بعد استعراض الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لخطته للسلام، في 28 يناير/كانون الثاني 2020، خرجت أصوات مسؤولي دول الخليج مرتبكة، فقد قالوا إنهم يدعمون جهود "ترامب" لتعزيز السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن لا يبدو أنهم يؤيدون الخطوات التي توجت بإعلان الخطة.
وفي حين أن مواقف دول الخليج تجاه مبادرة السلام الأمريكية ليست موحدة أو منسقة، لكنها تعكس جميعها الجهود لتحقيق التوازن بين الحفاظ على علاقة جيدة مع واشنطن من أجل مواجهة التهديدات الإقليمية، مع عدم تبني مواقف واشنطن المؤيدة لـ(إسرائيل)، التي قد تعرضهم لتهم محلية وإقليمية بتقويض القضية الفلسطينية.
وربما يكون الموقف السعودي هو الأكثر إثارة للاهتمام، بسبب العلاقات الشخصية والثنائية القوية التي يشترك فيها البيت الأبيض مع الرياض.
وقد فشلت هذه العلاقات في الخروج بتأييد رسمي كامل للخطة الأمريكية، ودعم المسؤولون السعوديون الاقتراح ضمنيا، بعد الامتناع عن حضور مؤتمر الكشف عنه، وذلك عن طريق إصدار بيانات تقدير لجهود الولايات المتحدة وتشجيع العودة إلى المفاوضات الثنائية.
وفي الآونة الأخيرة، أشار وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية "عادل الجبير" بعبارات إيجابية غامضة إلى أن "هناك عناصر إيجابية في خطة ترامب للسلام. ويمكن لهذه العناصر أن تضع الأساس للتفاوض بين الجانبين".
وذكر الرد السعودي "المبادرة العربية للسلام" كواحدة من عدة خطط سلام مطروحة على الطاولة، الأمر الذي ربما يشير إلى أن المملكة العربية السعودية أكثر براجماتية ومرونة في حل النزاع.
ومع ذلك، دعمت الرياض أيضا بعض الردود الجماعية الرافضة للخطة من العالمين العربي والإسلامي، بما في ذلك إعلان قمة جامعة الدول العربية في القاهرة، التي قالت إن أعضاءها لن يتعاونوا مع خطة إدارة "ترامب"؛ لأنها لا تفي بالحد الأدنى من المتطلبات اللازمة لتحقيق السلام.
وبالمثل، انعقدت منظمة التعاون الإسلامي في جدة، ودعت كل من الهيئات التابعة لها إلى عدم تسهيل الجهود الأمريكية لتنفيذ الاقتراح، وجاءت هذه الإيماءات بعد مكالمة من الملك "سلمان" إلى رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" بعد فترة وجيزة من إطلاق الخطة، طمأنه خلالها بالتزام السعودية بالقضية الفلسطينية.
واستخدم "آل سعود" قنوات غير رسمية مع نسبة إنكار معقولة كوسيلة أساسية لإظهار الدعم لـ"صفقة القرن". وتحدثت الصحافة السعودية، (التي تمثل بوضوح موقف المملكة)، بشكل إيجابي عن خطة "ترامب"، وأعرب رئيس قناة "العربية"، المقربة من الديوان الملكي، عن تعاطفه مع الفلسطينيين، ولكنه حث القيادة الفلسطينية أيضا على عدم تبديد هذه الفرصة لإعادة فتح المفاوضات مع (إسرائيل).
وسخر كاتب آخر في صحيفة "عكاظ" السعودية اليومية من المدافعين عن القضية الفلسطينية، قائلا: "سوف يستمع الفلسطينيون إلى تجار القضية الفلسطينية الذين يتحدثون بضجة كبيرة.. سيكتشفون بعد فوات الأوان أن هذه الضجة كانت تهدف إلى استغلالهم من أجل تدمير المنطقة"، لكن لم يكن كل رد الفعل غير الرسمي مؤيدا للخطة، حيث انتقد الأمير "تركي بن فيصل" بشدة الخطة في أحاديثه الموجهة إلى وسائل الإعلام الدولية.
