تعد أكثر أوهام السياسة الخارجية إغراء للإدارة الحالية، هو إمكانية حشد الدول العربية السنية الرئيسية في خدمة مصالح الولايات المتحدة.
وقد قال الرئيس «ترامب» في تجمع انتخابي مؤخرا في ولاية فلوريدا، أنه سيجبر دول الخليج على دفع ثمن مناطق آمنة في سوريا «لأن ليس لديهم شئ سوى المال». وفي حديثه الأخير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، قال إنه سيعمل على إشراك شركاء (إسرائيل) العرب في صفقة أكبر وأكثر أهمية بكثير، تحتاج الكثير والكثير من البلدان وتغطي مساحة كبيرة للغاية من الأراضي.
وكان «ترامب» ومساعدوه يخططون بشكل مكثف لبناء تحالف عربي لدحر النفوذ الإيراني في المنطقة. على ما يبدو أن هذا سيكون يوم جديد ستشرق فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والعرب.
إن أي شخص يعاني من هذه الرؤى يجب أن يستلقي بهدوء حتى يمر الإحساس. هناك الكثير من الأمور التي قد تكون الولايات المتحدة قادرة على القيام بها مع الدول العربية السنية مثل السعودية ومصر والأردن ولكن تعزيز جدول أعمال «ترامب» المطروح ليس واحدا منها.
من المرجح ألا نجد تناغما من العرب تجاه رؤيته لمصالح الولايات المتحدة. إنهم سوف ينتقدون أخطاءه علنا كما في غزو إدارة «بوش» للعراق وفشل إدارة «أوباما» في فرض خط أحمر على استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية.
منذ أعلن الرئيس جيمي «كارتر» المصلحة الأمريكية الحيوية في الخليج أواخر السبعينيات، كان التعاون الأميركي العسكري والأمني مع الدول العربية في الخليج ذو اتجاهين إلى حد كبير. وخلال هذه الفترة، قدمت تلك الدول للولايات المتحدة المنشآت العسكرية والدعم المادي للدفاع عن الخليج ضد الغزو السوفيتي ودعمت المقاتلين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي. وقامت البحرية الأمريكية بحماية الملاحة في مياه الخليج. ومنعت إيران من هزيمة العراق في حربها التي استمرت ثماني سنوات. وتم صد الغزو العراقي للكويت. ودعمت هذه الدول قوات الولايات المتحدة في الحرب على العراق، وساندت عمليات الولايات المتحدة في أفغانستان، والحملة ضد الدولة الإسلامية.
وعلاوة على ذلك، في معظم هذه الفترة، استضافت البحرين الأسطول الأمريكى الخامس. وتتبادل واشنطن أيضا قدرا كبيرا من المعلومات الاستخباراتية حول الإرهاب مع هذه الدول. وعلى الرغم من وجود الخلافات (وخاصة خلال الغزو الأمريكي للعراق، وإسرائيل، وممارساتها المحلية)، كان عرب الخليج شركاء موثوق بهم في حماية المصالح الأميركية الأساسية من الحفاظ على الحصول على نفط الخليج، ومكافحة الإرهاب ومنع بلد معاد من الهيمنة على المنطقة.
تحديات العلاقة
تتطور رؤية «ترامب» تجاه دول الخليج بشكل واضح. وقد كان الازدراء باستمرار تجاه السعودية في الحملة الانتخابية واضحا، حيث كان «ترامب» رافضا العلاقة في ظل مزايا صغيرة لواشنطن كما يرى. ربما كانت لدى «ترامب» فكرة بسيطة عن تاريخ العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة و دول الخليج واختار عدم التركيز على مليارات الدولارات من المعدات العسكرية التي يشترونها من مقاولي الدفاع الأمريكي. ولكن دفع الحلفاء والشركاء الأمنيين أدى إلى بذل المزيد من الجهد نحو تعزيز نقاط التفاهم عند الرئيس. يعرف الثلاثي المكون من مستشار الأمن القومي «ماكماستر» ووزير الدفاع «جيم ماتيس»، ووزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، دول الخليج بشكل وجيز جيدا وسوف يحتاجون أيضا إلى استكشاف ما يمكن القيام به لكسب وإعادة توظيف دعم الدول العربية في خدمة المصالح الأميركية.
