أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-
تتناول التحليلات الغربية للامارات العربية المتحدة وجيشها بشكل سياسي عميق، عند تأمله فانه لا خلاف على منطلقاته ولكن الخلاف كل الخلاف على مآلاته وممارساته.
وهناك تحليل نراه هاما لإليونورا أرديماغني منشور بمنتدى شؤون الخليج بجامعة اكسفورد، يتناول الجيش الاماراتي والتجنيد كأداة ثقافية لتوحيد الامة، ويتناول التحليل مسألة التوطين وكذلك الدوافع التي تكمن وراء التجنيد الاجباري.
ومن ضمن ماورد بالتحليل فإن هناك دافعا يتعلق بخلق انتماء يفوق الانتماء القبلي حرصا على وحدة الدولة وكذلك قطع للطريق على انضمام الشباب لتيارات ارهابية.
وما سبق هو محل اتفاق، فالجيوش الوطنية ركيزة اساسية من ركائز الدولة والتجنيد الاجباري واجب وهي خطوة اقدمت الكويت ايضا على تطبيقها مؤخرا.
ولكن هناك ملاحظات حول الشكل والمضمون:
فمن حيث الشكل فان توطين مغتربين وضمهم للجيش الوطني هو مسألة مستغربة وغير مضمونة او Nمنة لانها اقرب للارتزاق.
ووجود قطاعات امنية اخرى من شركات توريد المحاربين مثل "بلاك ووتر" والتي تضافرت التقارير حول انتشارها بالامارات لحماية المنشات ومواجهة الاحتجاجات وايضا الدفاع عن الدولة ضد اي هجوم وكذلك ارسالهم لليمن بزي الجيش الاماراتي، هو استقطاب بين الجيش الوطني وبين الجيش المستورد ناهيك عن مسالب ذلك الاخلاقية.
ان الانتماء الذي يعمقه الجيش الوطني يجب ان يكون ولاء للوطن قبل ان يكون ولاء للنظام او الاسر الحاكمة.
كما ان الانتماء والوحدة لا بد وان تكون حول قضايا وحدوية متعلقة بالمبادئ والقيم والوجدان العربي وليست قضايا سياسية محل خلاف، قد تتناقض مع ضمير ووجدان المجندين.
ماذا يعمق الهوية الاماراتية او الخليجية في الخروج للعدوان على قطر عربي شقيق بدعاوى سياسية مكشوفة وظالمة او على اقل تقدير خلافية؟
وماذا ايضا يعمق الانتماء الوطني والتسامي فوق الانتماءات القبلية لو استخدمت الجيوش للقمع او مواجهة احتجاجات سلمية من الممكن ان تتحول لحروب اهلية لو انزلق القمع لمستويات لا يمكن الرجوع عنها؟
والاهم من ذلك هو عقيدة الجيوش العسكرية وتحديد الاعداء والاصدقاء، فكيف يمكن لمواطن يعلم ان اعداء امته هم الصهاينة والامريكان ويرى جيشه يتعاون مع العدو؟
ان شعارات كثيرة يتم رفعها وتفقد بريقها مع الممارسة وقد تكون مآلاتها عكس ما رفعت ورسمت عناوينها.
نعم بلا شك لجيوش وطنية قوية ونعم لتجنيد الزامي ولا لمهام مشبوهة ولا لاستقطابات امنية قد تؤدي لما لا يحمد عقباه.
وهناك بعد اخر خطير يمكن ان ينسف الهوية على الرغم من ان المعلن هو تكريسها، وهو متعلق بإزالة التناقض بين المعلن والممارسات المتناقضة مع الوجدان، وذلك هو ان تتم عملية عكسية، فبدلا من الاستقامة في التأسيس ووضع الضوابط وتدشين عقيدة عسكرية جامعة ومتسقة مع الضمير الوطني، تتم عملية اخرى لتزييف الوعي وبناء وجدان جديد يتسق مع الممارسات وهو ما يدمر الهوية او بالاحرى يصنع هوية جديدة غريبة عن الارض والضمير والتاريخ!
ان مهام الجيوش الموكلة اليها مهام عظيمة تصل بهذه الجيوش لمراتب اقرب للقداسة لو تم تأديتها على وجهها الصحيح، اما الانحرافات فانها لن تؤثر فقط على الجيوش كركائز للوطن ولكنها ستؤثر بالأساس على الوطن ذاته من حيث المفهوم والأخطر من حيث السلامة.