المركز العربي - واشنطن دي سي-
غالبًا ما تتصف سياسة الحكومة الأمريكية في شبه الجزيرة العربية بعدم الاتساق إلى حدٍ ما بالنسبة للمراقبين في الخارج والداخل. فكيف لجمهورية مثل الولايات المتحدة، التي تتبنى المثل الديمقراطية وحرية الفكر، أن تدعم ملكية تتجاهل تلك المثل العليا.
وتسعى الولايات المتحدة إلى زيادة التعاون الأمني الإقليمي بين دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت نفسه توسيع العلاقات الثنائية مع كلٍ منها، وهو يلغي الحاجة إلى التعاون الإقليمي. وتنشر الولايات المتحدة عددًا كبيرًا من القوات في المنطقة، وتبيع أسلحة بمليارات الدولارات لدول المنطقة، وتدعو في الوقت ذاته جميع دول المنطقة إلى توقيع اتفاقات سلام وتخفيف التوتر الإقليمي.
أمريكا ومبيعات الأسلحة
افتقرت غالبية التحليلات حول مبيعات الأسلحة الأمريكية، وخاصةً إلى دول الخليج إلى الدقة، واقتصرت على النظرة التقليدية التي تتمحور حول بيع الأسلحة إلى الدول الغنية لكسب المال. لكنّ هذا الرأي يهمل العوامل الهامة الأخرى. وهناك نوعان من الحقائق التي تكمن وراء تصنيع الأسلحة والمبيعات:
أولا: تتتكلف الولايات المتحدة الكثير من الأموال في البحث والتطوير في مجال الأسلحة المتقدمة. وتسترد بعض تلك التكاليف عن طريق بيع الأسلحة كثيفة الإنتاج (الطائرات والدبابات). لكن يتم التحكم في هذه العملية بشكل معقد في البيروقراطية الأمريكية، وتصعب عملية البيع وتخضع لكثير من الرقابة. ومثلًا، لا يقوم أعضاء الكونغرس ببيع الأسلحة، لكنّهم قادرون على إيقاف عملية البيع.
ثانيا: لدى الولايات المتحدة حوافز لحماية التكنولوجيا الخاصة بها. ورغم بقاء دول الخليج تحت مظلتها الأمنية، إلا أنّها تبقي مبيعات الأسلحة مقيدة. وتبقى تكنولوجيا مثل التشفير والمناظير الليلية خاضعة لرقابة صارمة على مبيعاتها.
وعلى الرغم من عوامل الصعوبة هذه، فإنّ عدد الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة إلى دول الخليج العربي مذهلٌ حقًا. وخلال زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية في مايو/أيار، تمّ الإعلان عن مبيعات أسلحة تزيد قيمتها عن 110 مليارات دولار، وهذا أكثر من الناتج المحلي الإجمالي للبنان والأردن مجتمعتين. وبعد أسبوعٍ من أزمة الخليج، وبعد أقل من أسبوع من قيام الرئيس «ترامب» بالضغط على قطر ووصفها براعية الإرهاب، اشترت قطر طائرات أمريكية من طراز إف-15 بقيمة 12 مليار دولار. وهذا يطرح السؤال: لماذا يتم إجراء هذه المبيعات؟
أولا: أحد أسباب بيع الولايات المتحدة الأسلحة إلى الخليج هو لأنّ هذا ما يطلبه الخليج. فكل دولة في الخليج ترى الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لها، وتريد أن يكون جيشها مجهزًا بالأسلحة الأمريكية التي تتوافق مع الجيش الأمريكي وشبكة الأسلحة الأمريكية. فلو اشترت دولة خليجية طائرة الميراج الفرنسية مثلًا ثمّ أرادت تحميلها بصواريخ أمريكية فيسكون ذلك بجهدٍ كبير. وإذا أرادت أن تربطها بشبكة الرادارات الأمريكية، فسيتعين كشف الولايات المتحدة لشفرة راداراتها للشركة الفرنسية المصنعة أو العكس، وإذا تم الرفض، تفشل العملية.
وبدلًا من ذلك، يتم العمل في نفس المساحة بنفس حزمة الأسلحة، وغالبًا ما يتم تكليف الطائرات غير المتوافقة بتغطية قطاع منفصل جغرافيًا عن المعركة الرئيسية. وهذا مكلف وغير فعال على حدٍ سواء.
ثانيا: هناك سببٌ ثانٍ لكثير من مبيعات الأسلحة، وهو أنّ المسؤولين الأمريكيين، المدنيين والعسكريين، يعرفون أنّ مبيعات الأسلحة سوف تؤدي إلى وجود مستمر من التدريب والدعم الأمريكي فضلًا عن فرض سير الأمور في المنطقة وفقًا لوجهة النظر الأمريكية. ويريد الدبلوماسيون والملحقون العسكريون المتمركزون في الخارج إحراز تقدم. فمن الأسهل دائمًا وأكثر من أي وقتٍ مضى أن يبرموا عمليات بيع الأسلحة، على سبيل المثال، بدلًا من تعزيز حقوق المرأة.
