عشية "الثلاثاء الكبير"، الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، موعد حسم الانتخابات الأمريكية بين الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطية هيلاري كلينتون، ينتظر الخليجيون معرفة هوية رئيس الولايات المتحدة القادم؛ لمعرفة مستقبل الحلف الوثيق الذي يمتد لأكثر من نصف قرن بين الجانبين.
فالرئيس المقبل -أياً يكن- على موعد مع العديد من الملفات الخارجية الساخنة، التي تتشارك فيها بلاده مع دول الخليج؛ كالحرب في سوريا، والحرب على تنظيم "الدولة"، والوجود الروسي في البحر المتوسط، والعلاقات مع إيران، فضلاً عن القضية الفلسطينية.
فترامب لطالما أطلق تهديدات عنصرية تجاه المسلمين ودول الخليج العربي، في حين أن الديمقراطية كلينتون تعهدت في أكثر من مناسبة بالعمل جنباً إلى جنب مع الشركاء الخليجيين لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط.
-إعادة الروح للعلاقة
وحول أي المرشحين تفضّل دول الخليج العربي التعامل معه، اعتبر زهير الحارثي، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى السعودي، أن الديمقراطية هيلاري كلينتون، أنسب من ترامب لتولي رئاسة الولايات المتحدة، ولتكون شريكاً للمملكة.
وأضاف الحارثي في حديث مع "الخليج أونلاين": "كلينتون الأفضل لرئاسة الولايات المتحدة؛ لأنها الأقدر على رسم سياسة خارجية مع دول الخليج، ولا سيما المملكة؛ نظراً لقدرتها على التعامل مع قضايا المنطقة، وخبرتها السابقة فيها".
ولفت إلى أن "كلينتون أكثر قدرة على التعامل مع الملف الإيراني تحديداً؛ لفهمها أن إيران هي سبب التوتر وتأزيم المنطقة، من خلال دعم الجماعات الطائفية المتشددة فيها".
وشدد على أن من سيصبح رئيساً للولايات المتحدة فعليه "أن يطرح رؤية جديدة للمنطقة تمحو آثار سياسة أوباما التي سببت الكوارث والحرائق في المنطقة، لا سيما في سوريا؛ بسبب تقاعس إدارته عن وضع حدٍّ لنظام الأسد".
كما طالب عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى السعودي، الرئيس الأمريكي الجديد، أياً كان، بفتح نقاش حي وموضوعي مع دول المنطقة لإعادة الحيوية للعلاقات، وإيجاد تفاهمات جديدة حول القضايا الساخنة فيها.
-خبرة وتجربة
الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، اتفق مع الدكتور زهير الحارثي بأن كلينتون هي الأفضل لتكون على رأس مكتب البيت البيضاوي.
وقال الدكتور عبد الله في حديثه لـ "الخليج أونلاين": "كلينتون هي الأفضل لعدة أسباب؛ منها أنها ذات خبرة وجدارة وتجربة ومقنعة أكثر بكثير مما يتمتع به ليس فقط ترامب، بل أيضاً أفضل من الرؤساء الخمسة الذين سبقوها (رونالد ريغان، جورج بوش الأب، بيل كلينتون، جورج بوش الابن، باراك أوباما)".
وأضاف: "كلينتون تعرف المنطقة والخليج وقادتهم، وتعرفت على أزمات ومطالبات عن كثب خلال فترة توليها حقيبة وزارة الخارجية، كما تعرفها العواصم الخليجية، وتعاملت معها، وتثق بها، فهي تعرف كيف ستتعامل مع المنطقة من أول يوم ستسكن فيه البيت الأبيض، ومن ثم ليس هناك مجال للمقارنة بينها وبين ترامب".
واستطرد قائلاً: "ترامب لا يفقه في أبجديات السياسة والدبلوماسية، وجاهل بأزمات المنطقة، وأيضاً من خلال خطبه لا يبدو أنه جدير بالثقة، وسيجلب معه جرعة كبيرة من عدم اليقين وعدم الاطمئنان للسياسة الأمريكية".
