عندما حاولت «كاريل ستيرن»، الرئيس والمدير التنفيذي لصندوق الولايات المتّحدة لليونيسيف، زيادة الدعم المالي لأطفال اللاجئين بالشرق الأوسط، قالت إن العديد من الأمريكيين «نظروا إليها بدهشة». حيث اتّضحَ أنّ هناك اقتناع منتشر بين المتبرّعين أنّ دول الخليج هي «دول غنية بالنفط ولا تراعي مواطنيها». والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو نظرتهم للمنطقة كمرتع للإرهاب، وبالتّالي فإنهم لا يريدون التبرّع لتلك الدول.
لكنّ الواقع يقول أنّ أكثر 6 دول استقبالًا للاجئين تقع في الشرق الأوسط، وهذا يدل على أنّ هذه الدول لا تتواصل جيّدًا مع بقية العالم، كما تقول «ستيرن». وقد ناقشت مع باقي أعضاء المنصّة في مؤتمر وارتون مؤخّرًا، كيفية تقديم دول الخليج لنفسها، وتعني البحرين والعراق والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات.
ووفقًا لتقرير أفضل الدول، وهو دراسة استقصائية عالمية لأناس من 60 دولة حول العالم قدّمت في المؤتمر، تحتاج دول المنطقة لبعض التلميع. وقالت «أنّا بلندر»، النائب الأول لرئيس شركة استشارات باف العالمية المختصّة باستراتيجيات العلامات العالمية: «يراها النّاس دولًا دينية ومنيعة ومتخلفة»، وقد شاركت مؤسّستها في نشر التقرير.
وأضافت «بلندر»: «لا يفهم الناس حقيقة كل شيء. لذا فالأمر يعود لتلك الدول لتعريف الناس حقيقة أمرها وما هي عليه، وللترويج لصورتها حول العالم، لأنّ هذا يعود بالنهاية بالازدهار على شعوبها».
وقد أشار «جيلين ويل»، الباحث البارز في مايكروسوفت للبحوث والمحاضر الزائر بجامعة ييل للاقتصاد، إلى أنّ معظم النّاس يعتقدون أنّ الدول الثرية مثل كندا والنرويج تعطي بسخاء للبلاد الفقيرة. لكن «الإمارات وقطر ترسل (ما يعادل) 4000 دولار مقابل كلّ شخص، بينما كندا، العضو الأكثر سخاءً في منظّمة التنمية والتعاون الاقتصادي، ترسل فقط 900 دولار» مقابل الفرد.
علاوة على ذلك، فحجم الهجرة إلى دول الخليج أكبر حتّى ممّا يعتقد الناس، وفق ما قاله «ويل». وفي الولايات المتّحدة، يوجد تقريبًا مهاجر واحد من دولة فقيرة مقابل كل 15 مواطن أمريكي. لكن في دول الخليج، اعتمادًا على الأرقام الرسمية بتلك الدول، فهناك ما بين 4 إلى 9 مهاجرين مقابل كل مواطن، بحسب ما أكّد.
وأضاف «ويل» أنّ الغرب لديه «منظور مشوّه» لا يعترف «بالمساهمة التي تقدمها دول الشرق الأوسط حقًا لتحقيق الازدهار العالمي». وقد أبدى إشارة إلى أنّ الكثير من الفقراء من بلاد مثل بنغلاديش وباكستان والهند يذهبون إلى دول الخليج ويرونها مكانًا لخلق مستقبلهم، «مثلما فعل أجدادنا وجداتنا عندما قدِموا للولايات المتّحدة»، قال ذلك أمام الجمهور الذي كان أغلبه من الأمريكيين.
وأشارت «ستيرن» إلى جهدٍ إنسانيٍ آخر كثيرًا ما يتمّ تجاهله. وقالت: «تمثّل الشيخة موزة بنت ناصر المسند مثالًا عظيمًا»، في إشارة إلى واحدة من أفراد الأسرة الحاكمة في قطر. وأكملت: «لقد أنشأت مؤسّستها (علّم طفلًا) عام 2012. وقد نجحت بالفعل في إدخال 10 مليون طفل إلى التعليم، لكنّ العالم ببساطة لا يرى ذلك».
الترويج الناجح لجهود الخليج
وقالت «بليندر» أنّ ثلاث صفات تساهم بشكل أساسي وإيجابي في صورة أيّ دولة. أنّها «تفعل الخير» بالنّسبة للمواطنة العالمية وحقوق الإنسان والمساواة، وتخلق مستوى عالٍ من المعيشة لشعبها، وتعزّز الإبداع وريادة الأعمال. وأشار «كلايتون ريوبنزال»، نائب رئيس إدارة وتصميم العلامة التجارية العالمية في شركة أمريكان إكسبريس، إلى أنّ مدينة دبي في الإمارات تعتبر مثالًا للمدينة الشاملة عرقيًا التي تتمتّع بعلامة تجارية مميّزة في الخليج.
