احمد شوقي- راصد الخليج-
يتساءل الكثيرون بمزيج من الدهشة والريبة عن اسباب استثناء دول الخليج من الثورات، وخاصة بعد الموجة التي اطلق عليها "الربيع العربي" وما تشهده من تداعيات وتوابع وتجدد للموجات في بلدان لم تطالها الموجة الأولى.
ومصدر الدهشة هنا، هو ان الاوضاع التي قامت الثورات بسببها موجودة بشكل او بآخر في بلدان الخليج، فقد قامت الثورات فيما تم اعلانه على استبداد، هو بلا شك موجود بالخليج بشكل مكثف حيث ينتفي وجود حتى البرلمانات ولو كانت شكلية في بلدان اخرى، كما ينتفي وجود دستور فعلي من الاصل في معظم بلدان الخليج حيث توجد دساتير شكلية تتغنى بأن الشعب هو مصدر السلطات، وهو ما يبتعد كليا عن الواقع ويتناقض جذريا مع الممارسة.
ومن مصادر الدهشة ايضا ان هناك ثورات تقوم بسبب الفساد وسيطرة طبقة صغيرة على الثروة، بينما دول الخليج تسيطر بها عائلات وليس حتى طبقات صغيرة على الثروات، كما ان هناك صعوبات اقتصادية ومعاناة لشرائح اجتماعية تتناقض جذريا مع ما تتمتع به البلاد من رؤوس للأموال، ومع البذخ في الانفاق السلطوي، وكذلك مقدار المدفوعات للغرب وتحديدا امريكا لحماية العروش.
ومصدر الريبة، هو اجتماع الدهشة مع انتفاء وجود نوع اخر من الثورات، وهو الثورات الملونة، والتي تستغل بعض الاوضاع لتنفيذ مخطط يخدم اجندات استعمارية، حيث توجه هذه الثورات البوصلة ناحية خيارات ضيقة تتقاطع مع مصالح الدول الكبرى، وتظهر بهذه الثورات اصابع استخبارات هذه الدول، وهو ما لا يوجد ايضا ببلدان الخليج.
ومن هنا تجتمع عوامل الدهشة لتتحول الى ريبة، وخاصة وان هناك رعاية خليجية لكثير من الثورات الملونة، سواء بتسليح بعض هذه الثورات مما انهجت العنف واستخدمت التكفيريين، او عبر تمويل ورعاية اعلامية وسياسية، لبعض من هذه الثورات والتي انتهجت منهجا يسمى "التغيير السلمي" على نمط حركة "أوتبور".
وهنا لا بد وان نرصد ان الثورات المستحقة والشريفة هي فائدة ومنفعة للمجتمعات والبلدان، وتقود الى تغيير جذري نحو الافضل ونحو الصالح العام، بينما الثورات الملونة وانتهاج العنف والقتل والترويع والارهاب هي منفعة للاستعمار وخراب للدول.
وبينما تجنبت دول الخليج حتى الان نمط الثورات الملونة بسبب الصداقة مع الغرب والتعاون الوثيق في تمويل بعض من هذه الثورات خدمة للغرب، فإن اسباب تجنب الثورات الشريفة، هو القمع الشديد لاي محاولات ثورية، كما حدث بالبحرين وبعض بذور الثورات في عدة مناطق سعودية، وبسبب تضييق الخناق على الحياة السياسية وعدم وجود حياة سياسية من الاصل في معظم هذه الدول، وهو ما يخلق مناخا من الاستعباد وفقدان الوعي السياسي ويكرس حالة من حالات الاستسلام المهين للشعوب، تجعل من فكرة الثورة فكرة غريبة لا ترد على الاذهان الا ربما كما ترد فكرة الكفر على المؤمن كهمزة من همزات الشياطين !
والسؤال هنا: هل يكن قيام ثورات بالخليج؟
وقبل محاولة الاجتهاد قي الاجابة، ينبغي توضيح ان هذا المقال ليس دعوة لقيام ثورة بالخليج، وليس دعوة للتحريض الجماهيري، وانما هو محاولة لقراءة الظاهرة وتلافي التداعيات الخطيرة، لان اوضاعا ثورية بلا ثورة يعني عقليا وعمليا وتاريخيا، انتفاضات وصراعات دموية مؤجلة وهو ما لا يراد في اي من بلادنا العربية والاسلامية، ولكن للأسف لا يعي كثير ممن لديهم السلطة منطق التاريخ او الانسانية، حيسث تكمن الشعوب، وتاريخيا وفي عصر العبودية، كان العبيد ايضا يكمنون الى ان تتاح الفرص للانتفاض والثأر، ورغم ان الثورات فعل غير منضبط الا انه يعد منضبطا مقارنة بانتفاضات دموية وفوضى عارمة نتيجة التمادي في الفساد والمظالم وانسداد الافاق للتغيير الاصلاح والاعتراف بالشعوب ناهيك عن حقوقها المشروعة.
نعتقد ان اولى خطوات تلافي مصائر السوء، هي ان ترفع دول الخليج يدها عن الثورات الملونة التي ترعاها في بلدان شقيقة وان تكون قبلتها هي مساعدة الشعوب على التحرر الوطني لا توجيه بوصلة القوى الفاعلة على الارض فيها لابقاء اليلاد الشقيقة تحت مظلة التبعية للاستعمار، والتفرغ لمحاسبة النفس لا لتوجيه الاخرين، حيث هناك مهام ثقيلة وعاجلة داخلية، على دول الخليج القيام بها لاصلاح الداخل الخليجي، واعادة البلاد لاحضان الامة بتغيير جذري في السياسات الخارجية، واعادة الشعوب لاحضان البلاد بتغيير جذري في السياسات الداخلية.
هذا والا وبقانون الارتداد، فإن الخليج مقبل على ثورات كبرى، منها ما هو حقيقي، وقد لا تفلت ايضا من ثورات ملونة برعاية حلفاء هذه الدول من الاستخبارات الغربية ذاتها، حيث للغرب شروط في الحلفاء، قد يخرج الخليج من مظلتها اذا ما تحولت لدول فاشلة ومهددة بالفوضى، فعلى الخليج الانتباه.