أحمد شوقي- راصد الخليج-
اصبح مصطلح القوة الناعمة مستخدما بكثرة لوصف النفوذ المعنوي والروحي، وهو مصطلح صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع.
وهناك اتفاق على ان القوة الناعمة تعني أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية عبر ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق وايضا من خلال الدعم في مجالات متعددة مثل حقوق الإنسان والفن والبنية التحتية والثقافة، وهو بالتالي ما يؤدي بالآخرين لاحترام هذا النمط واتباع مصادره.
وفي امتنا مثال يشكل مصداقا لذلك في فترة التحرر الوطني، حيث شكلت مصر مصدرا كبيرا لهذا المفهوم حتى قبل صياغة المصطلح عبر دعمها لحركات التحرر بالتزامن مع نهضتها الثقافية والاعلامية والفنية التي شكلت مصداقية يكنها العرب لمصر حتى الان رغم تبدل الامور وانقلاب السياسات راسا على عقب.
والسؤال هنا بخصوص الخليج، والذي يعتبر قائدا عمليا لمعظم القرارات العربية بعد تخلي مصر عن دور القيادة، فهل تمتع بهذه القوة الناعمة؟
هل شكل الخليج تموذجا ملهما في اي مجال من المجالات، وهل تكفي المساعدات المالية او الطفرة العمرانية لتشكيل هذه القوة الناعمة؟
واقع الحال يقول ان اعتماد المال كسلاح للنفوذ لا يشكل نموذجا او قوة ناعمة، بل هو عمليا قوة ضغط خشنة مثلها مثل الحروب، فهو اما شراء للذمم او ضغط عبر التجويع، طالما ارتبط بتدخلات سياسية واشتراطات.
وامريكا التي اعتمدت طويلا على القوة الناعمة عبر تصدير ثقافتها وفنونها وانماطها الاستهلاكية وتشدقها بحقوق الانسان والديمقراطية، سرعان ما انكشفت وفقدت هذه القوة الناعمة، فعادت لاستخدام القوة الخشنة سواء بالسلاح ان امكن، وحاليا بالحصار والعقوبات بعد بروز المقاومات وتوازن الرعب.
اي ان المنح والمنع هو من ادبيات القوة الخشنة، وهو النمط المتبع خليجيا.
ومن ضمن الامثلة، يمكن مثلا ان نستعرض ما قاله أحمد الجار الله رئيس تحرير صحيفة "السياسة" الكويتية في مقال عن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب مدافعا عن منع تقديم مساعدات للبنان للخروج من ازمتها الاقتصادية حيث قال نصا "هذه الدول تقول له من الآن إنه غير مرحب به.. فهي لن تقبل ببعث الروح في الأفعى المسماة “حزب الله”، ولن تخضع لابتزازه تحت عنوان مساعدة الشعب اللبناني".
هذا نموذج للتدخل في السياسات عبر المال يعكس ثقافة خليجية تجعل من المساعدات سيفا استعماريا وليس تعاونا اخويا متبادلا!
ايضا، رجل الأعمال الإماراتي البارز خلف أحمد الحبتور، تنبأ بعدم تقديم أي مساعدات "ما دام لبنان في قبضة حزب الله وحركة أمل، وما دامت شوارعه وجامعاته معرضاً لصور (مجرمي) الحرس الثوري الإيراني وشعارات ملالي إيران"، في إشارة لصور قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي قتلته واشنطن مطلع يناير الجاري في بغداد وحرص حزب الله على تعليق صوره في شوارع لبنان.
وهنا لن نناقش او نجادل في الدور الايراني وكذلك لن نجادل في حقيقة هيمنة حزب الله على الحكومة فهو ليس موضوع المقال.
الشاهد هنا هو ان المساعدات الخليجية مشروطة بالتدخل في سياسات البلاد ولبست مساعدات للشعوب او حتى استثمارات براجماتية.
وهنا نجد تطابقا مع المواقف الامريكية، حيث كشفت مصادر دبلوماسية أميركية أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وضعت حسان دياب أمام اختبار اثبات عدم تبعية حكومته لحزب الله أولا ثم مدى قدرتها على تنفيذ برامج الإصلاح والشفافية ومكافحة الفساد حتى تقرر إذا كان يستحق الإفراج عن أي مساعدات دولية.
وهي مواقف تضع الخليج وامريكا في خانة واحدة معادية للشعوب.
المنح والمنع استخدم لتغيير السلطات والمجئ بانظمة موالية لا تخرج عن الفلك الخليجي المتطابق دوما مع الفلك الامريكي وحديثا مع الفلك الصهيوني.
ولان الثروات ليست باقية، والايام يتم تداولها في السياسة كما هو قانون دنيوي عام، فإن ما يبقى في ذاكرة الشعوب لن يذسى، وستكون له انعكاسات سياسية مستقبلية، نحذر شعوب الخليج منها.
وهو ما يجعل على هذه الشعوب مسؤولية التبرؤ من هذه السياسات واعلان مواقفها بدلا من الصمت الذي يوحي بالموافقة والقبول لهذه السياسات الاستعمارية والتي لا تليق في العلاقات الاخوية بين شعوب امتنا.
ان كانت الشعوب ضعيفة ولم تتمرس على المعارضة بسبب طبيعة انظمة الخليج القمعية، فعلى الاقل، لا يجب ان تصدر اصواتا مؤيدة كالتي نراها يالصحف ووسائل التواصل، لان الذهنية الشعبية العربية لازالت تحتفظ بهامش للتمييز بين الشعوب والانظمة الرسمية، بينما انتشار مواقع التواصل قلل من هذا الهامش، حيث يكشف ما يمكن ان يكون توافقا شعبيا مع انظمة فقدت بريقها ومصداقيتها لدى الشعوب، وهو ما يشكل ناقوسا للخطر ينذر بتوترات وضغائن بين الشعوب والتي يعول على وحدتها في انقاذ الامة واعادة وحدتها!