إنّ دول الخليج هي من أكثر الدول شحيحة المياه في العالم. ومع موارد مائية محدودة ونقص في مياه الأمطار، اتجهت العديد من البلدان لتحلية مياه البحار، للحصول على حاجتها من الماء العذب.
لكن دول الخليج تتجه لـ «ذروة الملح»، فبقدر ما يتم تحليته من مياه الصرف الصحي، يتم إعادة المحلول الملحي إلى البحر، وهو ما يجعل الخليج أكثر ملوحة، وتصبح تحلية المياه أكثر تكلفة.
وتقول «غوتشي غونل» أستاذ الأنثروبولوجي بجامعة أريزونا: «في وقت ما، تصبح عملية التحلية مستحيلة من الجانب الاقتصادي. ستصبح المياه مالحة جدًا لدرجة تكون معها عملية التحلية مكلفة جدًا».
ويحتوي الشرق الأوسط على 70% من محطات تحلية المياه في العالم، غالبيتها في السعودية والإمارات والكويت والبحرين. وقد أنفقت هذه الدول عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات القليلة الماضية لتوسعة قدرات التحلية، حيث أنفقت السعودية وحدها 24.3 مليار دولار.
العملية مكلفة ومهلكة للطاقة، ويتم ضخ مياه البخر في تلك العملية خلال فلاتر أو غلايات خاصة لإزالة الملح. ويحوي المحلول الملحي الناتج ضعف الملوحة في مياه الخليج الطبيعية، وفقًا لـ«جون بيرت»، أستاذ البيولوجيا بجامعة نيويورك بأبوظبي.
ولكن الخليج الذي يبلغ مساحته 250 ألف كم مربع، يشبه بحيرة مالحة أكثر من كونه بحرًا. وهو خليج ضحل يبلغ عمقه 35 مترا في المتوسط، وشبه مغلق بالكامل. كما أن عدد الأنهار الصغير التي كانت تغذي الخليج إما سدت أو انحرفت. كما أدى المناخ الحار والقاسي للمنطقة لارتفاع معدلات التبخر. أضف ذلك إلى 70 مليون متر مكعب يوميًا من ماء الصرف شديد الملوحة الناتج عن عمليات التحلية في المحطات. لذا لا نفاجأ أن مياه الخليج صارت أكثر بـ 25% في ملوحتها من مياه البحار الطبيعية، وفقًا لما يقوله «بيرت»، وهذه المياه تصبح أكثر ملوحة مع الوقت ولا تصلح للاستخدام.
وتقول «غونل» أنّ «ذروة الملح» تعكس ذروة النفط، وهو مفهوم شائع من السبعينات تم استخدامه ليصف الوقت الذي وصلت فيه مستويات استخراج النفط إلى أعلى معدلاتها. وتضيف: «تصف ذروة الملح النقطة التي تصبح عندها تحلية المياه غير ممكنة».
وتشير الدراسات أن الخليج سيصبح أكثر ملوحة في المستقبل. ويقول «رائد بشيتي الشاعر»، مهندس الموارد المائية بجامعة لوند السويدية، أنّ نمو محطات تحلية المياه في المنطقة يحدث بصورة متسارعة عمّا قدره في دراسة له عام 2011.
ومع استنفاذ المياه الجوفية أو عدم وجودها، والتغير المناخي الذي جلب درجات حرارة عالية غير مسبوقة وقلة الأمطار، كل ذلك يدفع دول الخليج للتخطيط لمضاعفة حجم تحلية المياه بحلول عام 2030. ويعدّ هذا خبرًا سيئًا جدًا للحياة البحرية ولتكلفة مياه الشرب، إلا إن تم إيجاد حل بخصوص المحلول الملحي.
ويعتقد «فريد بن يحيى»، المهندس الكيميائي بجامعة قطر، أنّه يملك حلًا. وقد حصل على براءة اختراع مؤخرًا والتي يمكن أن تقضي على الحاجة للتخلص من المحلول الملحي بنسبة تقارب الـ 100%. وتستخدم العملية ثاني أكسيد الكربون النقي (المنبعث خلال عملية تحلية المياه عن طريق حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة) والأمونيا لتحويل المحلول الملحي إلى صودا الخبز وكلوريد الكالسيوم. ويظل أمر فعالية العملية من حيث التكلفة قيد الدراسة، لكن «بن يحيى» يرى أنها ستكون فعالة، إذا ما تم إيجاد الأسواق التي تستوعب الكميات الكبيرة من المنتجات النهائية للعملية.
وتبذل جهود أخرى من أجل الحد من انبعاثات الكربون التي تمثل حجم انبعاثات بلد بأكملها، وبلغت عالميًا 76 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ما يعادل انبعاثات رومانيا في 2014.
وقد تم تشكيل التحالف العالمي لتحليل المياه النظيفة في عام 2015 للتعامل مع هذه المشكلة عن طريق زيادة الكفاءة والتحول إلى مصادر الطاقة البديلة، مثل التحلية بالطاقة الشمسية. ويتوقع أن تمتلك السعودية محطة تجارية تشغيلية بحلول عام 2017، وفي كاليفورنيا من المنتظر إنشاء محطة تحلية مياه بالطاقة الشمسية تجمع بين الابتكار والكفاءة والتصميم.
وتقول «غونل» أنّ أسعار المياه عائق أيضًا أمام تحسين كفاءة المياه في الخليج، حيث صرحت أنّ «صناع سياسات التغير المناخي في المنطقة يضغطون باتجاه حملات التوعية بين المستهلكين حول أسعار المياه، للتوضيح لكل من الحكومة والمواطنين أنهم لا يمكنهم الاستمرار باستخدام الماء بنفس الطريقة».
الغارديان- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد -