الخليج الجديد-
ألقت أزمة حصار قطر بظلالها على علاقة تركيا بدول الخليج؛ ففي الوقت الذي شهدت فيه علاقة أنقرة والدوحة تطورا خلال عام 2019، تدهورت العلاقات التركية السعودية وتنامت حدة العداء بين أنقرة وأبوظبي.
وظهر في 2019 التناغم الكبير والاتفاق في وجهات النظر بين أنقرة والدوحة تجاه الكثير من قضايا المنطقة، مثل الأزمات في سوريا وليبيا واليمن والوضع بالعراق.
وفي سياق التقارب، شهد عاما 2018 و2019 تسع لقاءات بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وأمير قطر "تميم بن حمد"، أحدثها في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، خلال الاجتماع الخامس للجنة الاستراتيجية العليا التركية القطرية.
ومنذ تأسيسها، عقدت اللجنة 4 اجتماعات، مناصفة بين قطر وتركيا، نتج عنها إبرام 55 اتفاقية في مجالات متنوعة.
وشهد عام 2019 نموا واضحا في المجال الاقتصادي بين البلدين مقارنة بـ2018.
إذ بلغت قيمة الصادرات التركية إلى قطر حتى سبتمبر/أيلول 2019، 838 مليون دولار، بزيادة %8.7 مقارنة بالفترة نفسها من 2018.
في حين بلغت قيمة الصادرات القطرية إلى تركيا خلال 2018 مليارا و53 مليون دولار، ووصلت حتى سبتمبر/أيلول 2019 إلى 209 ملايين دولار.
وتعززت العلاقات على المستوى العسكري، عقب اندلاع الأزمة الخليجية، في يونيو/حزيران 2017؛ حيث دخلت اتفاقية التعاون العسكري حيز التنفيذ، بعد مصادقة البرلمان التركي عليها، واعتمادها من "أردوغان".
وتكثفت الزيارات المتبادلة على مستويات عسكرية متعددة، أحدثها زيارة رئيس الأركان العامة بالجيش التركي، "ياشار غولر" إلى الدوحة في سبتمبر/أيلول 2019.
ووقعت قطر وتركيا، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اتفاقية تعاون بشأن التدابير الأمنية المتخذة خلال تنظيم بطولة نهائيات كأس العالم لكرة القدم في قطر، شتاء 2022.
وتلقى 44 ضابطا قطريا، خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تدريبات في تركيا، وقدم أفراد من الشرطة التركية دورات تدريبية لنظرائهم القطريين في الدوحة.
لم يقتصر التناغم بين تركيا وقطر على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري، بل انعكس أيضا على العلاقات الثقافية، ففي يوليو/تموز 2019 شهد بسفور إسطنبول انطلاق رحلة "فتح الخير" البحرية، لتجوب أوروبا وشمال أفريقيا، حاملة رسالة الثقافة والتراث القطري إلى شعوب البحر المتوسط والعالم، وللترويج لمونديال 2022.
ومن ضمن مجالات التعاون بين البلدين أيضا، التنسيق المشترك في مجال الإغاثة؛ حيث ترتبط المؤسسات التركية والقطرية بعلاقة وطيدة، بفضل مشاريع مشتركة، خاصة في قضية اللاجئين من سوريا ودول أفريقية.
وزار مدير صندوق التنمية القطري، "خليفة بن جاسم الكواري" تركيا، في فبراير/شباط 2019؛ حيث بحث مجالات التعاون في قضايا المساعدات الإنسانية والإنمائية.
كما زار وفد من مؤسسة المجتمع الإسلامي في أوروبا "مللي غوروش" (أسسها أتراك في ألمانيا)، الدوحة، في أكتوبر/تشرين الأول 2019؛ للتعريف بمشروع مسجد ومجمع "أيوب سلطان" في مدينة ستراسبورغ الفرنسية.
وفي إطار تدعيم العلاقات التركية القطرية في المجال الصحي، تم في 17 يناير/كانون الثاني 2019، افتتاح أول مستشفى تركي في قطر، باستثمار بلغ 82 مليون دولار.
الإمارات
أظهر عام 2019 عمق التوتر بين أنقرة وأبوظبي، خاصة بعد خبر اعتقال السلطات التركية شخصين ينتميان لدولة عربية بتهمة التجسس لصالح الإمارات.
ويأخذ طابع الصراع بين أبوظبي وأنقرة صور عدة، من أبرزها الحرب الناعمة عبر وسائل الإعلام؛ حيث واصلت وسائل الإعلام المحسوبة على الإمارات، نقل الأخبار المتعلقة بالاقتصاد التركي، وكأنه على شفا حفرة من الانهيار، خاصة مع تراجع بعض المؤشرات الاقتصادية بتركيا بجوار تراجع العملة، مثل ارتفاع معدل التضخم، وزيادة معدلات البطالة.
