الخليج أونلاين-
امتلاكها 54% من احتياطي النفط في العالم، و40% من احتياطي الغاز الطبيعي؛ جعل منطقة الخليج العربي تنال أهمية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
وتكشف هذه الأهمية أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الخليج العربي اقتصادية بالأساس، فثمة ارتباط بين استقرار السوق في الخليج وتعافي اقتصاد الشريك الأمريكي، وهو ما جعل واشنطن تهتم كثيراً باستقرار هذه المنطقة أمنياً.
وعلى مدى عقود توطدت العلاقات الخليجية الأمريكية مدفوعةً بالتبادل المنفعي بين الجانبين، لتُتوَّج بتأسيس الشراكة الاستراتيجية الخليجية الأمريكية التي تم إعلانها في عام 2015.
التواصل في إطار هذه الشراكة استمر على مدى السنوات اللاحقة، وأثمر اتفاقيات وتعاوناً صب في مصلحة الطرفين الخليجي والأمريكي، خاصة في مجال الأمن.
آخر ما أعلِنَ في هذا الصدد كان الأربعاء 15 يوليو الجاري، حيث اجتمع الأمين المساعد للشؤون السياسة والمفاوضات بالأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، عبد العزيز العويشق، بمقر الأمانة العامة في مدينة الرياض، مع وفد من السفارة الأمريكية لدى السعودية.
ووفق ما ذكره موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، جرى خلال الاجتماع بحث العلاقات بين مجلس التعاون والولايات المتحدة والسبل الكفيلة بتعزيزها وتنميتها، ومناقشة الترتيبات لانعقاد عدد من مجموعات العمل المشترك خلال عام 2020.
تاريخ طويل
تاريخ العلاقات الخليجية الأمريكية طويل ويعود إلى اكتشاف كميات كبيرة من النفط في البحرين عام 1932. كان ذلك بداية وجود الشركات الأمريكية للخليج من خلال شركة "ستاندرد أويل" للنفط وذلك عام 1933.
لكن لقاء العاهل السعودي الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، في فبراير عام 1945، على ظهر الطراد الأمريكي "كوينسي"، يمثل بداية تأسيس العلاقة القوية.
تلك العلاقة التي تأسست بقوة آنذاك، لم تكن تمثل فقط علاقة الرياض بواشنطن، بل أسست علاقة قوية للولايات المتحدة مع جميع دول الخليج.
تأسيس منظمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" في بغداد عام 1960، كان تحوُّلاً تاريخياً في علاقات دول الخليج مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصفة عامة.
البيان التأسيسي للمنظمة كان يضم اثنتين من دول الخليج (السعودية والكويت)، لكن سرعان ما انضمت إليهما قطر عام 1961، ثم الإمارات عام 1967.
ذلك كان نتيجة مباشرة للهيمنة التي كانت تمارسها شركات النفط العالمية في ذلك الوقت؛ وهو ما دفع الدول المنتجة، ومن بينها دول الخليج العربية، إلى التخلص من هذا الاحتكار.
حماية المنطقة
ازدياد أهمية النفط جعل منه ثروة تتطلب حماية كبيرة؛ هذا ما دفع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، في خطابه الاتحادي عام 1980، إلى أن يصرح علانية بالدفاع عن منطقة الخليج أمام أي تهديدات.
وقال كارتر في خطاب له: "أية محاولة من قوة خارجية للسيطرة على الخليج العربي هي بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وستتم مواجهة هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، وضمن ذلك القوة العسكرية".
جاء ذلك بعد أن انعكست واردات النفط الهائلة بداية من منتصف سبعينيات القرن الماضي، في شكل نوع جديد من الشراكة الخليجية-الأمريكية قائم على تطوير القدرات الأمنية والعسكرية لدول المنطقة.
ورافق هذا التعاون تعاونٌ آخر في مجالات الحفر والتنقيب وتكنولوجيا النفط والغاز مع كبريات الشركات الأمريكية للعمل بالخليج العربي.
