بي بي سي-
لعب رجل الأعمال الأمريكي من أصول لبنانية، "توماس برّاك"، دورا كبيرا في نسج وتوطيد العلاقات بين حكام الخليج وإدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" حتى قبل وصول الأخير للسلطة قبل نحو عامين، مستغلا صداقته القديمة بين الجانبين، حتى وصفته وسائل إغلام غربية بأنه "عراب" العلاقات بين الجانبين.
البداية كانت، في أبريل/نيسان 2016، عندما كان "ترامب" يقترب من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية وكان يكرر تعهده أمام أنصاره بمنع المسلمين من دخول أمريكا في حال فوزه، فأثار ذلك قلقا لدى أمراء الخليج، أهم زبائن "براك"، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وحسب صحيفة "نيورورك تايمز"، فإن سفير الإمارات لدى واشنطن، "يوسف العتيبة"، كتب إلى صديقه "براك" قائلا: "هناك غموض شديد يحيط بصديقك دونالد ترامب"، وأضاف: "إنه يثير قلقا عميقا لدى كثيرين".
وأجابه "براك"، في محاولة منه لتبديد مخاوف صديقه القديم، بأن "ترامب" يتفّهم موقف الدول الخليجية "وله استثمارات مشتركة في دولة الإمارات".
وكتب "براك"، في مايو/آيار 201 إلى "العتيبة" مزكيا صهر"ترامب"، "جاريد كوشنر" بقوله: "ستحبه، وهو يوافق على أجندتنا" حسبما قالت "نيويورك تايمز".
لكن الدور الذي يلعبه "براك" أكبر من ذلك بكثير بسبب خبرته الطويلة التي تمتد على مدى عدة عقود من العمل في الشرق الاوسط وفي الولايات المتحدة وفي أكثر من دور ومجال، وآخرها الإشراف على حفل تنصيب "ترامب" أوائل عام 2017؛ إذ استطاع أن يجمع أكثر من مئة مليون دولار على شكل تبرعات لهذا الغرض بجهد شخصي منه.
ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" "برّاك" بأنه واحد من كبار الأغنياء وأقرب أصدقاء "ترامب"، وهو الذي عمل أسابيع لتمهيد السبيل أمام لقاء الأخير بالقادة الخليجيين في الرياض في مايو/أيار2017.
بينما قالت "نيويورك تايمز"، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2018، إن "حكام الخليج الأغنياء أصحاب الاستثمارات في العقارات في الولايات المتحدة لم يروا في أسرة كوشنر سوى أنها تعمل في العقارات ولهذا السبب عمل براك خلال حملة الانتخابات على تعريف كوشنر بأصدقائه من حكام الخليج؛ لأنه يتمتع بعلاقات جيدة مع الطرفين".
وكان المحقق الخاص، "روبرت مولر"، الذي يحقق في الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التقى بـ"براك" في هذا الإطار قبل فترة لسؤاله عن علاقات مدير حملة "ترامب" الانتخابية السابق "بول مانافورت" والجوانب المالية لحملة "ترامب" الانتخابية ولعملية إنتقال السلطة من الرئيس السابق إلى "ترامب" ولحفلة التنصيب.
ولعب "براك" دورا كبيرا في حملة "ترامب" الانتخابية بسبب العلاقة القديمة التي تربطهما. فقد كان المسؤول عن جمع التبرعات للحملة والمسؤول عن إتصالات "ترامب" وهو الذي ربط بين آل سعود وحكام الإمارات من جهة و"ترامب" من جهة أخرى.
كما أنه أوصى "ترامب" بتعيين "مانافورت" لقيادة حملته الإنتخابية، وحاول أن يجمع بين ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، "ومانافورت" الذي قد يصدر حكم بسجنه لفترة طويلة بعد إدانته بالإحتيال والتهرب الضريبي والكذب على المحققين.
