في العام الماضي، سلمت دولة الإمارات العربية المتحدة «سميرة» ، 19 عاما، جواز سفر لجزر القمر، وهي من إحدى أفقر دول العالم، وقالت لها أنه تبقى لها 11 شهرا لمغادرة البلاد. وعلى الرغم من أنها كانت بلا جنسية طوال حياتها، حيث ولدت «سميرة» ونشأت في دبي، فإنها لم تعتقد أبدا أن جزرا صغيرة استوائية ستصبح وطنها، حيث لا تريد ذلك لأنها لا يوجد لديه جذور أو عائلة هناك. وقالت إنها ليس لديها خيار آخر، لأنها ليست حتى من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكدت إنها عاجزة إلى حد كبير عن محاربة الحكومة، التي تدفع لجزر القمر التي تعاني من ضائقة مالية لاستقبال عديمي الجنسية مثلها.
أصبحت «سميرة» من عديمي الجنسية، «البدون»، نتيجة لسياسات ملتبسة في دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بميلادها، حيث جاءت والدتها من الهند إلى دبي للعمل في المنازل ولكنها أصبحت حاملا بعد اغتصاب مخدومها لها. ثم تم نفى الأبوة وتم تحويلها إلى الشرطة عندما كانت في عمر صغير. وفي دولة الإمارات، يمنع قانونيا ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، مهما كانت الظروف.
قضت «أم سميرة» حكما بالسجن لمدة سنة واحدة بعد الولادة، انتهت بترحيلها إلى الهند. ولكن لأن المواطنة تمر عبر الأب في كل من الهند (في ذلك الوقت) والإمارات العربية المتحدة، التي لا تعترف بالمواطنة كحق مكتسب، فقد ماتت «أم سميرة» قبل أن تكون قادرة على الحصول على جواز سفر لابنتها لجلبها إلى الهند. كان عليها أن تتركها.
ولولا أحد حراس السجن الذي كان صديقا لـ«أم سميرة» بينما كانت في السجن، لكان الأمر قد انتهى بها في دار الأيتام المحلية أو واجهت حياة الفقر. وقد اقترح الحارس إرسالها إلى أحد أفراد أسرة الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان»، الرئيس السابق لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ووفقا لمدير إحدى دور الأيتام في رأس الخيمة، الذين تحدثت إليهم، فإن نحو 30% من الأطفال من دور الأيتام يتم إرسالهم إلى القصور الملكية وتوفير التعليم والغذاء والسكن والدعم لهم . ويعتبر أفراد العائلة المالكة ذلك عملا من الأعمال الخيرية الإسلامية ويسمى هؤلاء الأطفال عادة «أطفال الأمير». وفي هذا الوقت، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت اتصالات «سميرة» ستحميها من الترحيل. ولم نستطع التواصل مع «سميرة» خلال الشهرين الماضيين، وهو ما يعني أنها يمكن أن تكون إما في وضع صعب أو أنها بالفعل الآن في جزر القمر.
وقال «عبد الخالق»، وهو ناشط في مجال حقوق عديمي الجنسية في دولة الإمارات العربية المتحدة، إن السلطات الإماراتية ضغطت عليه للتقدم بطلب جنسية لدولة جزر القمر، في 17 يوليو/تموز 2012. وفي النهاية، تم ترحيله إلى تايلاند.
في كتابي الذي نشر مؤخرا، «عبور الخليج»، قمت بتوثيق قصص عديمي الجنسية مثل «سميرة» في شبه الجزيرة العربية، والتي تضم بعضا من أكبر البلدان المستقبلة للمهاجرين في العالم.
يشكل العمال المهاجرون 80% من السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الكويت المجاورة، يفوق عدد المهاجرين عدد المواطنين بنسبة 3:1. ولكن معظم دول الخليج ترفض تقديم حقوق المواطنة والحماية لهم، حتى لأولئك الذين ولدوا داخل حدودها.
وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 100 ألف من عديمي الجنسية أو «البدون» في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، وأكثر من 130 ألفا في الكويت.
شهدت منطقة الخليج في العقد الماضي، زيادة في عدد المهاجرات من آسيا وأفريقيا اللواتي يعملن في وظائف كالخدمة المنزلية، وكمربيات، وفي مجال الخدمات أو التجميل. وبموجب نظام الكفالة، الذي يستخدم من قبل العديد من دول الخليج لتنظيم العمالة الوافدة، يحظر على العمال الدخول في علاقات جنسية خلال مدة عقودهم. والمرأة التي تحمل يتم إبعادها، وغالبا ما تتعرض النساء فقط للعقاب على خرق قواعد الكفالة والشريعة، التي تجرم الزنا أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج.
ولأن معظم النساء اللواتي يهاجرن إلى الخليج يأتين خلال أكثر سنوات حياتهن خصوبة، ويمكن أن تقضي بعضهن خمس إلى عشر سنوات في البلدان المضيفة لهن، فإن هذا شكل من أشكال التعقيم التعاقدي من المستحيل الالتزام به. وعلى الرغم من أن بعض النساء تجدن أنفسهن في علاقات توافقية، فإن كثيرات يتعرضن لاستغلال الآخرين والاغتصاب من قبل أصحاب العمل المسيئين.
ونتيجة لذلك، فإنه من الشائع للأسف للنساء مثل «أم سميرة» أن تلد في السجن ومن ثم يتم إرسال أطفالهن إلى دار للأيتام بعد أن يتم ترحيل النساء. والذي لا يسهل الأمور هو أن كلا من الإمارات العربية المتحدة وعدد من البلدان المرسلة لا تسمح بنقل الجنسية إلا عن طريق الأب. ولكن إذا لم يدع الأب الأبوة، وهذا هو الحال في كثير من الأحيان بسبب الخوف من مواجهة عقوبة الزنا، يصبح الطفل عديم الجنسية.
