الخليج أونلاين-
تتواصل مساعي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحصول على دعم دولي لمواجهة إيران منذ انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، الذي أبرم مع طهران برعاية الدول الست الكبرى (الصين، وروسيا، وأمريكا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) عام 2015، والمعروف رسمياً باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والقاضي برفع العقوبات مقابل تقييد برنامج إيران النووي.
ورفضت جميع الأطراف الموقعة على الاتفاق الخطوة الأمريكية بإعادة فرض العقوبات على طهران من قبل إدارة ترامب، في مسعى لإرغامها على توقيع اتفاق جديد تقدم فيه المزيد من التنازلات، وهو ما وضع أمريكا في خانة العزلة الدولية من الناحية السياسية، وهو ما أثار سخطاً في المؤسسات الأمريكية، وعلى رأسها الكونغرس.
أمريكا معزولة عسكرياً
وبعد مرور عام على فرض واشنطن عقوباتها الاقتصادية، والوصول بالصادرات الإيرانية إلى مرحلة التصفير، انتقل البيت الأبيض للمستوى الثاني من الضغط؛ عبر حشد الأساطيل في الخليج العربي ومضيق هرمز.
وفي مايو الماضي، أرسلت حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" وسفينة "يو إس إس أرلينغتون"، فضلاً عن قاذفات من طراز "بي 52" وصواريخ "باتريوت" إلى المنطقة.
وانضمت بريطانيا، في يونيو الماضي، إلى الولايات المتحدة معلنةً أنها ستوفر الحماية للسفن التي ترفع العلم البريطاني أثناء مرورها عبر مضيق هرمز، وذلك من خلال مرافقة السفينتين الحربيتين "دانكان" و "مونتروز"، فيما بقي الموقف الأوروبي متسماً بالترقب والتحفظ والنأي بالنفس عن الدخول في معترك التحشيد.
طهران؛ وعلى عكس ما كانت تتوقع إدارة ترامب، اتجهت للتصعيد في مواجهة الحشود العسكرية، فأسقطت طائرة أمريكية مسيرة، في 20 يونيو 2019، بصاروخ "أرض - جو" فوق مياه مضيق هرمز، واعترف الجيش الأمريكي بذلك، وعجز عن توجيه رد فوري على العملية الإيرانية رغم إعلانه أن الطائرة أسقطت في المياه الدولية.
ورداً على احتجاز سفينة شحن إيرانية في مضيق جبل طارق، ردت طهران باحتجاز سفينة بريطانية في مضيق هرمز، ونشرت تسجيلات مصورة لعملية الإنزال على السفينة البريطانية، فيما اعتبر المراقبون ذلك إهانة للمملكة المتحدة، التي هددت بالرد على خطوة طهران، غير أنها استبعدت الخيار العسكري.
التصعيد الإيراني غير المتوقع دفع بواشنطن للسعي إلى تشكيل تحالف دولي بحري، يوفر مظلة شرعية دولية لأي تحرك أو تطور عسكري، والهدف المعلن حماية الملاحة في مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله خمس إنتاج العالم من الطاقة؛ كما سعت لندن لذات الهدف عبر حث دول الاتحاد الأوروبي على تشكيل قوة مشتركة.
ومنذ إعلان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد، في 10 يوليو 2019، عن هذا المسعى، تواجه بلاده صعوبة في كسب دعم حلفائها لهذه الخطوة.
وبموجب اقتراح واشنطن توفر الولايات المتحدة سفن التنسيق وتقود جهود المراقبة، في حين يسير الحلفاء دوريات في المياه القريبة ويرافقون السفن التجارية التي ترفع أعلام دولهم.
أوروبا تحسم أمرها
دول الاتحاد الأوربي، عدا بريطانيا، حسمت أمرها وقطعت بعدم مشاركة واشنطن بأي جهد عسكري في المنطقة، ونقلت وكالة رويترز" في 19 يوليو 2019، عن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي قولها: إن "باريس تملك قاعدة بحرية في دولة الإمارات، ولا تعتزم مرافقة السفن، وتعتقد أن الخطة الأمريكية ستؤثر سلباً على تخفيف التوترات، لأن طهران ستراها معادية لها".
وأضافت: "نعمل على تنظيم أنفسنا كأوروبيين، ولكن هناك شيء واحد مؤكد؛ سيكون لتحركنا هدف واحد فقط، هو تخفيف حدة التوتر والدفاع عن مصالحنا".
