د. ظافر محمد العجمي- العرب القطرية-
بعد استنفاذها القيم الديمقراطية والحرية والعدل، أخذت أميركا تلقي في وجه العالم الكتل القبيحة الفائضة من حضارتها، فبعد تكشيرة قاتل جورج فلويد، وهو يتكئ على عنق الرجل المسكين بركبته، ظهرت ثقافة النميمة السياسية المدفوعة بالجشع والانتقام، متلبسة بدعوى الإصلاح والتقويم السياسي لمسيرة حكم البيت الأبيض.
فمستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، والذي قدّم روايته الخاصة لأحداث البيت الأبيض في فترة عمله في كتابه «الغرفة التي شهدت الأحداث»، والمكون من 592 صفحة اطلعت عليه بنسخة PDF، قبل أن تتسارع القنوات والمواقع الإلكترونية إلى تسليط الضوء على محتوى الكتاب أو محاورة مؤلفه.
وضم هذا الكتاب ذكر الخليج في ثقافة النميمة الجديدة، ومن ذلك أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قناعة بـ«أن الدول الخليجية ليس لديها مشكلة في الدفع للأميركيين مقابل الحماية»، و«على دول الخليج أن يدفعوا تكاليف عملياتنا المستقبلية، بل «إنهم الآن يوقعون بعض الشيكات ويجب عليهم فعل ذلك حالاً، فلا نريد نفطهم من بعد الآن»!
وهو بهذا الكلام يعرف من يقصد ويبني على وقائع وأحداث، كما يشير في كتابه «الغرفة التي شهدت الأحداث»، وفي السياق نفسه وفي موضوع السفن الخليجية التي تعرضت للاعتداءات صيف 2019، قال جون بولتون: «اتصلت بترمب وأخبرته بما رأيت، فقال لي: لا تعبرهم أو لا تقل شيئاً، كان ترمب يدرس كم سيدفعون من أجل أي تحرك أميركي من أجلهم!».
لقد وجد من يتحامل على دول الخليج في كتاب بولتون نافذة لانتقادنا، لكنه كسب رخيص لم يخرج عن تكرار أسطوانة سابقة، فما الجديد؟ فموضوع عدم ممانعة الخليجيين الدفع في المقتطف الأول صحيح، لكن تحكم ذلك اتفاقيات أمنية لم نخل بها، وحرص ترمب على دفع ثمن الأمن لا يشمل دول الخليج.
فها هو يطالب ألمانيا بدفع 2% من ناتجها القومي للناتو، مهدّدا بعدم حمايتهم، أما دفع ثمن العمليات المستقبلية فلم يحدث، لأن ترمب أرسل مخفره العائم المسمى إبراهام لنكولن ليقف خارج مضيق هرمز، وحين أسقطت المسيّرة الأميركية لم يرد بطلقة واحدة!
فلأية عملية يدفع الخليجيون الثمن، فحتى التعرض للسفن في الخليج لم تطلق البحرية الأميركية طلقة واحدة، حتى يذهب ترمب لمساومتنا، أم أنه ساومنا فرفضنا، فهو لم يدخل في هذا الصراع بالخليج، وعليه فنميمة جون بولتون حشو مثير لأفئدة الدهماء من المتحاملين على الخليج العربي.
النميمة السياسية لبولتون لم تكن مفاجئة لنا، فالرجل متناقض ومسيرته المهنية فيها مصلحية تسلّقية عالية، فقد كان مؤيداً لحرب فيتنام، لكنه تجنّب الخدمة العسكرية فيها عن قصد.
وهو مع العرب كعضو في لجنة السلام والأمن في الخليج CPSG، لكنه في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي JINSA، لقد صدق بومبيو بوصف بولتون بالخيانة، فلها جانب أخلاقي، فحفظ الأسرار أرقى آداب الفراق، فكيف وثق به كذراعه اليمنى، وعندما اختلف معه انتقم بنشر ما أمّنه، من باب «ما دمت مغرّب خرّب».
لم يغيّر نشر وثائق ويكيليكس العسكرية الأشدّ مصداقية من المشهد الاستراتيجي، واستمر احتلال العراق حتى استنفذ أغراضه بالاتفاقيات النفطية والاستراتيجية، ومثلها تسريبات سنودن بوثائق وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، فكيف ستؤثر مذكرات بولتون التي لا تتعدى الكيدية حتى في المشهد الانتخابي في أميركا؟!!