ومع مئات الآلاف من المهاجرين القادمين إلى الخليج كل عام، حيث يعود تاريخ هذه الهجرات إلى حقبة الثمانينيات من أماكن مثل بنغلاديش والهند ونيبال وباكستان وسريلانكا، ومع كون هذه البلدان حتى وقت قريب لم تكن تسمح فقط بنقل المواطنة إلا عن طريق الأب، فإنه يوجد آلاف الحالات التي تركت النساء المهاجرات فيها أطفالهن خلفهن.
الأزمة في الكويت بلا حل
لا يعاني أطفال النساء المهاجرات وحدهم من مخاطر انعدام الجنسية. وهناك أكثر من 100 ألف شخص عديم الجنسية تحت اسم «البدون» في الكويت، وهم الذين لا يحملون الجنسية إما بسبب السقطات البيروقراطية عندما أصبحت الكويت دولة قومية في عام 1961 ( حيث فشل جزء منهم في التسجيل كمواطنين) أو بسبب التمييز ضد أولئك الذين كانوا من مواطني الدول المجاورة ولكن تم استيعابهم من قبل الكويت بعد تغيير الحدود.
رانيا (21 عاما)، وهي من البدون، ولدت في مدينة الكويت لأم من عاملات المنازل من إثيوبيا والتي قد تم ترحيلها بعد الولادة بفترة وجيزة. وقد أمضت حياتها تعيش في دار للأيتام في ضواحي المدينة، ولكن كشخص عديم الجنسية، قالت أنها لم تتمكن من العثور على وظيفة أو استئجار شقة. ومع ذلك، ترى رانيا الكويت وطنها. وكانت نفسيتها مدمرة حين حصلت على جواز سفر جزر القمر في الشهر الماضي، وقيل لها أنها ستستقر هناك في غضون عام.
قالت لي «رانيا»: «في نهاية المطاف هذا غير عادل أبدا». «أنا لا أستطيع أن أذهب مع أمي إلى منزلها، والآن لا أستطيع البقاء في المكان الذي أعتبره الوطن؟ لماذا لا يسألني الناس حتى ماذا أريد؟».
إن «سميرة» و«رانيا» هما جزء من الصفقات التي وقعتها دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت مع جزر القمر في عام 2008 وعام 2016. وفي مقابل بناء الطرق وتوفير المساعدات التنموية للجزيرة المنكوبة بالفقر، فإن الإماراتيين والكويتيين يقومون بشراء جنسيات لسكانهم الذين لا يحملون أي وثائق.
في البداية، كانت هذه الصفقات معنية بإصدار جوازات السفر الجديدة فقط دون شروط الانتقال جسديا لحاملها خارج الخليج. ولكن في الأشهر الأخيرة، أصبح من الواضح أن عددا متزايدا من منهم سوف يضطر للانتقال إلى جزر القمر. وعلى الرغم من أن السياسة الرسمية لا تزال غير واضحة، يقول بعض المسؤولين أن جزر القمر طلبت انتقال هؤلاء إلى أراضيها، بينما يعتقد البعض الآخر أن دول الخليج تقوم بمحاولة للتخلص من سكانها عديمي الجنسية أو البدون.
وبغض النظر، فإن بعض النشطاء قد أدانوا هذه الممارسة، مشبهين ذلك بالعبودية وبيع حق من حقوق الإنسان. كما يقول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، «لكل فرد حق التمتع بجنسية ما» و «لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته». واحتج سكان جزر القمر أيضا، بسبب أن الحكومة تبيع الروح الوطنية لبلادهم، في حين أن السكان في الخليج يقولون إن هذا الحل فشل في حل القضايا الشائكة لانعدام الجنسية أو نقل المواطنين.
من ناحية أخرى، فإن عددا من الأشخاص الذين ينتقلون من الفلبين إلى الخليج للعمل، قد جاءوا مع قوانين بديلة لمنع حالات انعدام الجنسية. حيث أصدرت حكومة الفلبين في عام 1987 قانونا يسمح بتمرير الجنسية الفلبينية من خلال كل من الأم والأب. كما يسمح لمعظم النساء الفلبينيات في الخليج أخذ أولادهن معهن إذا كان عليهن مغادرة البلاد.
كما تقدم السفارة الفلبينية في كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة المأوى للأطفال الذين سجنوا أو الأمهات المتهمات بتهمة الزنا وتحرص على توفير جوازات السفر لهؤلاء المواطنين الجدد.
بدلا من ترحيل المشاكل إلى جزر القمر، يمكن لبلدان الخليج على أقل تقدير أن تتفاوض مع الدول المرسلة أو تشجعهم على أن يحذو حذو الفلبين، كبداية.
بعد كل شيء، فإن هذا التكتيك لنقل السكان عديمي الجنسية إلى الخارج غير قابل للاستمرار على المدى الطويل.
جزر القمر ستدرك في مرحلة ما أن هذه صفقة سيئة. هناك ما يقرب من مليون شخص بلا جنسية في الخليج وسكان جزر القمر هم 730 ألفا فقط (وهي بمساحة حجم ولاية رود آيلاند).ومع سوء التجهيز للتعامل مع الزيادة الهائلة في عدد سكانها في غضون سنوات قليلة، فإن دول الخليج ستجد نفسها مرة أخرى في المربع الأول.
فورين أفيرز- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-