على الرغم من موقعها في وسط الصحراء، فإن دول الخليج لديها حدائق مائية ونوافير عامة، ومروج خضراء زاهية، ولكن ليس كل ما يلمع ليس ذهبا، حيث أن أزمة مياه تلوح في الأفق في دول مثل السعودية والإمارات.
يمكن للتكنولوجيا أن تخفف من ندرة المياه الطبيعية، إلى درجة أن يكون هناك ما يكفي للشرب، ولكن فيما يتعلق بالتكاليف والآثار البيئية فإنه لا يمكن تحملها على المدى الطويل. ويؤكد الخبراء أن التغيير الجذري الآن هو الطريقة الوحيدة لتجنب وقوع كارثة، ولكن صناع السياسة يستجيبون ببطء شديد.
المشكلة
إن تحلية مياه البحر، وهي تقنية بموجبها يتم إزالة الأملاح من المياه المالحة لجعلها صالحة للشرب، حيث يتم إنتاج حوالي 90% من المياه في شبه الجزيرة العربية بهذه الطريقة، وهي منطقة قاحلة بصورة طبيعية. ولكن الاستهلاك السنوي للفرد يبلغ حوالي 816 متر مكعب للشخص الواحد، وهو أعلى بكثير من المعدل العالمي البالغ 500 متر مكعب.
إن الأسلوب الأكثر شعبية لإزالة الملح من المياه هو التقطير الحراري عبر تبخير المياه وتكثيف الأبخرة التي تم جمعها، بعد فصل الملح عنها، وهذا يتطلب قدرا لا بأس به من الطاقة والتي يتم الحصول عليها عادة من حرق الوقود الأحفوري، مما يسبب زيادة انبعاثات الكربون. وقد جادل البعض بأن ذلك يمكن أن يدفع الحرارة في المنطقة إلى مستوى لا يوصف.
ولدى كل من الكويت، قطر، البحرين، السعودية، و الإمارات مرافق لتحلية المياه على ضفاف الخليج، وهذا يؤدي إلى إرسال الماء المالح إلى مياهها الضحلة.
ويشعر الأنثروبيولوجي في جامعة كولومبيا «كوكجن جونال» بالقلق إزاء «الذروة المطلقة»، وإمكانية أن تصبح مياه دول الخليج مالحة بحيث سوف تصبح تحليتها غير ممكنة. لقد كان مفهوم الذروة على الرادار منذ سنوات حتى الآن، ولكن في الآونة الأخيرة فإن العلماء وصانعي السياسات بدءوا يأخذون الأمر على محمل الجد.
إن المياه عالية الملوحة لا تسبب مشاكل فقط في الوصول إلى الماء الصالح للشرب، بل يمكن أن تغير أيضا كيمياء النظام البيئي البحري، مما يهدد الشعاب المرجانية وغيرها من المخلوقات.
الخيار الفني
ويرى «فريد بن يحيى»، أستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة قطر، أن القلق ينبع من أن «هناك قضايا بيئية كبيرة مرتبطة بتحلية المياه على نطاق واسع». حتى إنه بحث عن بديل جيد للطرق التقليدية وتوصل إلى اختراع يهدف إلى حل كل من مشاكل انبعاثات الكربون والماء المالح الزائد في عملية واحدة من خلال حلقة من التفاعلات الكيميائية، وإن كان الفكرة لا تزال في مرحلة مبكرة. يمكن لهذه الطريقة الجديدة أن تقلل على نطاق واسع من الآثار الجانبية لتحلية المياه التقليدية، ويجري استكشاف حلول جذرية أخرى. في دولة الإمارات، حيث تمطر في المتوسط ثلاثة أيام فقط في العام، يتم الحديث عن طرق لتوليد الأمطار بشكل صناعي.
مشاكل الناس
وأيا كانت الطريقة التي ننظر إليها، يرى بن يحيى أن الإفراط في الاستهلاك هو نقطة أساسية في هذه العملية. «لقد تم دعم المياه تاريخيا بشكل كبير من قبل الدول العربية وفي بعض البلدان يتم توفيرها بشكل مجاني. هذا سيتغير قريبا، وبالفعل فإن الأمر قد بدأ يبدو أكثر تكلفة في بعض دول الخليج».
بعد سنوات من محاولة تشجيع السكان على تقليل على استخدام المياه أثمرت نجاحا محدودا، تستخدم دول مثل قطر الآن عقوبات ضد الهدر وضد المخالفين الذين يستخدمون مياه الشرب لغسل السيارات أو تنظيف الساحات بغرامات تصل إلى 5500 دولار.
وفي السعودية، فإن السياسات الجديدة التي تقلل أو تزيل الدعم المقدم للمياه قد أدت إلى غضب شعبي عارم. وقد حاولت السلطات أيضا خفض استخدام المياه بطرق متعددة.
وفي نهاية المطاف، ومن أجل تجنب هذه الأزمة يجب أن تبذل دول الخليج المزيد من الجهد لتوفير المياه العذبة. وهي بحاجة إلى تغيير التصور العام للمياه من مورد مجاني لا نهاية له إلى تصور أنه من السلع المكلفة، والمحدودة. كما أن على السياسيين مواجهة التحدي وليس أمامهم غير ذلك. «لا يمكنك أن تطلب من الناس تغيير نمط حياتهم جذريا، إنها ليست فكرة من شأنها أن تصبح فكرة شعبية».
أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-