لكن في حال أعطى الناخب الأمريكي ثقته لدونالد ترامب، وبات سيد البيت الأبيض، أوضح الدكتور عبد الخالق عبد الله، أن دول الخليج العربي سوف تحترم قرار الشعب الأمريكي، وبعد ذلك سيتم التعامل معه كرئيس، وفي كل خطوة سيتم تقييم مسار التعامل.
ورأى عبد الله أنه "في حال فوز ترامب فسيكون أقل ميلاً لإيران من أوباما، وأتوقع أن يكون أكثر حزماً في الملف السوري من أوباما، وهذا مرحب به".
لكنه أكد في ذات الوقت أن ترامب شخص متناقض ولا يمكن التعويل عليه، مبيناً أنه "يقول شيئاً اليوم ثم يقول غيره غداً، هو يقول شيئاً كمرشح لكنه كرئيس عليه أن يفعل شيئاً آخر".
وكان المرشح الجمهوري تعهد بإلغاء الاتفاق الذي وصفه بأنه "كارثي"، والذي أبرم في يوليو/تموز 2015 بين إيران والقوى الكبرى، وأثار توتراً شديداً مع حلفاء واشنطن التاريخيين، وفي مقدمتهم دول الخليج العربي، وعلق عبد الخالق عبد الله على هذا التعهد بالقول: "إنه ادعاء لا ينبغي تصديقه كالكثير من ادعاءته".
-تشاؤم
من جانبه اعتبر الدكتور محمد صالح المسفر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، أن "كلا المرشحين لن يحقق أهداف الدول الخليجية كما ينبغي".
لكن المسفر رأى في حديثه لـ "الخليج أونلاين" أن "ترامب رجل جديد على الساحة والسياسة الدولية، ومن ثم فإن مجيئه قد يكون خراباً أو نافعاً، وقد سبقه في ذلك الرئيس الأسبق، دونالد ريغان، الذي لم يأت من خلفية سياسية، وقاد العالم إلى عنف وتهديد"، مشيراً إلى أن "كلينتون لديها الخبرة التي تجعلها تتفوق على ترامب".
لكن في الوقت نفسه أشار المسفر إلى أن "الشارع الخليجي والعربي لا يستبشر بالانتخابات الأمريكية؛ لأن كلا المرشحين تسابق في تأييد إسرائيل، والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لها".
وتابع: "تناوب علينا الكثير من الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، لكنهم ألحقوا بنا خسائر وهزائم"، معبراً عن أمله في أن يراهن الحاكم العربي والخليجي على "وحدة شعبه والأمة، وإعادة صياغة العالم العربي مرة أخرى لحل النزاعات في سوريا والعراق واليمن، وحل القضية الفلسطينية".
-مسار العلاقة
لكن تبقى العلاقات الخليجية - الأمريكية، وفق محللين، تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، على الأقل على المدى المنظور، وفي تعزيز المسارات المختلفة بينهما لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة.
ويقول الدكتور خليل جهشان، الخبير في الشؤون الأمريكية، والمدير التنفيذي في المركز العربي في واشنطن: إنه "إذا ما وصلت هيلاري كلينتون للبيت الأبيض فإنها ستضطر للانتباه أكثر إلى سياساتها مع دول الخليج".
وأرجع ذلك إلى أن "أوباما لم ينتبه خلال السنتين الأخيرتين تحديداً إلى التغيرات الجذرية التي تعاملت بها الدول الخليجية، ولا سيما السعودية، مع قضايا السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، والتي ظهرت جلياً في اليمن، وواشنطن لم تتأقلم مع هذه التغيرات، وما زالت تعمل وفق قواعد اللعبة القديمة"، على حد تعبيره.
واستبعد أن يؤدي وصول ترامب إلى الحكم في واشنطن إلى خدمة مصالح الدول الخليجية، مبيناً ذلك بأنه "لن يتعاطف مع المصالح الخليجية والعربية؛ بسبب آرائه وخلفياته العنصرية تجاه العرب والمسلمين".
وعبر جهشان عن اعتقاده بأن العلاقات الخليجية- الأمريكية سوف تستمر، دون أن يستبعد حصول بعض الإشكالات، وستأخذ واشنطن العلاقة معها مستقبلاً بشكل جدي أفضل من فترة حكم أوباما".
عبدالله حاتم - الخليج أونلاين-