الخليج أونلاين-
تتسارع الخطوات العربية الرسمية للتطبيع مع "إسرائيل"، وأصبح لدى دولة الاحتلال ضمانة من كثير من العرب بتخليهم عن منطق المواجهة العسكرية واستعداد جلّهم للتعايش معها.
وتعكس اللقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين عرب رغبة من الطرفين لرؤية علاقات تُنهي حالة "العداء" بينهما، دون أن يكون الفلسطينيون جزءاً منها، بعد ترسيخ واقع عزل المسار الفلسطيني عن المسار العربي؛ والقبول بإدماج "إسرائيل" في منطقة الشرق الأوسط كقوة فاعلة.
ويتخذ العرب، وزعماء خليجيون بشكل خاص، العداوة مع إيران ذريعة لتلك العلاقات والتعاون مع "إسرائيل" في مجالات التقنيات والمسائل الأمنية وغيرها، ما يفرض السؤال: إلى أين ستصل هذه العلاقات التي تتزايد، أمام فرضية السلام مع دولة الاحتلال والقبول التام بها كدولة في الشرق الأوسط.
مؤتمر وارسو
بدأت التحركات مؤخراً من قبل واشنطن لجمع العرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكان أول لقاء يجمع العرب بـ"إسرائيل" في مكان واحد في مؤتمر وارسو في بولندا، فبراير 2019.
جاءت فكرة المؤتمر في البداية كمقترح أمريكي لعقد اجتماع دولي من أجل الضغط على إيران، لكن عدداً من الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة لم يبدوا حماساً للفكرة، فتوسعت أجندته ليكون اجتماعاً على المستوى الوزاري "يروج لمستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط".
شارك في المؤتمر 60 دولة، بينها عشر دول تمثل الشرق الأوسط، تسع منها عربية: السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والأردن والكويت والمغرب وعُمان، إضافة إلى "إسرائيل".
وربط مؤتمر وارسو بقطار التطبيع الخليجي مع "إسرائيل"، والحديث عن فكرة التحالف الاستراتيجي، إذ تعتقد إدارة ترامب أن من شأن آلية التحالف الذي أُعلن عنه خلال المؤتمر لمواجهة إيران، أن تقرّب بين "إسرائيل" والدول الخليجية، لما يجمعها من هدف رئيسي يتمثل في مواجهة طهران، وهو ما أظهرته اللقاءات الحميمية لوزراء عرب وخليجيين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
مؤتمر صفقة القرن بالمنامة
لم يكد المواطنون العرب يستفيقون من صفعة تلقوها من قادة بلادهم بحضور مؤتمر وارسو، حتى تلقوا صفعة أخرى، وخصوصاً من دول الخليج، بعقد مؤتمر للترويج لـ"صفقة القرن" المُقوِّضة للحق الفلسطيني، والتي تحاول أمريكا من خلالها إنهاء الصراع في البلد المحتل، والذي عقد في يونيو 2019.
حاولت الإمارات والسعودية الترويج للمؤتمر وللعلاقة مع "إسرائيل" عن طريق مسؤولين أو ناشطين صغار، لتجاوُز الإعلان الرسمي عن الانفتاح مع دولة الاحتلال، في حين اختارت البحرين الوضوح أكثر وفضح تودُّدها إلى تل أبيب، وإقامة المؤتمر في أراضيها.
واستقبلت البحرين، لأول مرة في تاريخها، وسائل إعلام إسرائيلية، جاءت لتغطية "ورشة المنامة"، وعمِل فريق من البيت الأبيض الأمريكي على دخولها ومشاركتها.
ويعد الحضور السعودي والإماراتي، والدعم البحريني لهذا المؤتمر، تهديداً كبيراً للقضية الفلسطينية، وبداية طريق واضح للاتفاق مع "تل أبيب" وبناء دولة لهم تقوّض حقوق الفلسطينيين.
الدفاع عن أمن الخليج
ومن جديد تتصدر المنامة مسألة التطبيع، ويبدو أن الإمارات والسعودية ترغبان في جعلها الواجهة لتخفيف حدة الغضب العربي، حيث استضافت البحرين، خلال يومي 21- 22 أكتوبر 2019، "مؤتمراً بشأن الدفاع عن حرية الملاحة في الخليج".
هذا المؤتمر يأتي متابعة لمؤتمر وارسو الذي بادرت إليه الإدارة الأمريكية قبل أشهر، وتشارك فيه -بالإضافة إلى الولايات المتحدة والبحرين- 60 دولة، أبرزها السعودية والإمارات وأستراليا وبريطانيا.
وفي أغسطس الماضي أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن بلاده ستشارك في المهمة الأمنية والاستخباراتية البحرية في الخليج العربي.
وفي يوليو الماضي أعلنت واشنطن أنها تسعى إلى تشكيل تحالف عسكري في غضون أسابيع؛ بادعاء حماية المياه الاستراتيجية في الخليج.
وتتهم واشنطن وعواصم خليجية حليفة لها طهران باستهداف سفن تجارية ومنشآت نفطية في الخليج، وهو ما نفته إيران وعرضت توقيع اتفاقية "عدم اعتداء" مع دول الخليج.
غياب الرؤية العربية
المحلل السياسي الفلسطيني عدنان سيف، قال إن التوجه العام للدول العربية، وخصوصاً الخليجية، يوحي بأن منحنى التطبيع إلى ارتفاع.
