كالفيرت جونز- واشنطن بوست-
غالبا ما يتدفق الاستشاريون الأجانب، الذين غالبا ما يأتون من الغرب، ويتدفقون بشكل روتيني على منطقة الخليج العربي الغنية بالموارد، ويتنافسون على عقود مربحة مع حكومة كل بلد، ولكنهم نادرا ما يضيفون أي شيء إلى تلك البلدان.
وغالبا ما تبدأ أي سياسة جديدة في هذه الدول باستقدام فريق من المستشارين الذين يتم تعيينهم وتسكينهم في فندق 5 نجوم، بينما يظهر السكان المحليون الاستياء.
وهناك الكثير من الاستشاريين في الشرق الأوسط، لدرجة أنهم يتم تجنيدهم لتقييم بعضهم البعض، على الرغم من تضارب المصالح المتأصل.
وقد وصف مشارك سابق في هذه الأعمال بأنهم "مستشارون يراقبون مستشارين"، مشبها إياهم بدمى "الماتريوشكا" الروسية، وهي دمى مزخرفة شهيرة تحوي داخلها دمى أقل حجما.
ولقد قضيت 19 شهرا، بين عامي 2009 و2017، في إجراء أبحاث ميدانية في الشرق الأوسط، خاصة في الإمارات والملكيات الخليجية الأخرى المليئة بالاستشاريين الغربيين.
وكان شرطا أساسيا في بحثي هو ألا يتم ذكر أسماء المصادر، جزئيا حتى يمكنهم التحدث بحرية في منطقة يشيع فيها العقاب الحكومي ضد أي رأي مختلف.
وما وجدته هو أن الشركات الاستشارية والجامعات، والمؤسسات الغربية الأخرى، تقدم كلها استشارات ومساعدات متزايدة لهذه الحكومات الاستبدادية.
ويقول بعض المستشارين المعنيين إنهم يحققون فرقا إيجابيا، ويشجعون على التغيير من الداخل، لكن آخرين يقرون بالقلق من أنهم يساعدون في دعم وتعزيز الأنظمة القمعية غير الليبرالية.
وكما وجدت، تكمن الحقيقة في كثير من الأحيان في مكان ما بين بين.
وكان تركيزي على النخب الحاكمة في الخليج التي تحاول خلق مجتمعات أكثر انفتاحا وعولمة، للاستعداد لحقبة ما بعد النفط.
وقد حضرت بعض الفعاليات داخل قصور الحكم، واستمعت إلى كيفية مناقشة هذه النخبة الحاكمة لإمكانيات الإصلاح، وشاهدت مباشرة الدور الرئيسي الذي لعبه الخبراء الأجانب من "ماكينزي" و"راند"، وآخرين مثلهم.
ولفهم مساهماتهم بشكل أفضل، أجريت مقابلات مع عشرات من هؤلاء الخبراء من ذوي الخبرة في العمل على مستويات عالية في مشاريع إصلاح التعليم والتخطيط الحضري ومجالات أخرى، في الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وقطر.
كما أجريت مقابلات مع العشرات من النخب الحاكمة في الخليج، بما في ذلك أحد الملوك، لسماع آرائهم.
وقد خرجت بعدة استنتاجات، أولا، تميل النخبة الحاكمة إلى رؤية مشاكل بلدانها على أنها عالية التقنية، ما يعني أنها تحتاج أفضل المفكرين والعلماء والاستشاريين في العالم، الذين يمكنهم حلها إذا ما وفرت لهم الموارد المناسبة.
وهم يضعون ثقتهم الكبيرة في فرق الخبراء الأجانب الذين يعينونهم، ويتوقعون منهم أن يأتوا إليهم بنظرة ثاقبة جديدة ومنظور مبتكر، لا يمكن لبيروقراطياتهم الخاصة الوصول إليه.
وهم ليسوا على خطأ في ذلك كليا، ويصل بحثي إلى نتيجة مفادها أن العديد من الخبراء الأجانب يجلبون معارف وبيانات وخبرات جديدة للتأثير على جهود الإصلاح، لكن التوقيت ضروري؛ حيث يحدث التأثير الإيجابي في المقام الأول عندما يتم تعيين الخبراء أولا للمساعدة في تشخيص المشاكل وتصميم الحلول المحتملة.
وفي هذه المرحلة المبكرة، يجب أن يشعروا بحرية في التعبير عن رأيهم حول ما قد ينجح وما لا يمكن أن ينجح.
ولكن كلما طال بقاء الخبراء في المشهد، أصبحوا أكثر انغماسا في هياكل الحوافز المحلية المميزة في الدول الاستبدادية.
وعلى الرغم من التطمينات الأولية بعكس ذلك، يكتشفون أنه يمكن إقالتهم بسرعة، بل حتى ترحيلهم، مع القليل من التفسير، كما يجدون أنفسهم منغمسين في نظام من التنافس الشديد، في نوع من لعبة الكراسي الموسيقية التي يمكن استخدامهم فيها ككبش فداء.
وعلى الرغم من أن بعض الخبراء ينتهي بهم الحال خارج المنظومة، لكن كثيرين آخرين يتأقلمون مع الحوافز؛ حيث نادرا ما يقولون أي شيء سلبي، ناهيك عن انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان، التي يرون أنها لا علاقة لها بعملهم الخاص.
ويزداد تأثير الحوافز في تجنب قول الحقيقة إلى السلطة عندما يتم منح الخبراء عقودا مربحة أكثر وأكثر، أو فرصة للإشراف على تنفيذ مقترحات الإصلاح الخاصة بهم.
وتكون إحدى النتائج هي أنه حتى لو كانت النخبة الحاكمة تسعى بشكل حقيقي لإصلاحات، فإنها تصبح مفرطة الثقة بشأن قدرتها على التغيير السريع؛ حيث يحيط بها كبار الخبراء والاستشاريين، الذين نادرا ما يقولون "لا".
ويعني عدم وجود مراجعة مؤسسية كافية أو ذاكرة تنظيمية واضحة أن مجال التعلم من الأخطاء يبقى محدودا، وعندما تنحسر الإصلاحات، كما أوضح أحد الاستشاريين في السعودية: "تحصل النخبة الحاكمة على مجموعة جديدة من الخبراء، ثم تدور نفس الدائرة مرارا وتكرارا".
ومن واقع خبرتي، فإن سكان هذه الدول ينتقدون بشكل متزايد قيام حكوماتهم بدفع رسوم ضخمة لخبراء ومستشارين أجانب مقابل القليل في المقابل، وتعد هذه مشكلة، لأن القبول الشعبي مهم لنجاح الإصلاحات.
ويجب على النخبة الحاكمة في الخليج، والخبراء الذين توظفهم، أن يدركوا أن المشكلات ليست تقنية فحسب، بل سياسية أيضا.
وإذا كانت الإصلاحات ستنجح، فيجب مراعاة مصالح الشعب، وليس فقط مصالح الزعماء الذين يدفعون فواتير الخبراء الكبيرة من المحفظة العامة.