صحيفة نيويورك تايمز-
تقول صحيفة “نيويورك تايمز” إن الدول الموقعة على اتفاقية تطبيع دبلوماسي في البيت الأبيض لديها مصلحة في فوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية ولهذا منحته جائزة انتخابية وحولته لصانع سلام.
وجاء في التقرير الذي أعده مايكل كراولي وديفيد هالبفينغر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مدين بشدة لترامب الذي لم يتوقف عن منحه العطايا والهدايا الدبلوماسية والتي كانت تأتيه في اللحظة المناسبة لإنقاذه سياسيا. وبنفس المثابة يشعر قادة دول الخليج العربية بالامتنان له، لأنه تبنى حكوماتهم وزاد من الضغط على عدوتهم اللدودة إيران، ودافع عنهم أمام النقد الموجه لهم في واشنطن. ومثل نتنياهو فهم حريصون على فوزه مرة ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر. ومن هنا جاءت مناسبة الثلاثاء التي حضرتها الدول الموقعة وعينة مختارة من المسؤولين الخليجيين الذين قاموا برد الجميل لترامب. وقاموا بالدور المطلوب وهو دعمه من خلال المشاركة في التوقيع على اتفاقيتي تطبيع بين إسرائيل والبحرين والإمارات اللتين يقدمهما ترامب على أنهما إنجاز تاريخي لإدارته.
والاتفاقيتان في الجوهر لا تمثلان “سلاما” يزعمه ترامب. فلن توقفا النزاع الحقيقي بل وتؤسسان للتطبيع -بما فيها علاقات دبلوماسية وسفر متبادل- بين دولة عبرية ودولتين عربيتين، وهي دول لم تخض حروبا أبدا وتقيم ولعدة سنوات علاقات سرية، تحت ذريعة مواجهة إيران.
ولكن الإنجاز كما بدا في حملة الدعاية الأخيرة لترامب أصبح في قلب رسالة ترامب بشأن السياسة الخارجية، خاصة أن الانتخابات الرئاسية تقترب.
وجوهر الرسالة هو أن الرئيس رغم خطابه الداعي للحرب وعدم التكهن بتحركاته، حقق الانسجام والسلام في منطقة الشرق الفوضوية. ولا شك أن إسرائيل والبحرين والإمارات -اللتين حصلتا كما يفترض على مباركة من جارتهما القوية السعودية- لديها المحفز لدعم ترامب وتصويره كدبلوماسي قوي. ففي الإعلانات التي نشرتها حملته على فيسبوك أعلنت بالخط العريض أن ترامب “أنجز السلام في الشرق الأوسط”، وأشارت إلى أنه مرشح لجهوده لكي يحصل على جائزة نوبل للسلام رغم الخطأ الإملائي في كتابة اسم نوبل. وذكرت الصحيفة أن الترشيح للجائزة مفتوح للجميع وكل ما يحتاجه الشخص هو قيام آخر بتقديم اسمه للجنة. وما نسيته حملة ترامب أن من رشحاه للجائزة هما نائبان متطرفان من اسكندنافيا.
وقالت هالي سوفير، المديرة التنفيذية للمجلس اليهودي الديمقراطي الأمريكي: “لا يمكن تجاهل حدوث هذا قبل 48 يوما من انتخاباتنا” و”خلال الانتخابات الثلاثة التي جرت في إسرائيل حاول دونالد ترامب وضع إصبعه على الميزان لصالح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وجاء الآن نتنياهو إلى واشنطن وسط مشاكله السياسية في إسرائيل”. ولاحظت سوفير أن الحديث عن “السلام في الشرق الأوسط” هو نوع من الخداع واستخدام مصطلح يستخدم عادة لوصف تسوية كبيرة بين إسرائيل والفلسطينيين- وهو جهد منفصل قامت به إدارة ترامب وتوقف وفضل عليه إعلانات دبلوماسية متواضعة. وقالت: “يمكن للواحد افتراض أن هذا مدفوع بأجندة ومصالح ترامب السياسية وكتابة إنجازات على اللوح قبل الانتخابات”.
ونفس الكلام ينسحب على دول الخليج كما يقول يوئيل غونزانسكي، الزميل في معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب ومسؤول ملف الخليج سابقا بمجلس الأمن القومي، حيث قال: “ترغب هذه الدول ببقاء ترامب في السلطة وهي تخشى من وصول بايدن إلى الحكم” و”تخشى من لين بايدن تجاه إيران وشدة عليهم في مجال حقوق الإنسان والأمور الأخرى وحتى وقف الأسلحة التي تباهى ترامب ببيعها”.
