شيخة الجاسم- البيت الخليجي-
في مشهد الخليج والإقليم وتقلباته ما يدعو إلى الذهول. كيف أصبح الصراع الداخلي والنقاش في الداخل الليبي أمرًا خليجيًا بالدرجة الأولى؟ كيف أصبح استقرار اليمن وسوريا، بل حتى الانتخابات البلدية التركية مرتبطة بصراعات البيت الخليجي؟
يعزو البعض ذلك إلى ثروات مادية تتمتع بها دول الخليج سهلت لبعضها التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى ذات سيادة. فرضية يمكن الرد عليها بأن الوفرة المادية/المالية في دول الخليج ليست أمرًا طارئًا فقد مر أكثر من نصف قرن على هذه الثورة ولم تكن بعض دول الخليج تتدخل بهذه الطريقة الواضحة كما يحدث الآن. كما أن دولًا مثل عمان والكويت تقوم باستغلال ثرواتها بمنح قروض تنموية وإعمارية بدلًا من الضغط سياسيًا في اتجاه أو آخر. فما الذي طرأ وجعل بعض دول الخليج تتدخل في الشؤون السياسية لدول أخرى؟ وكيف أثر ذلك على وحدة الشعب الخليجي؟
نهوض الخليج وسقوط الأنظمة الهَرِمَةُ
لا شك أن اهتزاز عروش بعض الأنظمة الهرّمة في العالم العربي – مع بدايات موسم الثورات في 2010 وحتى الآن – ما بين من سقط، أو أعيدت صياغته وتشكيله، أو استقر، أو لا يزال في قمة الصراع، لا شك أن كل ذلك فتح شهية القوى الخارجية لتساهم في إعادة تشكيل الواقع الجديد بما يتناسب ومصالح تلك الدول التي هي أيضًا تبدو معرضة لهزات سياسية واجتماعية.
لقرون مضت كانت هذه القوى اللاعبة اقليميًا على وتر الصراعات غير خليجية، أما اليوم، تتدخل دول الخليج كداعمٍ صريحٍ ومباشرٍ مع القوى المُتصارعة في الأزمات السياسية وبما يشمل مناطق الصراعات المسلحة في “تموضع” جديد لدول الخليج لم تألفه أو تقم به بهذا الوضوح في العقود الماضية.
لم يكن اهتزاز الأنظمة العربية الهَرِمة السبب الوحيد والكافي في تدخل دول الخليج في الربيع العربي، كان صعود بعض الوجوه الشابة من الأسر الحاكمة الخليجية إلى الصف الأول أو الثاني من الحكم سببًا مباشرًا في المواجهة الصريحة والرغبة المعلنة في التغيير، وهو ما لا تتحرج هذه القيادات الشابة في اعلانه بوضوح في تصريحاتها ومقابلاتها التي تنتشر في وسائل الإعلام. رغم ذلك، لم تتخذ الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الموقف ذاته تجاه الربيع العربي، إذ تبين بأن طموح التدخل له أهداف داخلية وخارجية على حد سواء.
حسابات الداخل والخارج
أدركت حكومات الخليج مبكراً أن دولها ليست في معزل عما يحدث في العالم العربي، وأن شهية المواطن باتت مفتوحة للتغيير بعد النتائج المذهلة لرحيل الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي عن تونس وآخرين. وارتأت دول الخليج أن سياسات التضييق الداخلي على الحريات لن تأتي بثمارها دون التحكم في الصنبور/ المؤثر الخارجي، وهو أحد أهم أسباب التدخل الخليجي أيضًا.
ولتدارك الأخطار، احتضنت قطر الإسلام السياسي وفي مقدمته فريق الإخوان المسلمين ودعمته. قبالة ذلك، اختارت كل من السعودية والإمارات محاربة هذا التنظيم داخليًا وخارجيًا. لم تكن خيارات الاحتضان والمحاربة – على حد سواء – لأسباب عقائدية بل كانت جزاءاً من رهانات السيطرة الإقليمية، رأت قطر أن احتضانها للإخوان المسلمين سيحقق مكاسب سياسية إقليمية وتبنى الفريق الآخر مساراً يرى أن الإخوان يشكلون خطرًا حقيقيًا على الأنظمة الحاكمة في الخليج.
بات واجباً يومياً ومحزناً لنا نحن أبناء دول مجلس “التعاون” الخليجي أن نقرأ التراشق والحرب الكلامية في وسائل التواصل بين مواطني دول الخليج لا على مواضيع أو صراعات داخلية بين دول الخليج ذاتها بل خارجية تماماً؛ (حفتر في ليبيا) (الحوثي في اليمن)!
أدت أزمة الخليج وحصار قطر إلى تسييس المواطن الخليجي البسيط، وتلزم سياسات بعض دول الخليج مواطنيها على تأييد مواقف وانحيازات وطنه وإلا تعرض للرفض الاجتماعي وصولاً لعقوبات قانونية.
باتت مواقف حكومات دول الخليج واصطفافاتها في الأزمة السورية أو الليبية أو اليمنية أو المصرية وغيرها ليست متاحة للتداول والاختلاف بين آراء النخب والمواطنين. بات على الجميع الانصياع أو كما يقال “التطبيل” لحكومته ومواقفها. خلق الربيع العربي في مصر على سبيل المثال خريفًا لحرية التعبير في دول الخليج بسبب مواقف حكوماتها دعمًا أو مواجهة للإخوان والمتطلعين للتغيير.
ثم ماذا؟
من وجهة نظر ليبرالية؛ لا يبدو أن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في الدول العربية سيشكل خطرًا – على الأقل نظريًا – طالما كانت العملية السياسية ديمقراطية، وما لم يمس حكم الإخوان حريات الشرائح المجتمعية المناهضة لهم فكرياً. في المحصلة؛ هذا حكم الصندوق ومسار الديمقراطية (يوم لك ويوم عليك).
الفارق فعلاً والذي ينبغي الحذر منه هي وجهة نظر الجماعة السلفية التي تختلف مع الإخوان في فصل أمور الدعوة عن السياسة، ومخالفة الحاكم والخروج عليه ومفاهيم الثورة، وصول الإخوان للحكم يسبب لهؤلاء قلقًا لا يقل عن قلق الحُكام أنفسهم. ولذلك، تجد شيوخ السلفية يتخذون مواقف حادة تجاه الإخوان، ويقفون مع السلطة في تضييقها على حريات الإخوان وجميع المكونات والشرائح الاجتماعية على حد سواء.