كذلك كان لافتا للنظر أداء وسائل الإعلام الإماراتية عقب انتخابات البلديات التي شهدتها تركيا نهاية مارس/آذار 2019؛ حيث ركزت على تصوير الوضع على أنها هزيمة ساحقة لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، رغم استحواذ الأخير على 53% من إجمالي مقاعد البلديات.
ولم يؤثر توتر العلاقات السياسية بين الإمارات وتركيا، على طبيعة العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ حيث بقيت علاقات الإمارات الاقتصادية مع تركيا في حالة إيجابية، لا تتناسب مع سخونة أحداث الخلاف السياسي بينهما.
وحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، فإن الإمارات تأتي ضمن أكبر 20 دولة على مؤشر الصادرات والواردات السلعية لتركيا، فقد احتلت المرتبة رقم 14 من حيث الدول المستقبلة للصادرات التركية، ولا تشارك الإمارات في قائمة أكبر 20 دولة مستقبلة للصادرات السلعية التركية على الصعيد العربي سوى العراق ومصر.
أما على صعيد الواردات التركية من الإمارات، فقد احتلت الإمارات المرتبة 13 من بين أكبر 20 دولة على قائمة الواردات التركية. وتُعد الإمارات الدولة العربية الوحيدة التي تضمها قائمة أكبر 20 دولة تستورد منها تركيا.
ومثل الانقلاب الفاشل الذي حدث في تركيا يوم 15 يوليو/تموز 2016 محطة فارقة في تاريخ العلاقات الإماراتية التركية؛ حيث اتهمت بعض وسائل الإعلام التركية الإمارات بدعم الانقلاب.
وتفيد تقارير إعلامية تركية بأن وزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو" ألمح إلى تورط الإمارات في الأمر حين قال: "إننا نعلم أن دولة قدمت 3 مليارات دولار دعما ماليا لمحاولة الانقلاب في تركيا".
وتزامنا مع الحملة العسكرية التركية ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية شمالي سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وقفت الإمارات ضد العملية، فيما أفادت تقارير بأن الميليشيات الكردية تتلقى الدعم من أبوظبي.
السعودية
وتجلت في 2019 مظاهر الحرب الباردة بين تركيا والسعودية؛ حيث عمدت وسائل إعلام مرئية ومكتوبة في المملكة إلى نشر أخبار سلبية غير صحيحة، منها خبر "اختفاء 1006 مواطنين سعوديين في تركيا دون العلم بمصيرهم"، على حد زعمها.
وعلى خلفية هذا الخبر، دعت وسائل الإعلام تلك السعوديين وباقي المواطنين الخليجيين لعدم زيارة تركيا؛ "حفاظا على أرواحهم وأموالهم التي ستتعرض للخطر إذا ذهبوا إليها"، في محاولة لبث الذعر والخوف لدى السياح. لكن بعد ذلك تأكد أن الخبر عار تماما عن الصحة.
يشار إلى أن الأخبار المعادية لتركيا في الإعلام السعودي اكتسبت زخما أكبر عقب أزمة حصار قطر، وجريمة قتل الصحفي "جمال خاشقجي"، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018.
موقع "ميدل إيست آي" البريطاني نشر في أغسطس/آب 2019 تقريرا يكشف فيه عن تفاصيل خطة استراتيجية تهدف إلى مواجهة الحكومة التركية وإضعافها من خلال استخدام جميع الأدوات الممكنة، بما فيها تقليص الاستثمارات السعودية في تركيا، وعدم استيراد البضائع التركية، وخفض عدد السياح السعوديين الذين يزورون تركيا.
ويشير التقرير إلى مؤشرات تؤكد تنفيذ الخطة المذكورة، كعرقلة دخول الشاحنات التركية في الموانئ السعودية، وانخفاض عدد السياح السعوديين الذين زاروا تركيا خلال النصف الأول من 2019.
وحسب أرقام وزارة السياحة التركية، تراجعت أعداد الزوار السعوديين بنسبة 30% في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2019 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
العلاقة الباردة بين الرياض وأنقرة تجلت في غياب "أردوغان" عن قمّة منظّمة التعاون الإسلامي التي استضافتها مكّة المكرّمة في مايو/أيار 2019، وهيمنت عليها الخلافات السعوديّة مع إيران.
في المقابل، جرى استبعاد السعودية من القمة الإسلامية المصغرة التي دعا لها رئيس الوزراء الماليزي، "مهاتير محمد"، والتي تضم 5 دول؛ هي: ماليزيا وقطر وإندونيسيا وتركيا وباكستان، في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وبدا خلال 2019 أن أنقرة ترغب في فصل حادثة مقتل "خاشقجي" عن علاقاتها الثنائية مع السعودية، خاصة على الصعيد الاقتصادي في ظل الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي تمر بها تركيا.
وحسب مراقبين، فإن العلاقات السعودية التركية قد تشهد تحسنا في حال المصالحة الخليجية، وتجاوز أزمة "خاشقجي"، خاصة مع حالة عدم الثقة التي بدأت في الظهور بين السعودية والإمارات جراء موقف الأخيرة من الحرب في اليمن والمواجهة مع إيران.