وقد وصف «ريوبنزال» دبي بالنموذج الناجح لاقتصاد المعرفة، مؤكّدًا على العديد من المناطق الاقتصادية المميّزة بها، مثل مدينة الإنترنت ومدينة الإعلام وحي التصميم، والتي جذبت المستثمرين الأجانب. وقال: «لقد وضع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أمير دبي رهانًا كبيرًا على الإبداع والنمو العالمي المستدام».
وأشار «ريوبنزال» أنّ هناك حاجة «للسّماح للنّاس بمزيد من المعرفة عن سخاء منطقة الخليج وعن فرص الاستثمار هناك أيضًا».
كما تناول «ريوبنزال» الاعتقاد الشائع بأنّ كل ثروات دول الخليج تأتي من النفط. وأشار إلى أنّ 3% فقط من المواطنين فائقي الثراء في دبي ثرواتهم من النفط. وقال: «هناك العديد من العائدات التي تأتي من طريق غير النفط في المنطقة». ووفقًا لـ«بلندر»، فقد أشار «الشيخ محمد» في تصريحٍ حديث بأنّ 77% من اقتصاد دبي يأتي من القطاعات غير النفطية.
وقد تحدّثت «بلندر» حول بعض الطرق التي تحاول بها دول الخليج تحسين صورتها. والسّعودية على سبيل المثال، تعمل مع وكالات العلاقات العامّة لترتيب مؤتمرات عالمية. وقالت أنّ تلك المؤتمرات تعمل على جذب النّاس الذين لا يملكون خبرات وتجارب عن المنطقة، وإظهار قوّة السعودية من المنظور الاقتصادي والإبداعي والتعليمي.
وهناك محاولة أخرى من السعودية لتحسين صورتها عن طريق إنشاء مدينة جديدة هي مدينة الملك «عبد الله» الاقتصادية، والتي صمّمت لجذب التجارة العالمية. لا يزال المشروع في مراحله المبكّرة كما قالت «بلندر»، لكنّ «المشروع يسهم في تحسين صورة المملكة كقوّة اقتصادية، باعتبارها قوّة ابتكار».
وبالنّسبة للإمارات، فقد أنشأت وزارة السّعادة، مع إمكانية إنشاء مؤتمر في المستقبل حول هذا الموضوع، كما قالت «بلندر». وقد يكون السؤال لمواطني دبي هو: ماذا يمكن عمله لخلق المزيد من السعادة؟ ونشر هذه المحادثة عالميًا، لجعل الأشخاص حول العالم يفكّرون في السّعادة عندما تذكر دبي.
السياسة والسمعة
وجاءت بعض التعليقات من الحضور لتعارض ما قاله أعضاء اللجنة. وعلى سبيل المثال، جلبت واحدة من الحضور قيود التجنيس في دبي. وقالت:«أعلم أنّ دبي تذكر حول مدى كونها مدينة عالمية، لكن في النهاية، أنا كهندية، يمكنني الذهاب والعمل في دبي وأنا أعلم أنّني لن أصبح أبدًا مواطنة. وفي الـ 60 من عمري، سيكون عليّ التفكير بحزم حقائبي والمغادرة».
وأشارت أيضًا إلى أنّه في حين تقوم الشيخة موزة بـ«عمل عظيم» في التعليم، فإنّ قطر «لا تساعد نفسها» حين تشير التقارير إلى أنّها تنتهك حقوق الإنسان ضدّ المهاجرين النيبال. «وهنا يثار تساؤل حول مدى جودة الصورة التي تصدّرها تلك الدول عن نفسها من خلال السياسة، ولماذا لا تفكّر في نوع النّظام السياسي الذي تريد أن تكون عليه على المدى الطويل».
وخرج أحد الحضور ليتكلم بناءً على تجربة شخصية له في الشرق الأوسط، كما زعم. وقال أنّ هناك حاليًا «هجرة جماعية» للعمالة المهاجرة للخروج من السعودية. «لقد مرّروا تلك العملية في هدوء، لكنّنا نتحدّث عن عشرات الآلاف الذين طولبوا بالخروج، لكي تستطيع الحكومة توفير المزيد من الأماكن الوظيفية لمواطنيها».
واعترف «ريوبنزال» أنّ صورة الدولة ونظامها السياسي مرتبطان، وهو ما يمثّل تحدّيًا. لكن هناك دائمًا مجال للتحسين. إحدى الطرق لذلك هي الجهود الخيرية. على سبيل المثال، كما قالت ريوبنزال، «أعتقد أنّه يمكنك رؤية ما يحدث في السّعودية اليوم حيث بدأ التقليديون المحافظون يعملون على نهج أكثر توازنًا تجاه حقوق المرأة». هناك «محاولة لتحديث النهج المتّبع تجاه المرأة، وكذلك تحديث المجتمع، وبذلك سينجح كلّ شيء».
فير أوبزفر- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-