يريد «ترامب» تعميق العلاقات مع دول الخليج العربية في ثلاثة مجالات أساسية: مواجهة النفوذ الإيراني،. والمكافحة ضد الدولة الإسلامية، والتفاوض على السلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين.
ولكن نفس التناقضات والتحديات التي أعاقت العلاقة لا تزال موجودة. لقد فشل مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس عام 1981، في تحقيق أي تكامل عسكري ذي معنى. لم يكن ذلك لعدم وجود جهود الولايات المتحدة لحثهم في هذا الاتجاه، ولكن انعدام الثقة والخلافات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي هي السبب. ثم هناك مسألة غير مريحة سياسيا وهي الدعم السعودي والإماراتي الخاص لبعض الجماعات الجهادية التي تسعى لهزيمة الولايات المتحدة. وبخصوص هذا الأمر، فإن أقل ما يمكن لإدارة «ترامب» أن تطلبه من العرب السنة تعديل بعض السياسات والميول الخاصة بهم.
ويقال إن البيت الأبيض يريد تشكيل تحالف عسكري معاد لإيران. وقد بدأ التشاور مع الحكومات العربية السنية حيال ذلك، وتشير المساعدات العسكرية الأمريكية للحملة التي تقودها السعودية في اليمن لإثبات هذه الشراكة الجديدة. وهذا يكفي لجعل المرء يدور رأسه. وكانت حملة السعودية و الإمارات لهزيمة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن كارثية، وتركت دمارا واسع النطاق سواء في عدد الضحايا المدنيين والمزيد من المعاناة الإنسانية. وكانت الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إيجاد حل تفاوضي قد فشلت أيضا وهذه بالطبع ليست المشاكل التي تريد واشنطن أن تلعب دورا محوريا فيها.
يتعين على الحكومات السنية ممارسة التأثير والوصول إلى الحلفاء في العراق للمساعدة في القتال ضد الدولة الإسلامية، لإبعاد قوة الميليشيات الشيعية الوكيلة لإيران، وللمساعدة في تحقيق الاستقرار وإعادة إعمار العراق بعد ذلك. وقد بدأت عملية طرد الدولة الإسلامية من الموصل. قد يكتب لدول الخليج العربية المزيد من النجاح في منع توسع النفوذ الإيراني في البحرين، ولكن فقط إذا كانت هناك ضغط على البحرين لتخفيف الضوابط الداخلية القمعية، والتي تعطي إيران فرصا واسعة للتحريض بين شركائها الشيعة.
ولم يكن السعوديون على استعداد للقيام بهذا خوفا من أن أي حل وسط مع المعارضة في البحرين من شأنه أن يؤدي في النهاية إلى انهيار النظام المجاور. وقد قوبلت مقترحات أمريكية لدول الخليج للعمل معا في الدفاع البحري في الخليج باستجابة فاترة. باختصار، إن دحر النفوذ الإيراني في المنطقة، دون أن يعرض الأهداف الأمريكية الهامة الأخرى للخطر، هو أمر صعب لأنه شئنا أم أبينا، فإن الإيرانيين وعملاءهم يتمتعون بمزايا هامة على أرض الواقع.
سوريا والقضية الفلسطينية
وبالمثل، فإن حشد الدول العربية الرئيسية للعب دور أكبر في السياسة الأمريكية تجاه سوريا لا يزال تجربة فكرية أكثر من كونه واقعا عمليا. وترحب دول الخليج بتعهد «ترامب» بالقضاء على الدولة الإسلامية ، ولكنها ليست على استعداد واضح لقبول روسيا كشريك كبير في تحديد ما يحدث داخل البلاد، وكذلك فيما يخص السكوت على بقاء «الأسد» وتقليص دعم المعارضة السورية. كما أن تعامل دول الخليج مع اقتراح «ترامب» في تمويل مناطق آمنة في سوريا سيكون على أنها فكرة محفوفة بالمخاطر وغير مدروسة الهدف.
