لا أحد يشك في هذا العالم أن الاهتمام الغربي بالخليج العربي عبر علاقات ممتدة منذ أزمان بعيدة ليس من أجل أن الغرب كان يبحث عن صداقات مع شعوب كثيرة في هذا العالم، لينقل إليه منها ثقافات متعددة متلونة تضيف إلى ثقافته أبعادًا إنسانية قد يكون في حاجة إليها، ولا لأن بها ما ينقصه من علوم عالمية شائعة لم تصل إليه من قبل، كما كان يفعل الأجداد من الغربيين، حينما سافروا إلى الأندلس حينما كانت عربية إسلامية، لينقلوا منها إلى بلدانهم نتاج حضارة رأوها تقدمت وهم لا يزالون في متاهات الجهل يعمهون. كل هذا لم يكن الغرب يبحث عنه بقدر ما كان يبحث عن ثروات تساعده على النهوض بأوطان شعوبه، وقد رأينا العديد من دول الغرب تتوجه إلى المشرق عربيًا كان أم أعجميًا، من أجل استعماره ووضعه تحت النفوذ لهذه الدولة أو تلك من الدول الغربية، كانوا يحتلون من المشرق أقطارًا ويسمونه استعمارًا، أي أنهم إنما جاءوا من أجل عمارة هذه البلاد، بل وأشاعوا الكذبة العظمى أنهم إنما جاءوا ليُحضِّروا هذه المجتمعات، ينتشلونها من البدائية والتخلف بل ومن الجهل، وانكشفت الدعاوى الباطلة، حينما رحلوا عن بلدان كانت قبلهم زهرة الشرق، فإذا بها بعد رحيلهم من أفقر مناطق العالم، وهي كانت للحضارات القديمة مهدًا، وللعلوم منبعًا، هكذا هو الغرب ماضيه معنا لا يشهد له بل يشهد عليه، والولايات المتحدة الأمريكية حاولت تزعم الغرب بعد أن استطاعت أن تطرد سكان الأرض التي احتلها الغربيون من أمريكا الشمالية، وتحولت إلى هذه الدولة العظمى المسماة اليوم الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لا تزال تزهو بأنها القوة العظمى في هذا العالم، فسيطر عليها الشعور بأنها القوة الأولى في هذا العالم، وأن من حقها وضع الإستراتيجيات الكبرى للهيمنة على كل ثروات المناطق الأخرى في العالم، وباعتبار أن آسيا وأوروبا قارة واحدة، كما تحدثت بذلك الدراسات الأمريكية وأن اسمها أوراسيا، وبالأخص طرفها الغربي، فهي جزء مما تستحقه أعظم قوة في العالم، وذهبت إلى الإيمان بأن لها الحق في إخضاع بقية العالم لسيطرتها، وهي بهذا لا تخفي أبدًا غاياتها في الجزء الخاص من هذه الأوراسيا (المنطقة العربية) خاصة منطقة الخليج العربي والسعودية في القلب من هذه المنطقة، وما حكايات التحالف أو نشر الديمقراطية أو الإلزام بقواعد الحقوق للأفراد والجماعات إلا وسيلة من وسائل إحكام السيطرة على هذه المنطقة، وفرض الهيمنة عليها، ثم الاستفادة من ثرواتها، ولو بدعوى أنها دول تؤيد الإرهاب، وعقلاء الأمريكيين يعلمون هذا، وأن كل ما تشيعه الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن بلداننا العربية الخليجية إلا من خضع لها وأبقى زمامه بيدها، إنما هو فقط مبرر لمن تنوي هذه القوة الأولى زعمًا في العالم من اتخاذه من خطوات للهيمنة على ثروات هذه المنطقة بأي طريقة، ولو كانت أحط الطرق في عالمنا، وأدرك كل هذا مواطنو مناطقنا العربية مثلما أدركته حكوماتهم الملزمة باتباع القانون الدولي، وآداب السياسة في عالمنا المعاصر في تعاملها مع دول تعرف أطماعها في ثروات بلدانها، والأفراد منا حتمًا ليسوا ملزمين بهذا، وهم يرون بلدانهم تتعرض لخطر جسيم، والعالم من حولنا يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية عبر الإدارات المتلاحقة التي تولت الحكم فيها أدت بها إلى دولة غارقة في الديون، اقتصادها في مهب الريح، فانهياراته أخذت تتابع بعضها خلف بعض، وقد تُمْنَى بانهيارٍ عظيم لم يسبق له مثيل عما قريب، والولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة التي أخذت عبر تصرفات حمقاء تعدد أعداءها، حتى يكاد المتابع العصري لا يجد بين دول العالم لها صديقًا، أما الأعداء فلا حصر لهم، وإذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنجو فلتعد إلى العقلانية فتبني علاقاتها مع الدول الأخرى على مصالح حقيقية مشروعة، لا مصالح وهمية ترسمها لنفسها وتظن أنها عبر القوة تفرضها على الآخرين، بقدر ما يزول هذا الوهم بقدر ما تعود دولة عظمة حقيقة لا وهمًا.. فهل تفعل؟! هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.
عبدالله فراج الشريف- المدينة السعودية-