وهو الذي أوصى، كذلك، "ترامب" بتوظيف "ريك غيتس"، الذي لعب دور نائب "مانافورت" خلال الحملة الانتخابية. ووافق "غيتس" على التعاون مع المحقق "مولر" وتمت إدانته بجرم الكذب تحت القسم.
علاقات قديمة
ومما مكنة من أداء دور "عراب" العلاقات بين حكام الخليج وإداراة "ترامب" العلاقة القديمة التي تربطه بالطرفين، والتي تعود إلى عقود مضت.
فقد عمل "براك"، الذي يحمل إجازة في الحقوق، في مكتب المحامي "هيربرت كالمباك" حينما كان الأخير محاميا خاصاً للرئيس الأمريكي السابق، "ريتشارد نيكسون"، الذي عزل من منصبه إثر فضيحة ووتر غيت.
وبعد سجن "كالمباك" بسبب دوره في اللجنة التي كانت تعمل لإعادة إنتخاب "نيكسون" ترك "براك" هذ الوظيفة وبدأ مسيرته في مجال التجارة.
وكان أجداد "براك" قد هاجروا من لبنان إلى الولايات المتحدة عام 1900. كان والده صاحب متجر صغير في ولاية كاليفورنيا بينما عملت والدته سكرتيرة ونشأ الولد في هذه البيئة، ولا يزال يفتخر بذلك، ويقول إنه لا يزال ابن حانوتي.
علاقة نسجتها الاسكواش
سافر "براك" إلى السعودية عام 1972 ضمن وفد لشركة أمريكية لإبرام عقد لإقامة مصنع لانتاج الغاز السائل مع الحكومة السعودية. وأثناء وجوده في السعودية سأله أحد مدراء شركة آرامكو إن كان يعرف أحدا في الوفد الأمريكي يمارس رياضة الاسكواش لأن سعوديا يريد شريكا له في هذه اللعبة.
بدأ "براك" يلعب الاسكواش مع السعودي "دون أن يخطر ببالي أن أسأله عن اسمه، وسألني إن كان بمقدوري أن ألعب معه لمدة ساعتين في اليوم التالي، وتبين لاحقاً أن هذا الشخص هو أحد أبناء الملك"، حسبما نقلت عنه "نيويورك تايمز". وكانت تلك بداية العلاقة الوطيدة التي تربط "براك" بالأسرة الحاكمة في السعودية.
كما تعرف خلال وجوده في السعودية على رجل بدوي تبين فيما بعد أنه أحد مدراء شركة أرامكو، وقد دعاه "براك" إلى قضاء فترة نقاهته في مزرعته في كاليفورنيا، فكلفه المسؤول في أرامكو بالتوسط في شراء 375 حافلة مدرسية لصالح أرامكو.
يذكر أن الملك "فيصل بن عبدالعزيز آل سعود" كان يحكم المملكة السعودية وقتها.
وسرعان ما وظفه أبناء الملك بعد أن توطدت علاقته بهم، وبات "ممثل الأطفال لدى الولايات المتحدة"حسب تعبيره، أي بات ممثل أبناء الملك في الولايات المتحدة.
وفي عام 1974، توسط "براك" في اتفاق بين أميرين سعوديين ورجل أعمال أمريكي اشترى قطعة أرض في هاييتي بهدف إقامة مصفاة لتكرير النفط وحاكمها حينئذ شوفالييه حول بيع النفط في هاييتي بسعر مخفض.
وفي عام 1976، دشّن "براك" أول مشروع عقاري كبير له بمساحة إجمالية تجاوزت 7 ملايين قدم مربع من شقق ومكاتب ومناطق صناعية.
واستطاع "براك" أن يشتري مزرعة في ولاية كاليفورنيا عام 1979 بالقرب من مزرعة الرئيس الأمريكي السابق، "رونالد ريغان"، وكان الخيّالة من حماية الرئيس يتجولون في مزرعته. ومن حين إلى آخر كان يرافق "ريغان" في رحلات ركوب الخيل ويجلسان سوية حول النار في الهواء الطلق.