وقدمت دول الخليج الأخرى أشكالا متفاوتة من النهج السعودي الحذر.
وكان رد فعل الإمارات هو الأكثر حسما في المنطقة، كما يتضح من تمثيلها في مؤتمر الإعلان عن الخطة، وكذلك في الرد الرسمي الذي أعقب الإعلان.
وقد يكون الدافع وراء التواجد الإماراتي في حدث 28 يناير/كانون الثاني مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك الرغبة في علاقات قوية مع الولايات المتحدة في لحظة من عدم الاستقرار في المنطقة، وتراجع الاهتمام التاريخي بالصراع، والمنافسة مع عُمان، التي حضرت هذا الحدث أيضا لكنها التزمت الصمت بعد ذلك إلى حد كبير.
وبينما جاءت التصريحات من سفير الإمارات في واشنطن، وليس من مسؤول على مستوى مجلس الوزراء مثلا، أعلنت الإمارات أن المبادرة الأمريكية تشكل "أساسا للمفاوضات ونقطة انطلاق مهمة".
وفيما يخص قطر، فقد رحبت رسميا بالخطة مع توجيه الانتقادات عبر وسائل الإعلام غير الرسمية، وقالت إحدى وسائل الإعلام التي تتخذ من الدوحة مقرا لها إنه "منذ دخوله البيت الأبيض، لم يتوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبدا عن إهداء الهدايا لصديقه، رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
ونشر منفذ إعلامي آخر رسما كاريكاتوريا يصور لفافة من ورق التواليت مكتوب عليها عبارة "صفقة القرن"، تاركا للقراء مجالا صغيرا للخيال حول ما يجب أن يكون بالوثيقة.
وبالرغم من أن هناك أمثلة قليلة على وجود تأييد عربي غير متحفظ للخطة، لكنه من المهم أيضا أن يكون هناك عدد قليل من الإدانات الصريحة من جانب الحكومات العربية لخطة تفضل (إسرائيل) أكثر من أي خطة سلام أمريكية سابقة.
وبالطبع، استقبل وكلاء إيران في سوريا واليمن ولبنان والعراق الخطة بالخطاب العدائي المعتاد، لكن هذه المرة، كانوا منعزلين عن الغالبية العظمى من المنطقة، التي سعت إلى تجنب الإضرار بالعلاقات مع الولايات المتحدة من خلال إدانتها لمبادرتها الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن للمرء أن يستبعد احتمال أن تنظر بعض الحكومات العربية إلى هذا على أنه فرصة حقيقية لإطلاق مفاوضات لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بعد أن تراجعت القضية عن جدول أعمال العالم.
الاستنتاجات
بشكل عام، شكلت ردود فعل دول الخليج الحذرة على "صفقة القرن" التي قدمها "ترامب" خروجا عن النهج المعتاد تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويبدو أنها اعتمدت هنا استراتيجيات مختلفة.
ويستخدم البعض منها تكتيك بث الرسائل المختلطة، مع التعبير عن آرائها عبر المنصات الإعلامية غير الرسمية، في محاولة لتحقيق التوازن المطلوب وتقليل تعريض العلاقات مع الولايات المتحدة للخطر.
ويمكن اعتبار الدرس الرئيسي لـ (إسرائيل) هنا هو أن دول الخليج سوف تجد صعوبة في التعامل مع المعارضة العربية والإسلامية لاقتراح السلام الذي يرفضه الفلسطينيون، لذلك، لا يمكن التعويل على الأمل في أن يتم إجبار الفلسطينيين على قبول الاقتراح تحت التهديد والتخويف من فقدان الدعم.
وينبغي للمرء أن يتوقع أيضا أن تتخذ دول الخليج موقفا أكثر سلبية وحسما من خطة "ترامب" إذا بدأت (إسرائيل) خطوات من جانب واحد، بما في ذلك إجراءات الضم، ويمكن أن يؤدي هذا بتلك الدول إلى المشاركة بنشاط في خطوات ضد (إسرائيل).
وئيل جوزانيسكي | ناشيونال إنترست - ترجمة الخليج الجديد