سيث فرينتزمان/ المجلس الأطلسي-
في أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى عُمان في زيارة غير معلنة. وكان هذا أول اجتماع منذ 20 عامًا مع دولة ليس لـ (إسرائيل) علاقات معها، كما أنه كان مؤشرًا على الجهود الإسرائيلية المتزايدة لبناء العلاقات مع الدول العربية في المنطقة. ويتم الاحتفاظ بالعديد من هذه العلاقات إما سرية أو تجري بهدوء خلف الكواليس. ومع ذلك، بعد أكثر من عام من رحلة عُمان، يواجه "نتنياهو" أزمات سياسية وقانونية في الداخل، وتوترات مع إيران في المنطقة. ويؤدي هذا إلى تساؤلات حول المستقبل القريب، فما الذي قد يتطور في العلاقات الإسرائيلية الخليجية؟ وهل ستصبح أي من المناقشات التي تجري خلف الكواليس أكثر رسمية أو مؤسسية؟
2019 كان عامًا غير مسبوق للسياسة الأمريكية في المنطقة، وكذلك للعلاقات بين (إسرائيل) ودول الخليج. ففي شهر مايو/أيار، ازداد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، بعد أن اتهمت الولايات المتحدة إيران بشن هجمات على ناقلات النفط. وتم إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، وتم شن هجوم بالطائرات بدون طيار وصواريخ كروز على منشآت النفط السعودية في سبتمبر/أيلول، حيث تتهم أطراف عدة إيران بالمسؤولية عن الهجوم.
وتوجد لدى (إسرائيل) ودول الخليج العديد من الأشياء المشتركة التي تزيد من احتمالات العمل سويًا عبر مجالات مثل التكنولوجيا الفائقة والتكنولوجيا الزراعية، وأنواع الابتكارات التي جعلت تل أبيب مركزًا للشركات الناشئة. وطالما ظل الأمن هو العامل الدافع للعلاقة، تكون هناك فرصة أقل لتداول هذه العلاقة.
"تهديدات مشتركة"
على الجبهة الأمنية، فإن التقدم الذي أحرزته (إسرائيل) في مجال الدفاع الجوي والاستخبارات له تداعيات على دول الخليج التي لها مصالح مشتركة. على سبيل المثال، سيكون التعاون وفق وجهات النظر المشتركة حول التهديدات الإيرانية، مثل حوادث "بقيق" أو خليج عُمان، طريقًا طبيعيًا للتعاون، رغم أن المزيد من التعاون العام يرتبط تاريخيًا بتحولات القضية الفلسطينية-الإسرائيلية ودور الولايات المتحدة في المنطقة.
ومع ذلك، فقد اختبرت تصرفات إيران عزم الولايات المتحدة والسعودية. ويخلق هذا مشكلة معقدة لجميع دول الخليج، وخاصة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية، لأن التوترات المتزايدة تؤثر على شحنات النفط، ويمكنها زعزعة استقرار المنطقة إذا اندلعت حرب أوسع.
وسافر رئيس هيئة الأركان المشتركة "مارك ميلي" مؤخرًا إلى كل من (إسرائيل) والخليج لطمأنة الحلفاء الإقليميين. حيث زار الأردن والبحرين والسعودية، وهي الدول الرئيسية التي ترتبط بعلاقات ما مع (إسرائيل)، أو تشترك معها في مخاوف التهديد الإيراني. وفي حين لم ترد الرياض على هجوم "بقيق" في سبتمبر/أيلول، ردت (إسرائيل) على إيران بشكل أساسي في سوريا، حيث شنت الغارات الجوية في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني ضد أهداف الحرس الثوري الإيراني، ردًا على إطلاق الصواريخ. ونظرت (إسرائيل) إلى الهجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار على "بقيق" على أنه ينطوي على آثار تهدد أمنها، مع احتمال إشعاله لصراع أوسع في منطقة الخليج.
وعلى الرغم من التوترات الإقليمية مع إيران، يوجد تحفظ بشأن تغيير الوضع القائم الناشئ في العلاقات بين (إسرائيل) والخليج. حيث يقول السفير الأمريكي السابق لدى (إسرائيل)، والزميل الزائر بمعهد دراسات الأمن القومي، "دان شابيرو"، إن هناك تفاعلا حقيقيًا في العلاقات، لكنها علاقة براجماتية وقد تكون محدودة.
تطبيع ناقص
ويتمثل التحدي الحالي لدول الخليج و(إسرائيل) في أنه في حين أن لديهم تهديدات مشتركة، إلا أنهم لا يتمتعون دائمًا بنفس المصالح. وقد لعبت عُمان دورًا رئيسيًا في اقتراح مزيد من التواصل مع (إسرائيل)، وكانت تجتمع أيضًا مع الولايات المتحدة وإيران. وتضع عُمان نفسها كدولة وساطة رئيسية تربط الخليج وإيران و(إسرائيل) والغرب. وبينما ترفع سلطنة عمان مكانتها الدولية من خلال هذه الدبلوماسية المكوكية، يبدو أن (إسرائيل) لم تحصل إلا على زيارة محدودة، ولم تحدث تطورات جديدة منذ الربيع الماضي.
ومع ذلك، تريد (إسرائيل) المزيد من الدلائل على نمو العلاقات، كما يتضح من رد "نتنياهو" السريع على تغريدة وزير الخارجية الإماراتي في ديسمبر/كانون الأول. وبعد أن كتب "عبدالله بن زايد آل نهيان" تغريدة تشير إلى الانفتاح على (إسرائيل)، كتب "نتنياهو": "أرحب بالعلاقات الأوثق بين (إسرائيل) والعديد من الدول العربية". من الواضح أن "نتنياهو" يريد التطبيع وأن يتم الوصول إلى اتفاق ما قريبًا.
