عدم أداء حجاجها للفريضة هذا العام.
وتوج كل ذلك بانضمامها إلى التحالف الإسلامي الذي تشكل في ديسمبر/ كانون الأول 2015، الذي أكد المتحدث باسمه أحمد العسيري أنه يحارب الإرهاب بشكل عام ولا يحصره بـ"داعش" فقط، وأن "التحالف لن يتدخل في أي دولة من الدول الأعضاء في التحالف الإسلامي، إلا بطلب منها"، مما قد يشكل تمهيداً لمحاربة القاعدة وتنظيم الدولة في الصومال في مرحلة لاحقة.
ولكن تبقى كل تلك الخطوات ناقصة ما لم يتم إقرار اتفاق سياسي ينتشل الصومال من المستنقع الذي يكابده، ويفتح الطريق أمام بناء دولة صومالية قادرة على أداء دورها الفاعل داخلياً وخارجياً.