حروب في الخليج
بناء على العلاقات المتينة القائمة على المصالح بالدرجة الأساس، كان لا بد من أن تتخذ واشنطن الإجراءات اللازمة لحماية حلفائها في الخليج مع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988).
في هذه الفترة اتخذت الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج والولايات المتحدة بُعداً آخر قائماً على ضرورة التعاون الجاد لحفظ الأمن بمنطقة الخليج في وجه التحديات الأمنية التي تؤثر على استقرارها.
شهدت تلك الفترة توقيع اتفاقيات الدفاع المشترك بين الدول الخليجية، كل على حدة، مع الولايات المتحدة.
من بين هذه الاتفاقيات، الاتفاقية الأمنية العمانية - الأمريكية عام 1981، التي تم تجديدها حتى نهاية عام 2010، وتسمح بتعاون شامل بين الدولتين لحفظ الأمن والملاحة في منطقة الخليج.
بعد حرب تحرير الكويت في عام 1991، وقعت كل من السعودية والكويت اتفاقيات مماثلة مع الجانب الأمريكي؛ تضمنت شراكة استراتيجية ودفاعية طويلة الأمد تعززها العلاقات المتينة بين الدولتين وبين الولايات المتحدة.
وفي عام 1992، وقَّعت قطر مع الولايات المتحدة اتفاقية أمنية لتقوية التعاون بين الدولتين في الشؤون العسكرية.
عام 2005 انطلق تعاون خليجي جديد مع أمريكا سُمي "حوار الأمن الخليجي"، جاء تجسيداً للجهود التي بذلتها واشنطن من خلال تعزيز قدرات الردع العسكرية لدول الخليج العربية.
والحديث يطول حول التعاون الخليجي الأمريكي، خاصة مع شعور واشنطن بأن إيران تمثل تهديداً كبيراً للمنطقة ومصالح واشنطن فيها.
ويفسر هذا الأمر وجود قوات وقواعد أمريكية في منطقة الخليج، وصفقات تسليح عديدة أبرمتها الدول الخليجية مع الولايات المتحدة في السنوات الخمس الأخيرة.
التعاون الاستراتيجي
يقود الحديث عن التعاون الخليجي الأمريكي إلى الحديث عن منتدى التعاون الاستراتيجي لدول مجلس التعاون والولايات المتحدة، الذي أطلِقَ في 31 مارس 2012، من خلال اجتماع وزراء خارجية دول المجلس ووزير الخارجية الأمريكية.
هدف المنتدى كان وضع إطار رسمي للتعاون الاستراتيجي في القضايا السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.
وبالعودة إلى آخر ما تجسده مسيرة التعاون الخليجي الأمريكي، وفي إطار اجتماع عبد العزيز العويشق مع وفد أمريكي، الأربعاء 15 يوليو الجاري، فقد ناقش الاجتماع مسيرة تنفيذ الاتفاقية الإطارية للتعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري والفني بين الجانبين، خاصةً الحوار الرابع للتجارة والاستثمار المزمع عقده خلال عام 2020، وزيادة معدلات الاستثمار والتبادل التجاري بين الجانبين.
بين ترامب وأسلافه
العلاقة المتينة بين دول الخليج وأمريكا والتي توطدت على مدى سنوات طويلة، وفق مراقبين، تغيرت في طبيعتها مع تولي الرئيس دونالد ترامب في يناير 2017.
هذا ما يذهب إليه الكاتب حمد العامر، في مقال له بصحيفة "الأيام" البحرينية، حمل عنوان "العلاقات الخليجية الأمريكية في خط المواجهة".
يصف الكاتب العلاقات الخليجية الأمريكية بأنها تمر بمرحلة حرجة جداً، وأنها تتأرجح "بين المدّ والجزر بعد أن أخذت مساراً بعيداً كل البعد عن العلاقات التاريخية، منذ تولّي دونالد ترامب رئاسة أمريكا".
يقول العامر إن سياسة ترامب أضعفت النفوذ الأمريكي واستقرار منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، مشيراً إلى أن منطقة الخليج "تضرَّرت من التوتر القائم مع إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في (8 مايو 2018م)".