مجالات التركيز
بدلًا من مراجعة المبيعات إلى البلدان بشكل فردي، من المفيد النظر إلى مجالات التعاون العامة.
اشترى كل بلدٍ في الخليج طائرات أمريكية مقاتلة. ويعد بعض هذه الأساطيل هائلًا، مثل أسطول الإمارات من طائرات إف-16، والذي يحتوي على طائرات أكثر تقدمًا من تلك التي تخدم في سلاح الجو الأمريكي. ويعد أسطول طائرات الـ إف-15 السعودي هو الأكبر في المنطقة.
وهناك مبيعاتٌ أخرى أقل أهمية. ويملك البحرينيون طائرات من طراز إف-16، لكنّها قديمة، وبأعدادٍ صغيرة من غير المرجح أن تلعب أكثر من دورٍ محدود في أي عملية للتحالف. ولدى العمانيون أسطول مماثل من طائرات إف-16. ومع ذلك، كلٌ يمثل أهمية لدى الولايات المتحدة. فيجب أن تتكامل الأنظمة اللوجستية مع الأنظمة الأمريكية، وقد أصبحت الأسلحة الأمريكية السلاح الافتراضي لهؤلاء المقاتلين. ويسهل هذا العمليات المشتركة.
وينبغي النظر إلى بيع مقاتلات الـ إف-15 بقيمة 12 مليار دولار إلى قطر في ضوء ذلك. وكانت القوات الجوية القطرية تعتمد على الطائرات الفرنسية. وسيكون التحول إلى إف-15 تغيرًا زلزاليًا. وسيجد الضباط الشباب الذين يسعون ليصبحوا طيارين أنّه يجب عليهم تعلم اللغة الإنجليزية بدلًا من الفرنسية. وسوف يحل مقاولو وموردو الصيانة الأمريكيون محل المقاولين الفرنسيين. ومن المتوقع أن يتبع ذلك العقيدة والقدرات.
إضافة إلى ذلك، يضم التعاون الدفاعي الأميركي مع دول الخليج مجالات الدفاع الجوي. وقد لعبت صواريخ باتريوت الأمريكية دورا في عملية عاصفة الصحراء. ولوقتٍ طويل، اعتمدت الكويت والسعودية تشغيل أنظمة الباتريوت الخاصة بها. وقد استخدمت الإمارات والسعودية صواريخ باتريوت في عمليات قتالية في اليمن وعلى الحدود السعودية مع اليمن. كما اشترت قطر صواريخ باتريوت. وتستخدم عمان نظامًا أمريكيًا للتحكم والسيطرة الجوية، وقد اشترت كل من الإمارات وقطر نظام الصواريخ الأكثر تطورًا. وعرض الرئيس «ترامب» نظام ثاد على السعوديين في رحلته إلى الرياض أيضًا.
وتتطلب هذه الصواريخ الأمريكية المتطورة تدريبًا واسعًا. ويحتاج الضابط الذي يُتوقع منه أن يترقى في الرتب في خدمة الدفاع الجوي التي تعتمد على حقول الباتريوت و الثاد، بصراحة تامة، أن يتعلم اللغة الإنجليزية، والتفاعل مع الأميركيين بهدف زيادة الكفاءة والرشاقة التكتيكية.
إذًن.. لماذا تفعل ذلك؟
في هذا السياق، يتم إجراء المبيعات لثلاثة أسباب. الأول هو توسيع النفوذ الأمريكي. حيث تتطلب الأسلحة المتطورة تدريبًا واسعًا، ودعم، وشبكات لوجستية، وبالتالي فإنّ البلد الذي يوفر هذه الخدمات يكسب نفوذًا، وإن كان بطريقة غير مباشرة.
والثاني هو زيادة قابلية التعاون العسكري والتشغيل البيني. حيث يمنح السماح لشركاء الخليج بتشغيل أسلحة تشبه أو تماثل الأنظمة الأمريكية الإمكانية للولايات المتحدة بتركيز أصولها في المنطقة والاعتماد على الشركاء لأداء المهام التي سيتعين على الأمريكيين القيام بها. فكل دورية تقوم بها القوات الجوية الإماراتية، مثلًا، في حين ترتبط بنظام القيادة والتحكم الأمريكي، تعفي طائرة أمريكية وطاقمها من التحليق.
والسبب الأخير هو زيادة الخيارات التكتيكية والتشغيلية لأمريكا في جزءٍ رئيسيٍ من العالم. فإذا كانت الولايات المتحدة ترغب في نشر طائرات إف-15 بسرعة إلى الخليج، فمن الأسهل بكثير نشرها إلى قاعدة مجهزة بالفعل لتحليق طائرات الـ إف-15، وبالتالي يتم تعزيز خيارات أمريكا وقوة أمريكا.