وأوضح، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن أكثر ما يزعج الفلسطينيين هو "هرولة دول خليجية نحو "إسرائيل"، وذلك بسبب غياب الرؤية والاستراتيجية العربية".
وتوقع سيف أن "التطبيع مع "إسرائيل"، ورغم أنه خطأ عربي، سينمو سريعاً في 2019، وسيتراجع عن العلنية".
وأوضح أن الجانب الإسرائيلي لن يمكّن الدول العربية من التوجه العلني نحو التطبيع، في ظل رفضه لفرص السلام، وانتهاكاته المستمرة، وعدم قدرة الأنظمة العربية على التقييم السليم لتحركاتها الخاطئة صوب دولة الاحتلال.
وأكد أن مظاهر التطبيع العربي تزامنت مع سياقات ودوافع تهدف إلى الدفع بعجلة التطبيع نحو الأمام بصيغ مختلفة، في ظل حالة من الضعف والصراعات العربية مع إيران، واستثمار الإدارة الأمريكية للخلاف العربي الإيراني من أجل إحداث مقاربة مع "إسرائيل".
وأضاف: "تتزامن هذه المظاهر مع استمرار الخلاف العربي العربي، وخاصة الخلاف الخليجي، إضافة إلى اشتداد الأزمة في دول الربيع العربي، التي ولّدت حالة من الانقسام العربي، وأحدثت نوعاً من الهرولة نحو التطبيع، إضافة إلى الخلاف الفلسطيني الفلسطيني القديم".
الربيع العربي وإيران
أما الباحث الفلسطيني مأمون أبو عامر فقد رأى أن الكثير من الأنظمة العربية وقعت سابقاً في خطأ، باعتقادها أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على حمايتها، خصوصاً الأنظمة التي تخاف من الإطاحة بها من الشارع المحلي، بعد بروز الربيع العربي.
ويوضح "أبو عامر" أن تلك الأنظمة وجدت في التطبيع مع "إسرائيل" طريقة لحماية نفسها من أي تهديد داخلي، خصوصاً مع وصول العلاقات بين الاحتلال وأمريكا إلى مرحلة متقدمة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، بعدما وجدت أن هذا الأمر أثبت فشله مع استمرار ثورات الربيع العربي، لم تجد هذه الأنظمة سوى "التهديد الإيراني" سبيلاً آخر للتطبيع مع "إسرائيل" لكونه عاملاً مشتركاً من المخاوف.
وأوضح ان التوتر في منطقة الخليج، خصوصاً منذ صعود ترامب، كشف عن أن الأنظمة العربية، ولا سيما بعد استهداف أرامكو السعودية، لم تعد تعول على الإدارة الأمريكية في حمايتها، ما دفعها بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة لطرق أبواب تل أبيب.
وأضاف: "لا يزال بعض العرب يراهن أن يكون حليفاً مباشراً مع إسرائيل، خصوصاً بعد أن اعترض نتنياهو على عدم ضرب أمريكا لإيران، وهو ما يتوافق مع مطالب دول عربية وخليجية بعمل عسكري ضد إيران".
وأكد أن "رفع مستوى العلاقات إلى مستوى التحالف مع "إسرائيل" يعد خطيراً جداً، لأنهم باعتقادهم أنه سيوفر لهم حماية من الجانب الإيراني، في حين أن الحقيقة هي أن إسرائيل لن تحرس أحداً، وهي تريد حماية نفسها، وستضحي بالعرب من أجل نفسها وشعبها".
ودعا في ختام حديثه إلى "موقف عربي موحد مشترك لحل جميع الخلافات، ونزع التوتر مع إيران، ورفض سياسة التهديد والوصاية، والاعتماد على أنفسهم" دون الحاجة إلى الولايات المتحدة أو "إسرائيل".
سوابق في التطبيع
ولعل أبرز مظاهر عملية التطبيع التي لم تخفَ على أحد خلال العامين الأخيرين، الزيارات المتبادلة المعلنة بين قيادات إسرائيلية وأخرى عربية، وخصوصاً زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لسلطنة عمان في أكتوبر من العام الماضي 2019، وزيارة وزير الخارجية الاحتلال إلى الإمارات في يونيو 2019.
كما برز التطبيع العلني من خلال سماح دول خليجية لوفود رياضية بدخول أراضيها، كما أن هناك زيارات أخرى أخذت طابعاً أقرب للعلني، والتي يعزوها مراقبون إلى رغبة الإدارة الأمريكية في جس النبض العربي قبل إعلان مبادرة السلام.
كما أن تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط بمصر، الذي ضم سبع دول من بينها "إسرائيل"، بالإضافة إلى فلسطين وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن ومصر، هو الآخر له دلالة كبيرة في موضوع التطبيع.
ويرى كثير من المراقبين أن منتدى الغاز كانت له أهداف سياسية أكبر من الأهداف الاقتصادية؛ فمن أهدافه إنشاء سوق غاز إقليمية تضمن تأمين العرض والطلب للدول الأعضاء، بما يعني تأمين وصول الغاز الإسرائيلي للعرب والأوروبيين، دون اعتبار لإرادة الشعوب الرافضة للتطبيع ولمشروعية هذه الصفقات باعتبارها أن "إسرائيل" دولة محتلة للأراضي الفلسطينية.