يبدو أن العالم بأسره، وخصوصاً وطننا العربي من محيطه لخليجه يمر بمرحلة استنائية وصعبة، حيث يتعرض للكثير من الأزمات والصراعات والتحديات، بل وإلى المزيد من النكبات والصدامات والانقسامات، أشدها وأخطرها على الإطلاق، هي ظاهرة الطائفية المقيتة التي تطل برأسها القبيح بين الحين والآخر.
هذه المرحلة الخطيرة والمأساوية من عمر العالم العربي، تفوق مثيلاتها من المراحل والظروف والأحداث السابقة، إذ تتعرض المجتمعات العربية بلا استثناء إلى فتنة طائفية وصدامات مذهبية، لم تشهدها منذ حقب طويلة، ولعل أكثر ما يُميز هذه المرحلة الملتهبة هو اختلاط المفاهيم وتداخل التعريفات وضبابية المصطلحات، الأمر الذي أوجد بيئة حاضنة لهذه النار المستعرة ــ الطائفية ــ التي تكاد تكون «محرقة كبرى» لن ينجو منها أحد.
وكم هو محزن حد الوجع، أن تُرفع كل الشعارات والعناوين الطائفية والمذهبية باسم الدين، كما لو أن الشريعة الإسلامية السمحاء مستباحة لكل من يظن بأنه الممثل الشرعي والحافظ الأمين والتعبير الوحيد لهذا الدين العظيم! وكم هو مؤلم حد التحسر، أن يظن البعض مهما كان هذا البعض، بأنه صاحب الحق دون غيره في تطبيق شرع الله بالشكل والطريقة والأسلوب الذي يتناسب مع فكره ومزاجه وقناعته، بل ويصل الأمر إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ لا يكتفي بمجرد ممارسة دوره في النصح والتوجيه والإرشاد، بل ويملك الحق، كل الحق في معاقبة ومساءلة وتصفية كل من يختلف معه!
لقد فقد الكثير من الأفراد والجماعات والتعبيرات بوصلتهم الحقيقية التي كانت تُشير إلى القيم والتعاليم الإسلامية الجميلة التي تدعو إلى التسامح والتآخي والرحمة وتحث على الوسطية والتوازن وقبول الآخر وتغرس مبادئ العدل والمساواة والاحترام، وسيطرت عليهم بكل أسف لغة التشدد والعنف والكره والتمييز والإلغاء.
وبالعودة قليلاً إلى التاريخ الإنساني الطويل والحافل بالصراعات والانقسامات والتحولات الكبرى، نجد أن المجتمعات والشعوب والأمم المتحضرة، شرقاً وغرباً أدركت مبكراً خطورة وفداحة العزف على أوتار الطائفية والفئوية والطبقية والعرقية، واستطاعت بذكاء أن تستثمر وتوظف وتُدير كل مظاهر وملامح التنوع والتعدد والتباين في الطباع والثقافات والمذاهب، وتصنع حالة رائعة من الانسجام والوئام والتكامل، تُسهم ــ أي تلك الحالة ــ في نهضة وتنمية وتفوق تلك المجتمعات والشعوب والأمم.
ما أروع الأوطان حينما تُشبه كل تفاصيلها المتنوعة والمختلفة والمتعددة، وتصبح حدائق غنّاء تزهر على جنباتها الزنابق والفل والياسمين لترسم «لوحة إنسانية» رائعة الجمال وبديعة المنظر، ويفوح في أرجائها «عطر التسامح» بكل عبقه وألقه وسحره.
وما أجمل أن نصنع من تنوعنا وتعددنا حالة متقدمة من التميز والثراء، لا أن يكون مدعاة للتمييز والإقصاء.
الطائفية لعنة العصر ولغة الجنون وشريعة الغاب، يجب أن تُلاحق وتُحارب وتُجرّم، لأنها النار المستعرة التي لن ينجو منها أحد.
فاضل العماني- الرياض السعودية-