وفي ذات السياق نأت ألمانيا بنفسها عن المهمة الأمريكية، معتبرةً أن ذلك من شأنه تعقيد الجهود الأوروبية للتوصل إلى تسوية دبلوماسية للأزمة.
وقالت أولريكه ديمير، المتحدثة باسم الحكومة الألمانية: "يجب أن تكون الأولوية في رأينا للجهود الدبلوماسية ووقف التصعيد".
وتابعت، في مؤتمر صحفي، أن "الحكومة الألمانية مترددة في قبول الاقتراح الذي قدمته الولايات المتحدة، لأن النهج الشامل لسياستنا تجاه إيران يختلف بشكل ملحوظ عن النهج الحالي لأمريكا".
عقدة أوباما تلاحق ترامب
أسعد إسماعيل شهاب، الخبير العسكري العراقي، اعتبر أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وتحشيده في الخليج وهرمز، جاء بسبب عقدة لازمت الرئيس الأمريكي منذ توليه مقاليد الحكم، القائمة على نقض كل ما خلفه سلفه باراك أوباما.
وأضاف شهاب، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "فشل تشكيل القوة الدولية سيفاقم هذه العقدة، وربما يدفع الرئيس الأمريكي لعمل غير محسوب العواقب"، مشيراً إلى أن "أوباما نجح، في مايو 2013، بحشد 41 دولة في مياه الخليج العربي لإجراء مناورات دولية، للتدريب على إزالة الألغام وحماية البنى التحتية المائية، استمرت 25 يوماً، وفي حال عودة القوات الأمريكية إلى قواعدها دون تحقيق شيء، سيستغل الديمقراطيون هذه القضية لإسقاط ترامب في انتخابات 2020".
شهاب تابع قائلاً: إن "آخر المترددين من حلفاء واشنطن التقليديين كانت أستراليا، التي زارها بومبيو مؤخراً وكان الانزعاج واضحاً عليه في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزيرة الدفاع الأسترالية ليندا رينولدز".
وكانت وزيرة الدفاع الأسترالية ليندا رينولدز ذكرت، الأحد (4 أغسطس 2019)، أن بلادها تلقت طلباً من واشنطن للمشاركة في التحالف البحري الدولي، وقالت: "نحن قلقون للغاية إزاء التوتر المتصاعد في المنطقة، وندين بشدة الهجمات على التجارة البحرية في خليج عمان".
وأضافت، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع في سيدني مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ووزير الدفاع مارك إسبر: إن "الطلب الذي تقدمت به الولايات المتحدة خطير للغاية ولهذا السبب نخضعه حالياً لدراسة جادة للغاية"، مشيرةً إلى أنه لم يتَّخَذ أي قرار بخصوص الطلب، وفي نهاية الأمر "سنقرر ما هي مصلحتنا الوطنية".
من جهته أعرب بومبيو عن قناعته بأنه "سيكون لدينا تحالف دولي"، مستدركاً: "لا تصدقوا ما تذكره الصحافة، هناك الكثير من المحادثات الجارية مع جميع البلدان، مثل أستراليا، وجميعها تأخذ هذا الطلب على محمل الجد".
ويحذر مراقبون من أن فشل واشنطن في حملتها العسكرية أمام إيران، وعودة قواتها إلى قواعدها دون أن تحقق أياً من الأهداف التي حشدت لها، سيمنح طهران مزيداً من القوة والتأثير في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد تراجع الإمارات العربية المتحدة عن مواجهة إيران، في خطوة وصفت بالاستسلامية، تركت خلالها السعودية وحيدةً في مواجهة غريمتها إيران.
وكانت الدولتان (السعودية والإمارات) تسوقان لدفع الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، إلا أن تردد إدارة ترامب، وعدم قدرته على تقديم مسوغات للمواجهة أمام المؤسسات والرأي العام الأمريكي، دفعت أبوظبي لإعادة حساباتها والتنازل؛ في خطوة بدأت تظهر مؤشرات على أن الرياض قد تحذو حذوها، بعد أن أدركت حكومتا البلدين أن لاتكافؤ في المواجهة، وأن الولايات المتحدة لن تسهم في مواجهة عسكرية كما كانتا تأملان.