كما اشترى "براك" بالاشتراك مع الصندوق القطري السيادي شركة ميراماكس للانتاج السينمائي من والت ديزني بملبغ 660 مليون دولار.
وهو شريك الأمير "الوليد بن طلال" في ملكية شركة "فيرمونت اند رافل"، التي تمتلك فنادق في مكة ودبي والقاهرة، كما يمتلك حصة كبيرة في سلسلة متاجر كارفور حول العالم بالاشتراك مع رجل الأعمال الفرنسي "برنارد أرنو"، صاحب ماركة "لويس فوتون".
وكانت أسوأ السنوات بالنسبة لـ"براك" هما عاما 2007 و2008 حين اشترى كازينو القمار "ستيشن" في مدينة لاس فيغاس بمبلغ 8.8 مليارات دولار عام 2007 وفي عام 2009 أشهر الكازينو إفلاسه.
صداقة مع "ترامب"
وتعود علاقة "براك" بـ"ترامب" إلى ثمانينيات القرن الماضي، إذ التقيا لأول مرة عام 1987 عندما اشترى "ترامب" نسبة 20% من أسهم شركة تمتلك سلسلة متاجر أمريكية، ولعب "براك" دور الوسيط في الصفقة. وبعدها بعام اتصل به "ترامب" وقال له: "أنت صاحب فندق بلازا الذي أشاهده من مكتبي، أريد هذا الفندق" فرد عليه "براك" بأنه ليس صاحب الفندق لكن يمكنه امتلاك الفندق إذا دفع 410 ملايين دولار. فوافق "ترامب" على ذلك دون تردد وسط ذهول "براك"، لكن الأول اشترط أن يكون الدفع نقدا.
وتحدث "براك" عن تلك الفترة قائلا: "نشأت علاقة صداقة بيننا منذ ذلك الوقت وتشابهت حياتنا الخاصة، فكل منا كان قد طلق زوجته وكانت أعمار أبنائنا متقاربة وتزوجنا مرة ثانية وأبرمنا صفقات تجارية عديدة".
وقال "ويليام روجرز"، شريك "براك"، إن بمقدور الأخير أن يقول لـ"ترامب" إنك على خطأ وهو أمر لا يجرأ عليه سوى القلائل.
وأضاف: "يمكن لبراك أن يقول لترامب ما لا يرضى أن يسمعه من الآخرين ويرد ترامب عليه بقوله: شكراً أنت صديقي ويمكنك أن تقول ذلك لي وليس في ذلك إساءة لي"، حسبما أوردته "نيويورك تايمز".
وفي عام 1994، كان "ترامب" يمر بأزمة مالية خانقة، فاتصل بـ"براك" أحد الموظفين في بنك "تشيز مانهاتن" وقال له: "مشاريع ترامب العقارية تواجه أزمة مالية كبيرة ومن بينها مشروع عقاري في مانهاتن مدين لمصرفنا بمبلغ 100 مليون دولار، وأنت الوحيد الذي تعرف كيف تتعامل مع ترامب، مئة في المئة، فهل يمكنك أن تساعدنا في حل هذه الأزمة؟".
قام "براك" بجولة في الشرق الأوسط وحصل على تعهدات مالية للاستثمار في المشاريع المتعثرة لـ"ترامب"، ومن بينها تعهدات من أصدقائه القدامى في الأسرة الحاكمة في السعودية.
لكن "ترامب" توصل في النهاية إلى اتفاق مع مستثمرين من هونغ كونغ لإنقاذ مشاريعه العقارية. وتوسط توم لدى البنك لتمديد المهلة الممنوحة لـ"لترامب" لترتيب أوضاعه المالية. كما استثمر "براك" في بعض المشاريع العقارية المتعثرة لصهر "ترامب"، "جاريد كوشنير".