وترفض إدارة ترامب هذا الكلام، قائلة إن هذا النقد يحرم الرئيس من الجهود الدبلوماسية القوية والعمل على ربط إسرائيل مع قادة الخليج الذين لم يكونوا متأكدين من مدى قبول العالم العربي لإسرائيل. وقال مستشار الرئيس جارد كوشنر في تصريحات الأسبوع الماضي: “لم يكن هناك حوار بين البحرين وإسرائيل ولا بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل قبل هذا. وقمنا ببناء الثقة بين الأطراف”. وقال عن مناسبة التوقيع يوم الثلاثاء: “من النادر مشاهدة اتفاقية سلام والأندر أن تشاهد توقيع اتفاقيتين في يوم واحد”. ولكن هناك عدة أسباب لتوقيع هذا الاتفاق الآن وأبعد من مجرد احتفال في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض بحضور 200 مدعو؛ ذلك أن السعودية والإمارات تواجهان أزمة سمعة في واشنطن بسبب التدخل العسكري في اليمن والكارثة الإنسانية التي أثارت شجبا دوليا.
ويأمل ولي العهد السعودي التخلص من وضعية المنبوذ بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر 2018 ويفترض أنه أعطى مباركته الخاصة للاتفاقين. وبالنسبة لنتنياهو فهي هروب أو حرف للأنظار ولو لفترة قصيرة عن مشاكله داخل إسرائيل الناجمة عن محاكمات الفساد وسوء إدارته لأزمة فيروس كورونا.
وتوقع المحللون ظهور نتنياهو إلى جانب ترامب في الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية لرد الجميل له على دعمه السياسي والتأكد من استمرار رئاسته وسياساته. وبعد كل هذا كان ترامب جيدا مع نتنياهو الذي كان يقاتل للنجاة. وقبل أسبوعين من الانتخابات التي كان يواجه فيها نتنياهو منافسة حادة أعلن ترامب عن اعترافه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية. وعندما كان نتنياهو يواجه انتخابات أخرى بداية هذا العام استقبله ترامب في البيت الأبيض وكشف عن خطة سلام متحيزة بالكامل لإسرائيل.
ومرة أخرى يأتي نتنياهو إلى البيت الأبيض بعدما فرض إغلاقا عاما بسبب زيادة حالات كوفيد-19. وظلت التظاهرات مستمرة أسبوعيا أمام محل إقامته في القدس. واحتشد المتظاهرون يوم الأحد في الطريق المؤدي إلى مطار بن غوريون، وحمل بعضهم يافطات تتمنى أن تكون رحلة بدون عودة. وبنفس السياق يشعر ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات بالامتنان لترامب بسبب موقفه المتشدد من إيران وخروجه من الاتفاقية التي وقعتها إدارة سلفه باراك أوباما مع طهران ولدعمه حليفه في السعودية.
ويقول روبرت مالي، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي والذي أشرف على شؤون الشرق الأوسط في عهد أوباما: “أعتقد أن حسابات الإمارات تقوم على أنها رد جميل نعمله لإدارة ترامب” و”نحن مدينون لهم”. وقال إن الإمارات تعي مثل إسرائيل أن انتخاب جوزيف بايدن يعني سياسات أقل تساوقا مع سياساتهم. ويتوقع أن يعيد بايدن التواصل مع إيران دبلوماسيا. وفي الحزب الديمقراطي أصوات مؤثرة وناقدة لكل من إسرائيل ودول الخليج العربية. كما أنها “بوليصة تأمين مع بايدن”.
وقال مسؤول إن عددا من الدول العربية الأخرى سترسل ممثلين إلى احتفال الثلاثاء. وأضاف أن الإدارة تفكر في تمرير صفقة أف-35 للإمارات التي يعتقد الكثيرون أنها اشترطت الحصول عليها مقابل التطبيع. ونفى المسؤول هذه التكهنات وأنها مقايضة، مؤكدا أنه مهما حصل فستؤكد إدارة ترامب على التفوق النوعي العسكري لإسرائيل في المنطقة. وبالنسبة للفلسطينيين فإن مناسبة الثلاثاء ستزيد من حنقهم لأن الإمارات قررت التطبيع بدون استشارتهم.
ويقول يوسف مناير، الزميل في المركز العربي بواشنطن، إن “جهود إدارة ترامب لدفع الأنظمة العربية المعادية للديمقراطية إلى فتح علاقات مع إسرائيل ستؤدي لتطبيع الاحتلال والتمييز العنصري في فلسطين وتقوية الأنظمة الملكية التي تقمع المعارضة في الخليج وتقوي من سردية النظام الإيراني”. وكل هذا “من أجل صور قبل الانتخابات”.