شيخة الجاسم- البيت الخليجي-
يفتقرُ المشهد في البيت الخليجي إلى نضوجٍ قيّميٍ فيما يخُص ممارسات دُوله، سواءًا على مستوى مؤسسات الحكم أو المجتمعات ذاتها. إن بعضاً من الشعارات والممارسات، ومنها، طاعة ولي الأمر (الولاية السياسية) وانعدام التفكير النقدي والاتباع الأعمى للعشيرة والقبيلة والاصطفاف المذهبي وضعف الضمير الأخلاقي تكشف عن هذا الخلل بوضوح، سواء لدى بعض الأجهزة الحكومية أو حتى لدى أولئك الذين يطالبون بالتغيير من خلال شعارات جوفاء، لا يبدو أنهم يُدركون غاياتها.
طاعة ولي الأمر
يناقض مفهوم “ولاية الأمر” في حد ذاته مفهوم الدولة الديموقراطية، فهي تعني أن شخصا (ما) لم يأت للحكم عبر الانتخاب بل بطرق أخرى سيكونُ له الحق في الحكم (السمع والطاعة) من أشخاص يفترض أنهم أحرارٌ في مجتمعات كثيراً ما تتحدث عن الديمقراطية والحرية وانجاز الدولة المدنية. وهو ما يعني أن أحداً لا يملك أمام قرارات هذا الحاكم إلا أن يطيع. وهو هنا ملزمٌ بالطاعة للحاكم وليس لدستور عقدي أو قانون وضعه وتوافق عليه إجماع المواطنين.
ما يترتب على ذلك هو انعدام الحس والحالة النقدية لدى الفرد، ما يقوله “ولي الأمر” هو الحق وليس ما يراه العقل حقًا. كذلك تصبح رؤى “ولي الأمر” أقوى مما يراهُ بقية الفاعلين في الدولة، ومظاهر “التغيير” في هذه المجتمعات هي بالضرورة نتيجة لرؤية ورغبة “ولي الأمر” وليست نتيجة للتغير الطبيعي في وعي هذه المتجمعات أو نضوج انسانها وتجاربه. وعلى أي حال؛ خليجيًا، لا تزال سُلطة “ولي الأمر” تتموضع كعقبة في طريق التطور الديموقراطي لشعوب الخليج كافة، ولكأن لهذه المركزيات مكانة نفسية وعاطفية تصيب بعض العقول بالشلل.
الاتباع الأعمى
تتميز المجتمعات الخليجية كغيرها من المجتمعات بتعدد مذهبي وقبلي وعشائري من أصول مختلفة. ولضمان التعايش السلمي بين هذه المكونات والتطور نحو القيم الديموقراطية لابد من أن تتضاعف جهود صناعة الوعي لدى المواطن الخليجي ليفهم الآتي: لا تصفق للسلطة إذا ظلمت فئة أخرى، قف مع المبدأ، مع الحق.
لا شك أن المجتمعات الخليجية بدأت ترى وتتلمس وتختبر النتائج السلبية لسياسات وخيارات الاصطفاف الطائفي والقبلي، وكيف أن الدوائر وحلقات الإستهداف تدور بين مكوناتها. إن بناء مجتمعات صحية وديموقراطية مستدامة يتطلب تصحيح أخطاءنا، لا أن نرمي الآخرين باللوم والاتهامات دون أن نرى أو نلتفت لعيوبنا. غنيٌ على القول، التركيز على ضرورة أن نعمل بجدية للأجيال القادمة، وأن نؤسس قيماً سياسيةً تتماشى مع حلم الديموقراطية المنشودة لشعوب هذه المنطقة.
الأجهزة الأمنية وانعدام الضمير
رغم أن منتسبي أجهزة أمن الدولة ووزارات الداخلية هم مواطنون (على الأقل في أغلب دول الخليج) إلا أن البعض من منتسبي هذه الأجهزة وبشهادات وتقارير حقوقية موثوقة يفتقرون – مهنياً وأخلاقياً – لمحددات قانونية وأخلاقية في تطبيق أعمالهم وممارسة صلاحياتهم. يكاد بعضهم فعلاً أن يكون “معدوم الضمير”، إن صح التعبير.
وتكشف التقارير الحقوقية والشهادات الموثقة عن حالات عدة مارس فيها بعض الأفراد في هذه الأجهزة ممارسات مدانة ومستنكرة، ليس أقلها تلفيق الإتهامات والتعذيب وصولاً للقتل. خلاف ذلك، تنشط لبعض هذه الأجهزة حسابات الكترونية يتم تسليطها وتوجيهها لإيذاء بعض النخب السياسية أو الاعلامية بما يشمل التخويف والترهيب وتشويه السمعة، بعض هذه الانتهاكات هي سياسات ممنهجة، دون شك.
تنتعش الديموقراطيات في الدول بالضمائر الحية والحس الإنساني في الدولة والمجتمع، من خلال وعي الناس ورفضهم للظلم. وندرك جميعًا أن إحدى صور مأساتنا في دول الخليج هو أن بعض المؤسسات الأمنية هي مؤسسات مُطلقة اليد، دون رقابة أو محاسبة.
الحالة الشعاراتية
كويتياً، يدرك المتأمل في أحداث حركة كرامة وطن في 2012م، خصوصًا في سلوك بعض الشباب صغار السن (الذين شاركوا فيها رافعين أصواتهم للمطالبة بالإصلاحات)، يُدرك أن غالبية هؤلاء الشباب كانوا يتبعون قادة معينيين دون أدنى وعي بمفهوم الحرية والديمقراطية، أو بالشعارات التي كانوا ينادون بها.
كان قادة الحراك يُطالبون بحكومة شعبية (فقط)، أما الحرية بمفهومها الإنساني العام فلم تكن تخطر على بالهم أو تمثل جزءاً من اهتماماتهم. هؤلاء الشباب لم يصل بعضهم إلى حرية القرار فيما يتعلق بحياتهم وحرياتهم الشخصية بل أن بعض المشاركين في الحراك لم يكن يستطيع – أو ربما يريد – المناقشة أو الشك في قيم الطاعة لكبير العائلة أو الأب التي لا تزال تحكمهم، وتتحكم فيهم.
في الخُلاصات، الديموقراطية تبنى على مهل، ليست ثوبًا نرتديه فجأة فنصبح مجتمعًا ديموقراطيًا. نحتاج أن نمر في مراحل نضوج لوعينا، ولابد أن نرجع على أنفسنا ونفكر نقديًا بمعتقداتنا وقيمنا التي تحكم حياتنا. لا شك أن البيت الخليجي مطالب بأن يُصارع نفسه، سواء على مستوى وعينا نحن كأفراد، أو على مستوى الأسر الحاكمة التي عليها أيضا مسئولية تبني ونشر القيم الديموقراطية وما يتصل بها من حقوق الإنسان بالمعنى الحقيقي للكلمة، وليس بالفرض والإجبار على شاكلة “أنا أحيي وأميت”.