دول » دول مجلس التعاون

السعودية تطلب اتفاقا وهميا

في 2016/08/18

عندما يعلو صوت الدوحة للدعوة لاجتماع عاجل لحل المعضلة النفطية العالمية، يجب أن تعلم أن الرياض تئن من كبوة اقتصادية ومشاكل لن تنتهي سوى بأمل صعود أسعار النفط، هذا الأمل الذي يداعب السعودية يطارد اتفاقا وهميا في ظل تنامي التوقعات بتثبيت غير حقيقي لإنتاج النفط.

فالمملكة ستكون في مهمة صعبة خلال اجتماع المنتجين الشهر القادم، حيث إن أكبر بلد مصدر للخام في العالم تريد أسعارًا مرتفعة لحل أزمتها الداخلية المتفاقمة، لكنها ستصدم بالإنتاج الإيراني والعراقي والروسي، الذين لن يدعوا المملكة تتوصل إلى اتفاق يقلص الإنتاج.

الرياض تحاول جاهده لبث روح التفاؤل في الأسواق، حيث قال وزير الطاقة خالد الفالح إن المملكة ستعمل مع أعضاء أوبك والمنتجين الآخرين من خارج المنظمة للمساعدة في استقرار أسواق النفط.

حديث الفالح يعطي مؤشرًا على التوجه السعودي الملح للتباحث بشأن اتفاق ينعش أسعار النفط من جديد لكنها معادلة قد تكون مستحيلة في هذا التوقيت، بالرغم من تصريح وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أن بلاده تتشاور مع السعودية والمنتجين الآخرين لإحلال الاستقرار في سوق النفط، إلا أن مثل هذه التصريحات ظهرت في اجتماع الدوحة الأول والثاني ولكن كانت النتيجة مخيبة للآمال.

وبعيدًا عن التصريحات الروسية والسعودية فإن منافسة الإنتاج على أرض الواقع مشتعلة كثيرًا، حيث رفعت السعودية إنتاجها إلى 10.67 مليون برميل يوميًا في يوليو الماضي من 10.2 مليون برميل يوميًا في يناير حينما ظهرت فكرة تجميد مستويات الإنتاج للمرة الأولى، وهو الأمر الذي يزيد من الصراع مع روسيا والولايات المتحدة على صدارة الإنتاج العالمي، وهو ما يوضح أن فكرة الاتفاق غير واقعية بالمرة في هذا التوقيت.

طهران من جانبها تسعى نحو استعادة حصتها السوقية التي فقدتها خلال سنوات العقوبات الغربية، حيث رفعت على مدى الأشهر القليلة الماضية ثالث أكبر منتج للنفط في أوبك إنتاجها ليقترب من مستويات ما قبل العقوبات ولمحت مرارًا إلى أنه لا توجد لديها أي خطط للانضمام إلى مبادرة تجميد الإنتاج، وروسيا وأمريكا لن يوقفهما أي اتفاق عن ثورة الإنتاج. 

على الجانب الآخر تريد العراق - ثاني أكبر منتج للخام في أوبك - زيادة إنتاجها إلى 4.6 مليون برميل يوميًا خلال خمس سنوات وهو أعلى بكثير من 3.6 مليون برميل يوميًا حاليًا، مما يعزز خروج العراق من الاتفاق كما ستلحقها ليبيا ونيجيريا كذلك، روسيا أيضًا رغم تصريحاتها الوردية فقد أشارت إلى أنها لا ترغب بشدة في الحوار وستواصل زيادة الإنتاج، حيث يحوم إنتاجها حاليًا قرب أعلى مستوياته على الإطلاق عند 10.85 مليون برميل يوميًا ويواصل الصعود.

العراقيل لا تأتي من داخل أوبك فقط، فمنتجو أمريكا الشمالية يواصلون القفز بالإنتاج، حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الإنتاج من خارج أوبك 300 ألف برميل يوميًا العام القادم بعد انخفاض بلغ 900 ألف برميل يوميًا في 2015.

كل المعطيات تجعلنا شبه متأكدين أن سوق النفط لن يشهد تغيرًا كبيرًا بعد اجتماع الدول الأعضاء في أوبك على هامش منتدى الطاقة الدولي الذي يضم المنتجين والمستهلكين وسينعقد في الجزائر من 26 إلى 28 سبتمبر، لكن الرياض تلعب بنار التوقعات على أمل إقناع الأسواق باتفاق مرتقب - وهو ما لن يحدث - مما قد يؤدي إلى صدمة عكسية تعصف بالأسعار.

البحث السعودي الحثيث عن اتفاق ينعش الأسعار يأتي بسبب الضغوط الداخلية المتفاقمة، فقد كشف برنامج متابعة مشاريع منطقة الرياض بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، أن عدد المشاريع المتأخرة والمتعثرة في منطقة الرياض بلغ 671 مشروعًا بتكلفة تصل إلى نحو 57.4 مليار ريال (15.20 مليار دولار)، هذا الرقم كبير جدًا بالنسبة لمنطقة الرياض، وهو ما يدل على أن الوضع العام مصاب بشلل شبه تام بسبب الأزمة النفطية.

من جانبها كشفت الهيئة العامة للإحصاء السعودية عن ارتفاع نسبة بطالة السعوديين الذين تفوق أعمارهم 15 عامًا إلى 11.6% خلال الربع الثاني من العام الحالي، بزيادة طفيفة عن النصف الثاني من العام الماضي الذي بلغت فيه 11.5%، حيث أفاد البيان أن عدد العاطلين وصل إلى 657936 شخصًا، موزعين بين 35.9% من الذكور، و64.1% من الإناث.

في الوقت ذاته يرى مركز أكسفورد للاستشارات الاستراتيجية أنه يجب على القطاع الخاص السعودي أن يوظف 4.1 ملايين مواطن بحلول 2030، بموجب "رؤية السعودية 2030"، للوصول إلى قوة عمل تناهز ثمانية ملايين شخص.

في الواقع لا يتبقى للسعودية سوى التعامل مع الواقع دون وضع حسابات صعود النفط ضمن خططها لأنها مراهنة خاسرة، وفي الحقيقة الأمر في غاية الصعوبة ولن يمر بدون قرارات قاسية سيكون المواطن السعودي أول المتلقين لتداعياتها السلبية سواء من خلال رفع الدعم أو ارتفاع الأسعار وهي ضريبة باتت حتمية على الشعوب العربية في الآونة الأخيرة.

| أحمد طلب - نون بوست-