وبدا أن (إسرائيل) حظيت باستقبال حار نسبيًا في البحرين، في "قمة السلام الاقتصادي"، التي انعقدت في يونيو/حزيران 2019 من قبل واشنطن. وبعد ذلك، التقى وزير الخارجية الإسرائيلي بنظيره البحريني في واشنطن، في يوليو/تموز، وأرسلت (إسرائيل) ممثلًا لها في مؤتمر للأمن البحري في أكتوبر/تشرين الأول. وكانت هناك أيضًا مقابلة بين وزير خارجية البحرين وصحفي إسرائيلي. وتشير التقارير الصحفية إلى أنه بعد مؤتمر يونيو/حزيران، أصبحت دول الخليج و(إسرائيل) أكثر قربًا مقارنة بما قبله، لكن العلاقات الكاملة ما زالت غير مرجحة. وجادلت قناة "تي آر تي" التركية الموالية للحكومة بأن الاجتماع يمثل "تحرك (إسرائيل) نحو علاقة أكثر تطبيعًا"، وأن البحرين بدت "تدعم" أفعال (إسرائيل).
وعلى الرغم من ضجة التطبيع و"الجبهة الموحدة" ضد إيران، ما زال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. وصرحت العضو السابق في الكنيست "كسينيا سفيتلوفا"، كبير محللي الأبحاث في معهد السياسات والاستراتيجية في "هرتسليا"، أن هناك الكثير من الإمكانات، لكن المناقشات الأمنية تقود العلاقة في الوقت الحالي.
السلام أولا
ويعد الرأي السائد بين الخبراء هو أن الطريق إلى التطبيع لا يزال يعتمد على خطة سلام مع الفلسطينيين، حتى لو كان التهديد من إيران قد قلل من الأهمية الفورية لاتفاق السلام. ولكن في ظل حكومة "نتنياهو" الحالية في (إسرائيل)، التي أصبحت الآن في السلطة منذ أكثر من 10 أعوام، فلا تبدو المخاطرة بمحادثات سلام جديدة مع الفلسطينيين للحصول على التطبيع مع دول الخليج شيئًا ترغب القيادة الإسرائيلية في القيام به.
وبدلًا من ذلك، يكتفي "نتنياهو" بالحوار الحالي نحو المزيد من العلاقات العامة، ويحافظ على المصالح المشتركة فيما يتعلق بإيران. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، شكك "نتنياهو" في أي اتفاق سلامٍ جديد مع الفلسطينيين، وفضل "إدارة الصراع الأقرب إلى الوطن من تقديم مبادرات كبرى". وتتعارض مثل هذه المخاطرة مع الاتجاهات في الخليج أيضًا، لأنه لا يبدو أن (إسرائيل) تحت قيادة "نتنياهو"، أو قيادة الخليج، تريد إشعال حريق كبير مع إيران، حتى عندما ينتقدون تحركاتها.
ويزعم وزير الخارجية الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" أن الولايات المتحدة و(إسرائيل) تجريان مناقشات حول مبادرة "عدم اعتداء" مع دول من الخليج لم يذكر اسمها. وقد يتسبب أي تغيير في الائتلاف الحاكم في (إسرائيل) تحسين العلاقات مع الأردن، ما قد يسبب تأثير الدومينو في الخليج. ومع ذلك، فإن التوازن الدقيق محفوف بعلامات استفهام، فلم تتغير العلاقات بين (إسرائيل) وعُمان منذ زيارة العام الماضي. وبالمثل، إلى جانب تغريدة واحدة وعدد قليل من التعليقات الإيجابية، أو التقارير حول اتفاق عدم اعتداء تدعمه الولايات المتحدة، لا توجد خطوات كبيرة.
وتعلق (إسرائيل) في مأزق سياسي بإجراء انتخابات ثالثة خلال عام. وتحاول إيران التغلب على العقوبات من خلال الدبلوماسية واختبار عزم الولايات المتحدة. ويواجه التحالف الخليجي الرئيسي بين الإمارات والسعودية ضغوطًا على جبهات أخرى، من اليمن إلى ليبيا مروا باستمرار الأزمات مع قطر. وفي حين أن شركاء (إسرائيل) الواضحين أكثر علانية حول وجهات النظر الإيجابية عن (إسرائيل) أو الانفتاح على الزيارات، بقيت الإمكانات لتحقيق المزيد محدودة. وبدون مزيد من التطبيع، لا يمكن تحقيق أشكال أخرى من التقدم، بما في ذلك في العلاقات الاقتصادية. وسوف تناسب مشاركة نجاحات التكنولوجيا المتقدمة لـ (إسرائيل) اقتصادات الخليج بشكل أكبر.
وتوجد بالطبع مسارات ممكنة إلى الأمام. وإذا تم منع اندلاع حرب أخرى في غزة، سوف يدعم ذلك الاتصالات مع قطر وحماس. وإذا قامت قطر بتوطيد العلاقات مع السعودية والإمارات، بينما تخفف عُمان من التوترات مع إيران، فقد تجد (إسرائيل) دورها المحتمل في الخليج يتحول من الأمن إلى المستوى السياسي والاقتصادي. وإلى جانب التوترات مع إيران، تتشارك الإمارات و(إسرائيل) ومصر والسعودية مخاوف مماثلة بشأن التحركات التركية الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط. وقد برز إجماع متزايد في الآراء بين هذه الدول، لكن ليس لدى أي منها رؤية للخطوة الرئيسية التالية.