والحقيقة غير المريحة سياسيا لدول الخليج في سوريا هي المخاطر المحتملة. فالشكوك لدى الأنظمة السنية تتمثل في أن جدول أعمال «ترامب» الرئيسي وهو تدمير الدولة الإسلامية سيسمح لنظام «الأسد» وإيران بملء الفراغ وتهديد مصالح دول الخليج . إن فكرة تمدد الهلال الشيعي ليغطي المنطقة كلها مبالغ فيها، ولكن الأمر في سوريا يبدو حقيقيا.
يوجد منطقة أخرى حيث يفوق التفاؤل الواقع وتتعلق بدعم الدول العربية لعملية السلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين. ومن الواضح أن هذا يستحق الاختبار، لاسيما في ضوء الاتجاه الإيجابي في العلاقات بين (إسرائيل) ودول الخليج التي يقودها الخوف المشترك من إيران والمتشددين السنة. ومن المؤكد أن عملية السلام شيء آخر. ولكن مفهوم توسيع دائرة صنع السلام (لتقديم تنازلات من جميع الأطراف في صفقة أقل إيلاما و أكثر أمنا) هو النبيذ القديم الموضوع في زجاجات جديدة. ويمكن أن تكون الجهود مثمرة إذا كانت (إسرائيل) والفلسطينيين على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة في بعض القضايا الجوهرية، مثل الحدود والقدس. ولكن ليس هناك دليل على ذلك. في الواقع، فإنه من الصعب أن نصدق أن الدول العربية ستتخلى عن مبادرة السلام العربية 2002 وستقوم بالضغط على الفلسطينيين من أجل شيء غير ملموس في المقابل. يرسل السعوديون بالفعل إشارات إيجابية، ولكن لا شيء يأتي مجانا.
ستكتشف واشنطن عاجلا أو آجلا، ونأمل أن يكون ذلك قبل إلحاق ضرر حقيقي بمصالح الولايات المتحدة، أن العرب السنة سيكونون مشكلة للشراكة الأمنية، وسوف تتعقد خطط التعاون الإقليمي. هذه الدول لديها سجل سيء جدا من اللعب بشكل جيد معا، و تفتقر إلى الكثير من الأساسيات العسكرية لعمليات التحالف الفعالة. ينبغي على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما بوسعها للتهدئة بدلا من تأجيج الصراع الطائفي بين السنة والشيعة الذي تدور رحاه في جميع أنحاء المنطقة.
في نهاية المطاف، فإن إدارة «ترامب» ستصاب بالإحباط مثل سابقتها. وبعض السياسات، مثل فرض قيود على هجرة المسلمين ودعم العناصر المتشددة في (إسرائيل)، ليس من شأنه سوى جعل التعاون أكثر صعوبة.
تحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على توقعات منخفضة للعمل بشكل وثيق مع دول الخليج السنية. هناك مجالات ممكنة للتعاون في الدفاع وحماية البنية التحتية الحيوية في الخليج ضد الهجمات الإيرانية والهجمات الإرهابية البحرية والصواريخ الباليستية. ولكن رؤية التقارب الجديد مع السنة كتحرك ضمن استراتيجية الولايات المتحدة على نطاق أوسع في الشرق الأوسط هو أمر معيب. لماذا ندخل إلى مزيد من الصراعات، مثل الذي في اليمن، وهو لا يؤثر على مصالحنا الحيوية.
وإذا مضينا في ذلك، سوف يسحب أصدقائنا في الخليج واشنطن إلى التزامات مكلفة ومحفوفة بالمخاطر ولن تكون الولايات المتحدة قادرة على تلبية ما يريدون. سوف تتحمل الولايات المتحدة كامل الأثقال إذا كانت الأمور تسير بشكل صحيح، أما عندما تسوء الأمور فإن دول الخليج ستلقي باللوم على واشنطن من مقاعد البدلاء.
المصدر | أرون ميللر وريتشارد سوكولسكي - واشنطن بوست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-