يُنظَر إلى الدعوة الصينية للرياض وطهران لحوار ترعاه بكين، من منظور خاص بالصراع ومنظور أعم عن الدور الصيني الجديد، الذي أقلق أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، منذ علامات ولادة إمبراطوريتها الجديدة، التنين الاقتصادي، الذي أسقط الشيوعية والنظرية الماركسية من معادلته الاقتصادية، ودخل غمار السوق الليبرالي الحر، ليحقق فيه توسعا ضخما، تزايد حتى وصل إلى أن ميزانه التجاري مع دول عديدة ومهمة، يساهم في تصدع أو تقدم اقتصاد تلك الدول.
مع هذا التطور الجديد، جمعت بكين قوة العسكرتارية الشيوعية، والأمن القمعي الدقيق، ليُفتح سوق العمل لمواطني الصين، مشترطاً عليهم ترك السياسة للجنة المركزية للحزب الشيوعي، ومنظومة الحزب الوحيد.
وهناك الكثير مما يقال عن واقع الحريات واضطهاد القوميات، وخاصة المسلمة في تركستان الشرقية وغيرها، فضلاً عن سحق الفكر السياسي المعارض الذي تأثر بالمعادلة الديمقراطية الغربية، وملفات عديدة للحالة الحقوقية الصينية من بعد السحق الدموي لربيع بكين في 1989في ساحة تيانمن، ظل الغرب يتناقلها فترة طويلة، لكن في الجملة، يبدو أن بكين على الأقل في ظل العقدين القادمين، أصبحت قادرة على التقدم كدولة عظمى، لا دولة قوية يُسعى لاحتوائها أو تحييدها لمصلحة القطبين القديمين في موسكو وواشنطن.
والجديد هنا الجدير بالتوقف عنده، أن هذه الدعوة تعني أن بكين تنهي ملف الحياد عن منطقة الخليج العربي، وأنها اليوم تتقدم بعد تموضع واشنطن الأخير في عهد أوباما، وقراره الانسحاب من مساحة مؤثرة في الخليج والمشرق العربي، وإن كان ذلك ضمن تقديرات البيت الأبيض أن مهام موسكو كانت تحت سياق أهداف مقبولة لواشنطن، ومنها تصفية الثورة السورية، وفتح المجال لعلاقة حيوية مع طهران، ترسخ وجودها في العراق.
والمهم للغاية اليوم أن التقدم الصيني، يأتي في ظل حكومة ترامب التي زادت الضبابية حولها، ولم تبرز حتى الآن توجهات، تغيّر من نتائج واقع الجغرافيا السياسية في المنطقة، بل العكس، فدعم موسكو ضد انقرة في درع الفرات، وتسليح فصيل كردي مقرب من النظام، بصواريخ أميركية، والتنسيق الحساس والمهم، الذي حسم ضم الموصل لحكومة بغداد الموالية لطهران وإخراج داعش، كلها مسارات تظهر ألا تغيير كبير في الواقع، وان قلقت إيران من خطط لترامب يسعى بها إلى استنزاف أموال خليجية، لصالح حرب باردة متوسطة أو خفيفة مع إيران، لكنها معادلة لن تغير من قواعد اللعبة الكبرى.
هنا يبدو الشريك الروسي المتقاطع مع طهران ذا حضور مؤثر، فهل قررت الصين أن تأخذ حصة مع شركائها، بالتنسيق معهم أم استقلالاً، وأياً كان الأمر فتأثير ذلك على منطقة الخليج العربي، سيأخذ أبعاداً مهمة، وبحسب بعض المراقبين تنطلق الفكرة الأصلية للدعوة، إلى تقدير تطور أي صراعات كبيرة بين السعودية وإيران، إلى التأثير على مصادر الطاقة التي تستخدمها بكين، لإمداد صناعتها الضخمة، وبالتالي بكين تخشى على صناعتها من تعثر هذه الامدادات أو انقطاعها.
ورغم قوة هذا السبب وقناعته المجملة، إلا أن هذا التوتر ليس جديداً ولم تكن بكين حين نشوء توتّرات وحروب سابقة، تدخل الخليج العربي، باعتباره منطقة أميركية مغلقة، وأن الحسابات بينها وبين واشنطن، لا تحتمل مثل هذا التداخل.
لقد سارعت طهران لقبول الدعوة، وأما الرياض فقد استخدمت ردا دبلوماسيا مفهوما، مشيرة لتقديرها لدور الصين، في ذات الوقت الذي تذكّر به بكل التجارب السابقة التي لم توقف التدخل الإيراني، وانتهى الأمر ظاهريا لهذا الموقف، وإن بقيت فرص حوار محتمل خلف الأبواب بين بكين والرياض، تمارس بين دولة إقليمية كبرى، تجمعها مصالح وعلاقات مع دولة عظمى جديدة.
إن مجمل الموقف الصيني مع إيران، لا يُشير إلى تساوي الكفة مع الخليج، فقضية إيران المصيرية في سوريا، ساندتها بكين بقوة، وتطور دعمها لطهران والعلاقات التجارية، التي يهمها استثمار حالة النزاع في الإقليم، لتتحول لمصالح تجارية للصين، والفيتو والمواقف المتعددة لصالح طهران، لا تُعطي طمأنينة للخليج العربي، لكن السؤال المركزي، هل هذه مبادرة عابرة أم رياح شرقية جديدة، تستهم مع العالم على مستقبل الخليج العربي ورماله المتحركة؟!
مهنا الحبيل - الوطن القطرية-